الأزمة اليمنية.. تفاؤل مشوب بعد مشاورات السويد
السبت 22/ديسمبر/2018 - 02:14 م

نهال أحمد
انطلق قطار السلام المنتظر في اليمن، بعدما رسمت خريطة طريقه مشاورات السويد، التي اختتمت فعالياتها في 13 من ديسمبر 2018، بمصافحة بين رئيسي وفدي الحكومة والحوثيين برعاية دولية، إذ أعلن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريس» إبرام اتفاق بين الجانبين بشأن الحديدة، ويشمل وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات، وإعادة نشرها خارج الموانئ والمدينة، كما عكس الاتفاق دورًا قياديًّا ورقابيًّا للأمم المتحدة؛ لضمان استمرار الهدنة، وتدفق المساعدات.
عقدة من المنتظر أن يتم حلها من «الحديدة» انطلاقًا من أهميتها على الخارطة اليمنية، على أن تتسع بعدها إلى تعز على خلفية بنود نصوص الاتفاق الأخير، ومع ذلك يثار التساؤل الأهم بشأن مستقبل تلك المحادثات، فهل سيلتزم بها الحوثيون أم ستلقى مصير المحادثات التي سبقتها، وباءت جميعها بالفشل على خلفية خروقات حوثية لبنود تلك الاتفاقات؟

سياقات
مشاورات السويد
جاءت مشاورات ستوكهولم في ظلِّ سياقات ومتغيرات داخلية
وخارجية كانت محفزًا وراء توقيع الاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين،
لعل أبرزها المتغيرات الداخلية التي تجسدت ملامحها في الوضع الإنساني الذي
يعاني منه اليمن على خلفية الانقسامات المتصاعدة، والخلافات المستمرة
والأجندات الخارجية المتوالية؛ حيث باتت اليمن تواجه مجاعات فتكت بالأطفال، في حين دفعت الأوضاع المتدنية العديد من الأسر إلى التسول والتشرد، كما
انتشرت الأوبئة والأمراض نتيجة انتشار الجثث، يضاف إلى ذلك انهيار البنى
التحتية للمرافق الحيوية، وانعدام الخدمات العامة.
أما
على الصعيد الخارجي، فقد أثرت العقوبات الأمريكية على التحركات الإيرانية، وعلى نفوذها داخل اليمن؛ ما أدى بدوره إلى سدِّ الطريق عن مورد حيوي للحوثيين؛ وهو ما دفعهم إلى الجلوس على طاولة المفاوضات.
يضاف
إلى ذلك الانتصارات السياسية والعسكرية التي حققتها قوات الجيش الوطني في
الحكومة اليمنية بإسناد كبير من تحالف دعم الشرعية الذي تقوده السعودية،
وهو ما شكَّل أقوى حلقة ضغط على ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران؛ حيث بات
الجيش اليمني يسيطر على منطقتي القرن وعياش في صنعاء، و12 موقعًا بالضالع،
وإفشال محاولات الميليشيات الحوثية الموالية لإيران استغلال مشاورات السويد
ميدانيًا، من خلال تصعيد عملياتها العسكرية في جبهات عدة(1).

على
الجانب الآخر؛ باتت الحكومة اليمنية تحقق انتصارات دبلوماسية سبقتها
ورافقتها انتصارات عسكرية على الأرض؛ حيث كانت تلك الانتصارات أهم الأسباب
التي دفعت ميليشيا الحوثي حضور مشاورات السويد بغية الوصول إلى مخرج يخفف
عنها الضغط العسكري.
ولعل
الهزائم الإيرانية المتكررة في صنعاء ترجع بشكل أساسي إلى مجموعة الأزمات
المتفاقمة التي واجهتها على المدى القريب، فداخليًّا أصبحت طهران تواجه حركات
احتجاجية نتيجة تدني مستوى المعيشة، وقمع الحريات، وحجب الحقوق عن
مستحقيها، إلى جانب فرض المزيد من الإجراءات التقشفية على المواطنين، لعل
أبرز مثال على ذلك تجريمها لحق التظاهر، ومن ثم فقد أججت تلك التطورات
الداخلية من مشاعر المواطنين تجاه الحكومة الإيرانية.
في
حين توافقت هذه التطورات مع التطلعات الخارجية للعمل ضد مصالح طهران
الإقليمية، وأصبح هناك حالة من التوافق بين القوى الإقليمية دون إيران
والقوى العظمى حول ضرورة تحجيم نفوذ إيران داخل كل من سوريا واليمن.
أما
على صعيد التحالف العربي، فقد أدت الضربات المتوالية على مواقع الحوثيين
إلى إضعاف قوتهم، وتبديد أسلحتهم ومعداتهم الحربية، وبالتالي دفعت تلك
السياقات مجتمعة في دفع الجانبين إلى التفاوض والتوقيع على الهدنة تحت
رعاية أممية(2).

