بين التصعيد والتفاوض.. مصير الأزمة بين إيران النووية ووكالة الطاقة الذرية

اندلعت مؤخرًا أزمة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ بسبب رفض طهران السماح لمفتشي الوكالة الدولية بدخول موقعين عسكريين، ترى الوكالة أنهما نوويان، وارتفعت حدة التهديدات من قبل الجانب الإيراني بعد رفضه قرار الوكالة الدولية الذي رعته الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، ويلزم إيران بالانصياع لقرارات الوكالة الدولية، والسماح بتفتيش المواقع المشكوك في نوويتها.

وفي سياق هذا، أعدت الدول الأوروبية الثلاث في 16 يونيو 2020، مسودة قرارات أوروبية تطالب فيها إيران بالتزامها بـ«البروتوكولات الدولية» الخاصة بـ«الاتفاق النووي» الموقع عام 2015 بين إيران والدول الأوروبية، التي تلزم طهران بتفتيش منشأتها النووية من قبل الوكالة الدولية، وشدد القرار الأوروبي على ضرورة التزام طهران بالتعاون التام مع تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقًا لوكالة «بلومبرغ الأمريكية».
وعقب إصدار هذه المسودة، سارع مسؤلو النظام الإيراني بإطلاق التهديدات والمزاعم بأن ما تطلقه الوكالة الدولية مجرد «إدعاءات كاذبة»، مهددة بأنها سترد على تلك الادعاءات بطريقتها في حالة استمرار إطلاقها؛ وهذا ما أعلنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية «عباس موسوي» في تصريح نشر الموقع الرسمي للخارجية الإيرانية، مفاده أن إيران سترد بصورة مناسبة على أي قرار يصدر بحقها، وما قاله «موسوي» أكده كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وممثل إيران الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا كاظم غريب آبادي.
اجتماع مجلس الوكالة
هذا الأمر دفع بمجلس حكام الوكالة الدولية للاجتماع في 19 يونيو 2020 في فينيا، للتصويت على المسودة الأوروبية التي وافق عليها أغلبية أعضاء الوكالة، وألزمت إيران بالانصياع للقرارات الدولية؛ ما دفع إيران على لسان وزير خارجيتها «ظريف» للقول إن الوكالة الدولية والدول الأوروبية الثلاث «توابع» للولايات المتحدة وتنفذ ما يمليه عليهم الرئيس الأمريكي «ترامب» من أجل صياغة قرار نووي مناهض لإيران.
يذكر أن الوكالة الدولية أعلنت في ديسمبر 2018 أن الموقع الذي به مخزون من المواد النووية، هو موقع «تورقوز آباد» بطهران، وبعد تفتيش الموقع طلبت الوكالة الدولية من إيران الإعلان عن أصل اليورانيوم، إلا أن طهران زعمت وقتها عدم صحة ذلك، رافضة تفتيش المواقع الإيرانية، وبعد مرور عامين لا تزال ترفض إعادة تفتيش هذا الموقع.
ومسارات الرفض الإيراني تطرح تساؤلات حول مصير الأزمة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، هل ستواصل إيران تهديدها أم ستسعى للتفاوض؟ وهل من الممكن أن يتم إلغاء الاتفاق النووي بين إيران والدول الأوروبية؟

وللإجابة عن هذه التكهنات أوضح «محمد العبادي» مدير مركز جدار للدراسات والباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أن الخلاف بين إيران ووكالة الطاقة الذرية جاء مدفوعًا بطلب من دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، بعد رفض إيران تفتيش بعض مواقعها النووية؛ لأن البرتوكول الإضافي في الاتفاق النووي يسمح للوكالة الدولية بتفتيش أي مواقع، ولكن إيران تقول إن المعلومات التي وصلت للوكالة جاءت من دول أعداء لإيران.
ولفت «العبادي» في تصريح خاص لـ«المرجع»، أن الموقف الأوروبي يأتي إلحاقًا بالطلب الذي جاء مع بداية عام 2020، وهو تفعيل آلية فض النزاع في الاتفاق النووي، والتي يمكن أن تصل إلى إنهاء الاتفاق النووي والعودة إلى الأوضاع رقم صفر.
وأضاف أنه يمكن فهم الخطوتين طلب يناير من قبل الولايات المتحدة وطلب الدول الأوروبية حاليًا، بأنه خطوة استباقية للحفاظ على الاتفاق النووي وبقائه مستمرًا؛ لأن إيران على أرض الواقع تخلت عن كل بنود الاتفاق ما عدا البروتوكول الإضافي الذي يسمح لمفتشي الوكالة الوصول إلى المواقع النووية، وإذا تخلت إيران عن ذلك أيضًا فإن الاتفاق النووي سيكون في حكم المنتهي، ولكن من الواضح أن ما تقوم به الدول الأوروبية يؤكد أنها راغبة وعازمة في البقاء في الاتفاق النووي لتقيد إيران للالتزام ببنوده لأنها ترى أن هذا الاتفاق هو الذي يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
رد فعل النظام الإيراني
وفيما يخص الرد الإيراني المتوقع، أوضح الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، أن طهران حتى الآن تضغط على الدول الأوروبية في محاولة لعدم تفتيش مواقعها النووية، وبين أن طهران كانت ملتزمة ببنود الاتفاق النووي فيما يخص إنشاء قنبلة من عدمه، ولما انسحب «ترامب» من الاتفاق لم تفعل إيران شيئا، ولكن مع فرض واشنطن للعقوبات عليها، وبعد عام من الانسحاب بدأت إيران تنسحب من الاتفاق تدريجيًّا للضغط على الدول الأوروبية التي جعلت أمريكا تفرض عقوبات على إيران ولم يتخذوا أي موقف لمنعها.
وأشار أنه من المتوقع خلال الفترة القادمة، أن إيران ستتبع أمرين، الأول، تهديد علني من خلال القول إنها ماضية في زيادة تخصيب اليورانيوم وتشغيل المفاعلات النووية، أما الأمر الثاني، ستقوم بتصدير وزير الخارجية الإيراني «ظريف» لمحاولة الوصول إلى حل مناسب بشأن أزمتها مع الدول الأوروبية، وفي نهاية الأمر ستلتزم إيران بما يريده المجتمع الدولي.
للمزيد: بعد نفاد صبرها.. هكذا ستعاقب أوروبا إيران على انتهاكات «الاتفاق النووي»