البرجماتية تحكم الموقف.. علاقة الشد والجذب بين تركيا و«تحرير الشام»
على مدار سنوات الحرب السورية غيرت تركيا في حساباتها والأذرع المعتمدة عليها عشرات المرات، إذ تعد علاقتها بما تعرف بهيئة تحرير الشام، كبرى الفصائل المسلحة في الشمال السوري والمنشقة عن تنظيم «القاعدة» الإرهابي، أبرز العلاقات التي شهدت تقاربًا وتباعدًا خلال السنوات الأخيرة.
وبحكم الثقل الذي تتمتع به تلك الهيئة، إذ تعد الكيان الحاكم في مدينة «إدلب» الحدودية بين تركيا وسوريا، شهدت العلاقات بينها وبين تركيا توترات وتفاهمات، انتهت إلى دفع أنقرة، الهيئة نحو تحسين صورتها، لتقدمها للعالم ككيان مدني لا يمت للفكر الجهادي المسلح بصلة.
وظهر ذلك منذ عامين وتحديدًا في 2018، عندما عملت الهيئة على التحول نحو المدنية، وتمثل ذلك في عقد مؤتمرين أحدهما اقتصادي والآخر زراعي في «إدلب»، لاسيما تدشينها لحكومة واستحداث منصب متحدث يرتدي رابطة عنق، ويجري حوارات مع الصحف، وهو المدعو «يوسف الهجر».
واستندت «الهيئة» في مسيرتها نحو المدنيّة على تجربة حركة «طالبان» الأفغانية التي تجمعها طاولة مفاوضات مع الولايات المتحدة، وتروج الهيئة لــ«طالبان» على أنها كيان منتصر أجبر عدوه على الجلوس معه على طاولة واحدة، وبدأت في 2018 التغزل في تجربة «طالبان»، واصفة سياستها بالحنكة، إلا أن هذا الخطاب لم يرُق لبعض القيادات بالهيئة وتحديدًا غير السوريين منهم، حتى أن بعضهم انشق عنها أو تم التخلص منه، حتى لا يكون عقبة في طريقها.
أما العناصر الصغيرة بـ«الهيئة» الذين غادروا بلدانهم بغرض الالتحاق بها في زمن قوتها، فكانوا عقبة ثانية حاولت الهيئة تجاوزها عبر توجيه خطاب لهم، يعتمد على الاحتواء ومحاولة دمجهم في المسار الجديد.
ولا يمكن التعامل مع سعي «تحرير الشام» إلى محاكاة تجربة «طالبان»، كحدث جديد، إذ تعتبر «الهيئة» نموذج الحركة الأفغانية ضامنًا لإرضاء طموحاتها السياسية في المشهد السوري.
ويُستدل على ذلك بالتحولات المتكررة التي أجرتها «الهيئة»، منذ تأسيسها وحتى الآن، إذ استهلت مشوارها بانقلابها على تنظيم «داعش»، وهي التي دخلت إلى سوريا ممثلًا له.
وأعقبت ذلك بانقلاب شبيه على تنظيم «القاعدة»، وهو ما عُرف بـ«فك الارتباط»، وفسّر محللون آنذاك هذه التحولات بطموحات زعيم «تحرير الشام»، أبومحمد الجولاني، قائلين إنه شخصية تسعى للبقاء وبالنفوذ.
ويتسق هذا التلون مع ما تريده أنقرة، التي تبحث عن فصيل له طموحات سياسية تتغلب على الثوابت الفكرية التي يقوم عليها، وفي سياق هذا الرأي، يمكن تفهّم تحول «تحرير الشام» إلى العمل السياسي، متخلية نسبيًّا عن موقفها في حمل السلاح.
ويبدو أن المشهد السوري يتجه نحو تصفية حضور الفصائل المسلحة في مدينة إدلب المتاخمة للحدود التركية، فبخلاف سحب «تحرير الشام» إلى العمل السياسي، فثمة حملة مقامة عبر موقع التواصل «تيلجرام» يشارك فيها رموز إرهابية، مثل الداعية السعودي، عبدالله المحيسني، والسوري، عبدالرزاق المهدي، تطالب بإنقاذ مسلمي الإيجور الذين يسكنون تركستان، وتشهد علاقتهم بجمهورية الصين توترات.
ويمكن أخذ هذه الحملة كمحاولة لسحب المتطرفين الإيجور العاملين في سوريا تحت راية «الحزب الإسلامي التركستاني» (تأسس في سوريا مطلع 2013)، إلى إقليمهم، وتعتمد الحملة القائمة على ترويج معلومات من قبيل أن الصلاة والصيام ممنوعة في تركستان بأمر من الصين.
ولا تستبعد نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مضي أنقرة نحو تفريغ «إدلب» من الإرهابيين، إذ قالت في تصريح لـ«المرجع» إن تركيا دولة برجماتية، ستتجه في نهاية المطاف إلى التخلي عنهم، طالما اقتنعت أن الرهان عليهم أصبح خاسرًا.
للمزيد.. أجندة تركية لتمكين إخوان سوريا عن طريق دمج 11 فصيلًا