ضمانات
دولية وإقليمية رغم كون اتفاق ستوكهولم غير نهائي؛ حيث ينتظر أن يكون هناك
جولة محادثات أخرى خلال يناير 2019، إلا أن مضمون الاتفاق الحالي يعكس
خطوة إيجابية بشأن خارطة السلام باليمن، لاسيما في ظلِّ تركيزه على محافظتي
الحُديدة وتعز باعتبارهما أكثر المحافظات اليمنية تضررًا من الحرب،
وأكثرهما تأثيرًا على الخارطة السياسية اليمنية، وقد تضمن الاتفاق عدة بنود
محورية لعل أهمها وقف إطلاق النار في محافظتي الحُديدة وتعز، وكذلك سحب
قوات الحوثي والقوات الحكومية من محافظة الحديدة، واستبدالها بأخرى تابعة
للأمم المتحدة، والإعلان عن هدنة في محافظة الحديدة بعد سحب قوات أطراف
النزاع، إلى جانب إشراف الأمم المتحدة على ميناء محافظة الحديدة لإدخال
المساعدات للمدنيين، وتبادل الأسرى والمعتقلين لكلا الوفدين(3).

ولعل
أبرز ما ميز تلك المشاورات توافر دعم دولي وإقليمي، فعلى المستوى الدولي
لعبت الأمم المتحدة دورًا رياديًّا في تلك المشاورات؛ حيث أعلن الأمين العام
للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريس» اضطلاع الأمم المتحدة بدور كبير في
الحديدة عبر تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وتعتبر تلك الخطوة بمثابة
عنصر حاسم في مستقبل التسوية السياسية من أجل إنهاء الصراع، كما رحبت معظم
الدول الأوروبية به، في حين أعلنت واشنطن دعمها للمشاورات والاتفاق الذي
تم التوصل إليه خلالها.
وخليجيًّا؛
أشادت دول مجلس التعاون بالمشاورات، معتبرة إياها بمثابة خطوة مهمة نحو
تحقيق السلام والاستقرار، والعمل على تصحيح التوازنات المختلة في المنطقة
منذ سبع سنوات، كما أنها ستسهم في دعم الشعب اليمني من أجل التحرر من
الوصاية الإيرانية المباشرة على السيادة اليمنية، في حين أعلنت الإمارات
ترحيبها بالاتفاق الذي توصلت إليه الأطراف اليمنية؛ حيث أعلن وزير الدولة
للشؤون الخارجية، الدكتور «أنور بن محمد قرقاش» أن الاتفاق الذي تم التوصل
إليه جاء نتيجة للضغط العسكري الذي مارسته قوات التحالف العربي والقوات
اليمنية على الحوثيين في الحديدة، مؤكدًا ضرورة الالتزام بالمسار السياسي
والجهود التي تقودها الأمم المتحدة، وضرورة استمرار هذه الخطوات والجهود
لضمان استقرار اليمن وازدهاره، من خلال حلٍّ سياسي مستدام، وحوار يمني أساسه
المرجعيات الثلاث، وعلى رأسها القرار الأممي 2216(4).

