ad a b
ad ad ad

الأقباط في عقل «البنَّا».. من مدِّ الجسور إلى القطيعة

الثلاثاء 26/يونيو/2018 - 08:59 ص
المرجع
دعاء إمام
طباعة
لعلَّ المرجع الأبرز الذي يمكن أن يظفر بالأسانيد لبيان وضع الأقباط في سياسة مؤسس جماعة الإخوان (1928) حسن البنَّا (1906-1949)، هو «مذكرات الدعوة والداعية»، التي تُمثل السيرة الذاتية له، ويعتبرها الإخوان مرجعًا نظريًّا يحتكمون إليه كلما اختلفوا في أمر.. الغريب أن صفحات هذه المذكرات حوت جنوحًا تجاه مد الجسور والحوار مع الأقباط حين الحاجة لأموالهم، والنفور منهم أحايين أخرى تكون الجماعة في غنىً عنهم.

لم يرفض البنَّا التبرع الذي وصله من إدوارد إمبان (مهندس بلجيكي أسس شركة مصر الجديدة) وكان مسيحيًّا؛ إذ رأى «إمبان» مشروع المسجد والمدرسة الذي شرع الإخوان في تأسيسه بالإسماعيلية عام 1928؛ فعرض على الجماعة أن يساعدهم بمبلغ مالي قدره 500 جنيه؛ لكن المرشد في مذكراته وثَّق موقفه من هذا المبلغ، قائلًا: «شكرت له ذلك، وأفهمته أن هذا المبلغ قليل جدًّا، ولم يكن منتظرًا من الشركة تقديره؛ لأنها في الوقت الذي تبني فيه -على نفقتها- كنيسة نموذجية تكلفها خمسمائة ألف جنيه، أي نصف مليون جنيه، تُعطي المسجد خمسمائة فقط؛ فاقتنع بوجهة نظري ورجاني قبول المبلغ».

ردَّ المرشد -على اعتراض أفراد الجماعة الذين رفضوا بناء المسجد والمدرسة بمال أجنبي- بقوله: «هذا مالنا لا مال الخواجات، والقناة قناتنا والبحر بحرنا والأرض أرضنا وهؤلاء غاصبون في غفلة من الزمن، وأراد الله أن يكون المسجد قد تم، فلم تُوضع فيه أموال الخواجات، ووُضعت في دار الإخوان المسلمين بالذات (وكان الله على كل شيء قديرًا)، وبذلك سكنت الثائرة وانطفأت الفائرة؛ وهكذا يكون الفقه الأعوج»، واصفًا فتوى بطلان الصلاة في مسجد يُبنى بمال أجنبي بـ«الفقه الأعوج»، هذا ولم يتطرق لديانة إدوارد إمبان المعروف بـ«البارون إمبان».

خدمة الثروة الإسلامية
وفي عام 1936، أورد البنَّا في مذكراته نَص خطاب للأنبا يؤنس -بطريرك الأقباط الأرثوذكس بمصر وقتئذٍ- يستعطفه بالتبرع من أموال الكنيسة لدعم القضية الفلسطينية؛ إذ استهلَّ الخطاب بـ«حضرة صاحب الغبطة الأنبا يؤنس.. بكل احترام يتشرف رئيس لجنة مساعدة فلسطين بجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة بأن يرفع إلى غبطتكم هذا الرجاء الحار، يحفزه إليه ما يعهد في غبطتكم من أسمى عواطف الرحمة النبيلة والبرِّ بالإنسانية المعذبة».

وتابع خطابه بذات التأدب الذي بدأ به: «تعلمون يا صاحب الغبطة أن فلسطين الشقيقة العزيزة مهد الشرائع والأنبياء قد بطشت بها القوة الغاشمة؛ فانسالت دماءُ أبنائها من المسلمين والمسيحيين على السواء، وخربت ديارهم.. ونحن في مصر لا نملك إلا أن نقدم ما تسخو به الأكف من مال لمساعدة هؤلاء الأبطال.. ومن أجل ذلك توجهنا إلى غبطتكم، راجين أن تشملوا هؤلاء المجاهدين الأبطال بعطفكم الأبوي؛ فتأمروا بإمداد أبناء فلسطين بإرسال ما تبقى من أموال لجنة مساعدة الأحباش إلى اللجنة العربية العليا بالقدس.. وإذا رأيتم -فضلًا عن ذلك- أن تتكرموا بدعوة المحسنين من المصريين بالتبرع لهذا الغرض النبيل؛ فهو العهد بكم والمأمول فيكم، وكان لكم الشكر مضاعفًا».

تلا ذلك تعليمات من المرشد للأخ العامل في الجماعة، الذي اعتبر البنَّا أن واجبات أفراد جماعته هي أن يخدموا الثروة الإسلامية العامة بتشجيع المصنوعات والمنشآت الاقتصادية الإسلامية؛ ليس هذا وحسب؛ بل قال فيما سمَّاه بـ«رسالة التعاليم»، وهي عبارة عن خطب ونصوص من المؤتمرات التي كان يحضرها البنَّا: «... وأن تحرص على القرش، فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال، ولا تلبس ولا تأكل إلا من صنع وطنك الإسلامي».

وفي الركن الثالث من أركان البَيْعَة، يتحدث البنَّا في «رسالة التعاليم» عن العمل؛ فيقول: «إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق.. والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة، ولا عبرة بالشكل الذي تتخذه، ولا بالنوع، مادام موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي».

وبهذا صكَّ مؤسس الجماعة تعريفًا للحكومة بأنها إسلامية لا تستوعب سوى المسلمين في الأحوال العادية، وتتسع لتشمل غير المسلم عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة؛ بما يعني أن حضور غير المسلم في الحكومة الإسلامية مؤقت، استدعائي، يغلب عليه الاحتياج أكثر منه الحق في المشاركة في السلطة.

إن نظرة «البنَّا» للأقباط لا تُبعده كثيرًا عن شطحات مُنظِّري الجماعة، أمثال سيد قطب، ومحمد عبدالله الخطيب (مفتي الجماعة)، اللذين حرضا على الأقباط، وأوصيا بهدم كنائسهم وعدم دفنهم في مقابر المسلمين، وأفتيا بحرمانية إلقاء السلام على غير المسلم؛ فهو –أيضًا- لم يتودد إليهم إلا لطلب تبرع يُوضع في صندوق الجماعة.

الكلمات المفتاحية

"