تفاؤلٌ حذر.. الدوافع الإيرانية لتأييد مصطفى الكاظمي في العراق

يبدو وكأن هناك نوعًا من التوافق الواضح بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في العراق فيما يتعلق بترشيح رئيس جهاز المخابرات العراقي، مصطفي الكاظمي بعد اعتذار سلفه، عدنان الزورفي، الذي فشل في تشكيل الحكومة منذ صدور أمر تكليفه في مارس 2020، على خلفية عدم نجاحه في توحيد التيارات السياسية وخاصًة الشيعية لدعمه في عملية تشكيل الحكومة.
ويعتبر الكاظمي،
شخصية مستقلة لا تنتمى لأى تيار سياسي داخل العراق؛ ويتمتع بعلاقات جيدة مع عدد
كبير من المؤسسات والأجهزة السيادية في البلاد وخارجها، بجانب تمكنه من تصفية
خلافاته القائمة مع طهران من خلال زيارة «حزب الله» اللبناني.

أولا: التوافق الأمريكي – الإيراني
أبرزت قضية ترشيح الكاظمي، التوافق بين واشنطن وطهران للمرة الأولى بعد فترة حاسمة من تاريخ التصعيد السياسى داخل المنطقة بين البلدين، لاسيما بعد أن اغتالت الولايات المتحدة الأمريكية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني بمرافقة قائد الحشد الشعبي في العراق أبومهدى المهندس في 3 يناير 2020 قرب مطار بغداد الدولى، وهو الأمر الذي توعدت طهران بأن الرد عليه سيتم عبر سنوات عدة قادمة، كما أنه لن يقتصر فقط على الرد داخل الولايات المتحدة، بل سيطال مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، فضلًا عن حلفائها الأوروبيين.
ولكن يمكن القول إن التوافق الأمريكي مع إيران فيما يتعلق بتكليف الكاظمي هو نتاج عملية توازن القوى بين واشنطن – طهران في العراق، خاصة بعد جولات الضربات العسكرية المتبادلة بينهما والمستمرة منذ ما قبل اغتيال «سليماني» وحتى نهاية مارس 2020 ، الأمر الذي يتم في ظل قيام واشنطن بسحب القوات العسكرية التابعة لها في بغداد حتى تم تجميع كل القوات في 3 قواعد عسكرية فقط(1).
ومن ناحية أخرى، جاء هذا التوافق على خلفية رغبة إيران في التهدئة مع واشنطن بدافع التصعيد المتبادل بينهما بشأن تفاقم أزمة كورونا في طهران والمطالب الإيرانية لواشنطن بتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها لمساعدتها على الحد من تفشي الفيروس، ولكن قابلت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأمر بالرفض الشديد مؤكدة أن الهدف منه يتمثل في حاجة طهران لزيادة الدعم الموجه للميليشيات التابعة لها في المنطقة وهو الأمر الذي ترفضه واشنطن لأنه يساهم بشكل كبير في تهديد مصالحها ومصالح حلفاءها في المنطقة، كما رفضت واشنطن أيضًا المطلب الإيراني بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولى، مشيرة إلى إنه سيذهب لدعم الميليشيات أيضًا، وأن الأمر لا يتعلق بأزمة كورونا (2).

ثانيًا: حل الخلافات السياسية مع طهران
يبدو وكأن الزيارة التي قام بها القائد الجديد لفيلق القدس التابع للحرس إسماعيل قاآنى للعراق في بداية إبريل لعام 2020 كان لها دور كبير في الموقف الإيراني من دعم تكليف مصطفي الكاظمى في العراق، حيث شهدت هذه الزيارة لقاء قاآنى بعدد كبير إن لم يكن كل التيارات السياسية الشيعية في بغداد بشأن هذا الأمر، ومن هنا تتضح معالم قوة النفوذ الإيراني في العراق، وإنه عند موافقة طهران على مرشح سياسي بعينه يعتبر الأمر منتهى بالنسبة لقادة الجماعة الشيعية في العراق بشكل خاص ودول المنطقة بشكل عام(3).
فعلى الرغم من توارد بعض الأخبار بعد اغيتال سليمانى عن تورط رئيس الجهاز المخابراتى في العراق مصطفي الكاظمى في هذا الأمر، على خلفية علاقته القوية بالولايات المتحدة الأمريكية وبعدد كبير من المنظمات الأمريكية حول العالم، لكنه قام بزيارة بيروت قبل بضعة أيام من صدور أمر تكليفه لتصفيه الخلاف القائم مع طهران في هذا الأمر عبر جماعة حزب الله التابعة لها في لبنان، وبالفعل نجح في هذا الشأن، وكانت النتائج إيجابية(4).
ثالثًا: توافق التيارات السياسية في العراق
كان رئيس جهاز المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي، من أبرز الشخصيات التى حصلت على تأييد كبير من غالبية التيارات السياسية الموجودة داخل العراق ولاسيما الشيعية منها؛ حيث حضرت كل الأحزاب والقوى السياسية مراسم تكليفه(5).
ويحظى الكاظمى بدعم كبير على خلفية اعتباره قائدًا لأقوى جهاز أمنى، وهو الأمر الذي جعله يتمتع بعلاقات طيبة مع عدد من المسؤولين والمؤسسات الهامة داخليًا وخارجيًا، ودعم الشارع العراقي وخاصًة في ظل حالة التخبط السياسي والاقتصادى التي كانت تعيشها بغداد منذ اندلاع الاحتجاجات التي تصاعدت في الربع الأخير من عام 2019 بسبب الاعتراض على تفشي ظاهرة الفساد السياسى والاقتصادى داخل غالبية المؤسسات السيادية.
وتأسيسًا على ما سبق، جاء التأييد الإيراني لترشيح مصطفي الكاظمي في العراق على لسان المتحدث الرسمي بإسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي في 9 أبريل 2020، قائلاً:" ترحب جمهورية إيران باتفاق الجماعات السياسية في العراق اليوم، الذي أسفر عن ترشيح السيد مصطفى الكاظمي رئيسًا جديداً للوزراء، وتعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح؛ حيث يعد توافق جميع التيارات السياسية العراقية هو السبيل الوحيد لحل النزاعات سلميًا"، مضيفًا " إن جمهورية إيران تكرر إعلان استعدادها الكامل للتعاون مع الحكومة العراقية الجديدة من أجل التغلب على مشاكل البلاد"(6).
في النهاية: يمكن القول أن التوافق الإيرانى مع الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية وعلى شخص الكاظمى من ناحية أخرى، لا يعتبر نهاية المطاف بالنسبة لما تعانية الدولة العراقية من مشكلات مع هاتين الطرفين؛ ففي الوقت الذي حدث فيه هذا التوافق، من المحتمل استمرار حالة التنافس العسكرى المتبادل بين كل من واشنطن وكتائب حزب الله المدعومة من طهران في العراق، فضلاً عن كيفية توفيق الكاظمى نفسه بين مصالح كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في العراق.