مصير
المشاورات رغم خروج المشاورات باتفاق يقضي بوقف إطلاق النار كمرحلة أولية
لنزع فتيل الحرب اليمنية، وكخطوة رئيسية تجاه إنهاء الحرب الأهلية الحالية،
وفرصة حقيقية لخروج اليمنيين من دائرة الجوع والمرض والفقر، إلا أن
التفاؤل لايزال حذرًا بشأنه، فالاتفاق مرهون بمدى التزام الأطراف الموقعة
عليه ببنوده، ولعل المبادرات الأممية التي تقدم بها المبعوث الأممي خير
شاهد على ذلك، حيث دأب الحوثيون على المراوغة لإفشال تلك المبادرات، التي
كان أبرزها امتناعهم في الساعات الأخيرة المشاركة في مشاورات جنيف قبل
انعقادها بساعات، والتي كان من المقرر انطلاقها سبتمبر 2018، لكن الطرف
الحوثي وضع العراقيل ليحول دون انطلاقها.
ولم
تكن تلك هي المحاولة الأولى من نوعها للحوثيين من أجل إفشال محاولات
الوصول لحل الأزمة، فقد سبق وعقدت العديد من المشاورات لكن تعثر تفعيلها
نتيجة المناورة الحوثية بالوقت وطرح ذرائع واشتراطات تعجيزية، إلى جانب
تمسك الجماعة بانقلابها، ورفض تسليم سلاح الدولة، والانسحاب من المدن اليمنية
كمحددات رئيسية أكدها قرار مجلس الأمن 2216.
وبرصد سجل الحوثيين في عرقلة
جهود السلام، نجد قيامهم بنقض أكثر من 40 اتفاقًا لعل أخطرها قيامهم بتصفية
حليفهم الرئيس السابق «علي عبدالله صالح» في 4 ديسمبر 2017، في حين فقدت
الحكومة اليمنية الثقة تمامًا في الاتفاق مع الحوثيين، على خلفية ما سبق
وأشرنا إليه من مراوغات للتنصل من بنود أي اتفاق يستهدف حل الأزمة (5).
وبالنظر إلى الاتفاق الأخير نجده يحمل في طياته عددًا من النقاط التي تحول
دون تنفيذه، إذ تتمسك الحكومة بضرورة انسحاب الحوثيين من الحديدة في حين
تنص بنود الاتفاق على إعادة انتشار «مشتركة ومتفق عليها».
وبالتالي
فإن الوضع الذي ترتب على الاتفاق بدأ فورًا بوقف إطلاق النار، وينتظر
الخطوة المقبلة عقب الإعلان عن تشكيل لجنة التنسيق أو تدشين عملها
ميدانيًّا.
وعلى
الجانب الآخر، فقد تم رصد خروقات للميليشيا الحوثية عبر ست جبهات بمدينة
الحديدة منذ بدء سريان اتفاق إطلاق النار؛ حيث أطلقت الميليشيا مقذوفات على
مديرية الدريهمي شمال الحديدة، في حين تم إطلاق قذيفة هاون على الجبيلة،
ما يعكس مؤشرات سلبية تبرز خطورة الوضع الحالي.
وأخيرًا؛
تسود الأوساط السياسية حالة من الحيرة والتفاؤل الحذر، فجلوس الوفدين على
طاولة المفاوضات يشكل خطوة إيجابية بشأن إنهاء النزاع في اليمن، لاسيما فيما
يتعلق بوقف إطلاق النار، وتخفيف حدة التوتر، إلا أنه لا توجد ضمانات حقيقية
تعكس تنفيذ كل بنود الاتفاق الذي لايزال يحمل في طياته العديد من النقاط
التي يمكن أن تتحوّل إلى عقبات أمام التنفيذ في ظلِّ الوضع المرتبك، والمشهد
الضبابي الذي تواجهه اليمن حاليًّا.
المراجع:
(1) مصطفى صلاح، مشاورات السويد.. انتصارات وطنية وهزيمة طائفية، المركز العربي للبحوث والدراسات، بتاريخ 16/12/2018.
(2) ميرفت زكريا، ارتدادات عكسية.. كيف هُزمت إيران مرتين؟، المركز العربي للبحوث والدراسات، بتاريخ 18/12/2018.
(3) أبرز بنود «اتفاق ستوكهولم» بشأن مدينة الحديدة باليمن، سكاي نيوز العربية، بتاريخ 13/12/2018.
(4)
أميرة أحمد حرزلي، اتفاق ستوكهولم بشأن تسوية النزاع في اليمن: فرص النجاح
وعواقب الفشل، المركز الديمقراطي العربي، بتاريخ 17/12/2018.
(5) عادل الأحمدي، اليمن بعد اتفاقات السويد: تفاؤل حذر وشكوك بالتنفيذ، موقع العربي الجديد، بتاريخ 15/12/2018.