ad a b
ad ad ad

«تتريك» الشمال السوري.. «غسل أدمغة» يمهد لمشروع «أردوغان» العثماني

الخميس 09/يوليو/2020 - 10:28 ص
المرجع
سارة رشاد
طباعة

على عكس الشائع عن قرب تصفية الملف السوري لصالح الجيش العربي بسوريا ومن ثم غلق ملف التطرف الديني والأفكار المشوهة دون رجعة، ثمة أزمة ستواجه دمشق، وهي في خضم لملمة ما تبقى، لمغادرة تلك الفترة الصعبة والتي عرفت بـ«سنوات الحرب السورية».


«تتريك» الشمال السوري..

تتركز تلك الأزمة في عملية تمارسها أنقرة على اللاجئين السوريين المقيمين لديها ويمكن تسميتها بـ«غسل الأدمغة»، تزرع من خلالها أفكارًا لدى اللاجئين تتماشى مع السياسة التوسعية التركية بالمنطقة.


وبدأ ذلك منذ أعلنت تركيا سيطرتها على منطقة «عفرين»، شمالي سوريا في مارس 2018، عقب مواجهات عسكرية دارت مع الأكراد: "وهم السكان الأصليين بالمدينة"، ضمن معركة عرفت بـ«غصن الزيتون»، بدأت في يناير من العام نفسه.


لم تكتف تركيا بسيطرتها الإدارية على المدينة، إذ بدأت في تنفيذ سياسة تصدير مفاهيم دينية مستنسخة من «التدين التركي» (أحلام عودة الخلافة العثمانية)، ليمهد ذلك نفوس السوريين في الشمال لتقبل فكرة عودة الخلافة، ومن ثم بسط تركيا سيطرتها على الشمال.


واستعانت تركيا في هذه العملية بالأئمة لـ«هيئة الشؤون الدينية»، الجهة الدينية الأولى في تركيا وتعرف اختصارًا بـ«ديانت»، وبالإكثار من إنفاقها على المساجد المهدّمة بفعل الحرب.


تتريك الهوية


ولا تتوقف هذه السياسة التي سمتها وسائل إعلام سورية بـ«تتريك الهوية» على المناطق الخاضعة لتركيا بشكل مباشر ويقصد بها مناطق الأكراد، لكنها توسعت لتشمل مدن الشمال التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة المدعومة تركيًّا، إذ كثّفت أنقرة من الفعاليات الدينية والدورات الشرعية، معتمدة في ذلك على ما يعرف بالمجلس الإسلامي السوري، الإخواني المكون في 2014، برعاية تركية، إلى جانب «هيئة الشؤون الدينية».


وعلى عكس السهولة التي وجدتها تركيا في تصدير هذه المفاهيم في مناطق مثل «عفرين»، كانت الأزمة في مناطق سيطرة الفصائل وتحديدًا «إدلب» التي يوجد فيها أكبر حشد من الميليشيات المتشددة.


وفيما كان الخطاب الديني الذي تحاول تركيا تصديره إلى الشمال السوري، يتناقض مع خطاب الفصائل التي تتعامل مع تركيا كدولة علمانية كافرة لا يجمعها معهم إلا المصالح، وجدت تركيا صعوبة حتى تثني بعض هذه الميليشيات، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام عن مسارها الجهادي، ولو شكليًّا.


ولذلك يرصد المحللون تراجع نبرة الجهاد في خطاب الهيئة مقابل تغليب الجانب المدني، وفيما يعتبر أن تركيا المسؤولة عن ذلك تجد الهيئة أزمة داخلية بعد صعود أصوات من داخلها تتهم قياداتها بالنفاق والابتعاد عن الحق على حد اعتبارهم.


وتحت مبرر يبدو في ظاهره خيريًا، وهو تعويض الانهيار التعليمي في الشمال السوري، يقيم المجلس الإخواني عبر هيئاته ممثلة في (هيئة علماء حمص، رابطة خطباء الشام، اتحاد خريجي العلوم الشرعية، رابطة العلماء السوريين، رابطة علماء إدلب، هيئة الشام الإسلامية، مؤسسة زيد بن ثابت، المجلس الشرعي في حلب)، فعاليات تتراوح بين تقديم دروس علمية مقدمة الفهم التركي للدين، وافتتاح معاهد لتحفيظ القرآن، إلى جانب عقد دورات شرعية ومسابقات.


وإن كان استهداف عقول سوريّي الشمال هدفًا تركيًّا، عبر خضوع  كل المؤسسات التعليمية والدينية والصحية في أغلب مدن الشمال لسيطرة «هيئة الشؤون الدينية» التركية، فثمة لاجئون سوريون يقيمون في تركيا منذ أعوام، وتمارس عليهم أنقرة عملية غسيل أدمغة.


وتتحمل الهيئة التركية الدينية ومعها المجلس الإسلامي السوري، العبء الأكبر من هذه المهمة، إذ لا تكف عن تنظيم مسابقات لهم، وبناء المدارس الدينية المقدمة لمضامين دينية تطابق التدين التركي.


يشار إلى أن الهيئة طوال الفترة التي سبقت قدوم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى سدة الحكم، ظلت مجرد جهة دينية تأسست 1924م، لا تسعى إلى أكثر من تقويم السلوك الديني للأتراك، وبقى الوضع على هذا الشكل إلى أن حل «أردوغان» بحلمه في عودة الخلافة العثمانية في السلطة، فاستحدث دورًا جديدًا للهيئة هو خدمة الحلم العثماني، بتصدير التدين التركي، فيما يعرف بـ«القوة الناعمة».


وتعكس قناعة الرؤساء المتوالين على هذه الهيئة، المهمة الموكلة لهم، إذ يُنسب إلى الرئيس السابق لها، محمد جورماز (2010: 2017) إنه عندما حل زائرًا على القدس، تحدث إلى المقدسيين عن الدور العثماني في حماية المدينة، وكيف حلت عليها الكوارث منذ سقطت خلافتهم، في تلميح إلى أن تحرير المدينة يتم عقب عودة «العثمانية».


ولا يتوقف دور الهيئة على المشهد السوري، إذ يرصد عقدها لفعاليات في المجتمعات الغربية، مستهدفة منها الجاليات المسلمة، لاسيما استقبال رئيسها لوفود دينية طلابية ورسمية من دول أفريقية وآسيوية. 


وبخصوص دور الهيئة في أوروبا أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي، أكتوبر 2018، عن فتحه تحقيقًا حول رسائل وتمويلات «هيئة الشؤون الدينية» التركية، بدول الاتحاد، للتيقن ما إذ كان لها علاقة بالتطرف أم لا.


وتعبّر صحف سورية عن خشيتها من اعتماد الهيئة في إدارة مدن الشمال، حال ما لم يحدث أي تحرك عسكري سوري لتطهيره من الإرهابيين، على مجموعة السوريين الذين يعملون داخل أجهزتها وتضمن ولاءهم لها، وتذهب الصحف إلى أن تركيا لو استعانت بهؤلاء السوريين ستكون ضمنت استمرار مسلسل «تتريك» الشمال.


المزيد.. زيارة «أكار» توثق عقود الخيانة.. «السراج» يسلم الغرب الليبي لسيده العثماني

"