ad a b
ad ad ad

هل تصمد تجربة التكامل الأوروبية في مواجهة «كورونا»؟

الخميس 09/أبريل/2020 - 02:29 م
المرجع
ريم عبدالمجيد
طباعة

بدأت أزمة فيروس كورونا المستجد وبدأ معها اختبار مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على الصمود في وجه أزمة جديدة والتي تعد الأكثر خطورة لأنها أتت في ظل وجود انقسامات عميقة بين الدول الأعضاء، خروج بريطانيا منه، وصعود الأحزاب الشعبوية المناهضة للاتحاد. 


هل تصمد تجربة التكامل

وسلط تفشي الفيروس الضوء على وعود وحدود الاتحاد الأوروبي المتمثلة في: تنسيق شامل، سوق واحدة بلا حدود إلى حد كبير تتكون من 27 دولة كل منها بحكوماتها، وناخبون، البيروقراطية، وأنظمة الرعاية الصحية، والمصالح الوطنية. 


وطوال أسابيع الماضية، دعا المسؤولون في بروكسل والعواصم الوطنية إلى تنسيق أوروبي شامل لمواجهة الأزمة ولكن تلك الدعاوي لم تكن فعالة بشكل يلزم كل دولة على التنسيق مع نظائرها في الاتحاد. 


وفي ظل هذه الأزمة يثار عدة تساؤلات حول مقدرة الدول والمؤسسات الأوروبية على الصمود وإثبات أنها ملتزمة حقًا بمشروع تكاملي مشترك. 


غياب التنسيق:


في بادئ الأمر اجتمع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في العاشر من مارس لمناقشة سبل تنسيق الإجراءات فيما بينهم بما يحد من تأثير الفيروس على اقتصاد الاتحاد. 


وأسفر الاجتماع عن عدة قرارات منها قيام وزراء الصحة بتبادل المعلومات يوميًّا مع المفوضية الأوروبية، والتنسيق للبحث عن لقاح، كما تقرر إنشاء صندوق استثماري لمواجهة الفيروس تم تخصيصه لدعم الأنظمة الصحية، وكذلك الاقتصادات الضعيفة، ومن الناحية الاقتصادية قرر الاتحاد اتخاذ التدابير اللازمة لمساعدة شركات الطيران المتضررة. 


ومع الانتشار السريع للفيروس وتصاعد قلق كل دولة عضو من خروج الأمر عن السيطرة، دفع هذا كلًا منها لاتخاذ قرارات وطنية من جانب واحد لمكافحة انتشاره دون التنسيق مع باقي الدول بل إعلاءً من أهمية القومية على حساب الاتحاد. ومن تلك القرارات:


رفض تبادل المعلومات بين الدول: إذ رفض رؤساء الدول تبادل المعلومات حول مخزون المعدات والمستلزمات الطبية لأسباب تتعلق بالأمن القومي الخاص بها، وعلل البعض أن الجيش هو من لديه هذه المعلومات ومن الصعب مشاركتها مع دول الاتحاد الأخرى.


هل تصمد تجربة التكامل

إغلاق الحدود وحظر السفر: فقامت بعض الدول بإغلاق الحدود تمامًا في وجه مواطني الاتحاد الأوروبي.


منع تصدير المستلزمات الطبية: شهد الاتحاد الأوروبي في بداية هذه الأزمة واحدة من أكثر اللحظات الحرجة وغير الداعمة منذ نشأته، عندما حظرت ألمانيا وفرنسا تصدير الأقنعة والمستلزمات الطبية في الوقت الذي كانت فيه إيطاليا في أمس الحاجة إليها. 


وأدى هذا القرار إلى الإضرار بالدول المتأثرة بالفيروس بما دفعها للبحث عن مخرج لها خارج الاتحاد الأوروبي، فطلبت إيطاليا من الصين إمدادها بالأدوية والمستلزمات الطبية لمواجهة الأزمة.


غياب التضامن الاقتصادي: وبدا هذا واضحًا في المجال الضريبي، فقد كانت التدابير التي اتخذتها مجموعة اليورو في اجتماعها الأخير، مخيبة للآمال، فتم الاتفاق على تخصيص 37.000 مليون يورو لمكافحة الفيروس، وأن يقوم بنك الاستثمار الأوروبي بتقديم 10 مليارات كقروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، وان يكون هناك 28 مليارًا للصناديق الهيكلية. 


إلا أنه في الواقع نجد أنه رغم المرونة المالية التي أبدتها مجموعة اليورو، تتردد حول تبادل المخاطر من خلال سندات اليورو أو غيرها من المقترحات التي أكثر مع تشريعات الاتحاد الأوروبي الحالية، لما لها من تداعيات على اقتصاداتها الوطنية، وأدى هذا إلى جعل كل دولة تواجه الفيروس بمواردها الخاصة وبمفردها.


فشل بعض المؤسسات الأوروبية في دعم الدول الأعضاء: فلم تنجح المفوضية الأوروبية ومجموعة اليورو في الاتفاق على التدابير الممكنة لمساعدة الدول الأكثر تضررًا -من الناحية المالية- من الفيروس، واقتصروا على إعطاء تفويض مطلق للإنفاق العام وخصم حساب العجز وزيادة بنود إعانة البطالة. 


للمزيد: مدريد تحول القصر الجليدي لمشرحة ضحايا كورونا


هل تصمد تجربة التكامل

محاولة للتفسير:


افترضت نظرية الليبرالية والليبرالية الجديدة أن فوضوية النظام الدولي وتحقيق الأمن سيتحقق فقط من خلال التعاون بين الدول وإنشاء المؤسسات الدولية والتي من خلالها سيتمكن جميع الأطراف من تحقيق مصالحهم المشتركة في جميع المجالات، ورأت أن أمن الدولة الواحدة يساوي أمن الجميع، فإذا تعرضت دولة للخطر فإن هذا يهدد أمن الجميع، وبالتالي من خلال التحالف والتنسيق بين أعضاء المؤسسة سيتمكنون من الحفاظ على أمن بعضهم البعض. 


وظلت هذه النظرية قادرة على تفسير نشأة واستمرار الاتحاد الأوروبي الذي كان نموذجًا مثاليًا للتكامل الإقليمي، ولكنها الآن تفشل في تفسير سلوك الدول وما اتخذته من إجراءات منفردة مهددة بذلك أمن غيرها من الدول في الاتحاد نفسه. 


وبالنظر إلى مواجهة دول الاتحاد الأوروبي لأزمة كورونا يتصح أن تلك الدول أضحت ترى أن الاتحاد يمثل مصدرًا للتهديد، أي إن معضلة الأمن أصبحت داخل الاتحاد الأوروبي. 


ويُضاف لذلك، أن الدول قامت باتخاذ قراراتها بعيدًا عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي ككيانات معنية ببحث أزمات ومشكلات الدول الأعضاء، وهو ما يؤكد أن الدولة وليست المؤسسة ستظل الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية، ويؤكد أيضًا فشل المؤسسة في تحقيق الأمن الجماعي للدول وهو ما دفع قادة الاتحاد الأوروبي للسعي لتحقيق أمن دولهم القومي بمعزل عن البقية، بل واعتبار أن محاولة مساعدة الآخرين سيضر بأمنهم، وهو ما يفسر رفض الدول تبادل المعلومات فيما بينها حول المعدات والمستلزمات الطبية المتوافرة لدى كل منها، وكذلك عدم قيام كل منها بدعم الدول المتضررة إثر انتشار الفيروس؛ خاصة إيطاليا وإسبانيا؛ لأن دعمها اقتصاديًّا سيقلل من قدرتهم على مواجهة الفيروس وآثاره الاقتصادية في دولهم بما يؤثر سلبًا على اقتصاداتهم وهو ما يرغب القادة الأوروبيون في تفاديه.


هل تصمد تجربة التكامل

ما سبق يوضح تراجع الإيمان بضرورة الاعتماد على المؤسسات في مواجهة الأزمات، فرأى الكثير أن الاتحاد الأوروبي استمر في نجاحه لأن الدول كانت تتقاسم المنافع وكان ناجحًا في تحقيق مكاسب كثيرة لهم وهو ما ساعد على بقائه، ولكن مع تتابع الأزمات واحدة تلو الأخرى أضحت الدول ترى أن من صالحها اتباع نهج انسحابي لأن الاهتمام بمشكلات وأزمات الدول الأخرى يكلف الدولة الكثير في وقت تشتد فيه الحاجة لتلك الموارد لحفظ أمنها وأمن مواطنيها. 


وتأسيسًا على ذلك، نخلص إلى وجود معضلة أمن داخل الاتحاد، منها بروز دور الدولة وتراجع دور المؤسسة، وغيرها من الظواهر التي تنذر باحتمالية تفكك الاتحاد الأوروبي الذي بدأ كمؤسسة تعاونية اقتصادية وتسببت الأزمات السياسية الأمنية في إثبات فشله، أو عدم مقدرته كمؤسسة على الارتقاء لمستوى تعاوني أشمل.

الكلمات المفتاحية

"