يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

البدعة بين حقيقة العلم وأباطيل المتطرفين

الخميس 07/نوفمبر/2019 - 02:41 م
المرجع
أحمد يوسف الحلواني
طباعة
من الواضح أن موضوع البدعة دعامة أساسية من الدعائم التي يقوم عليها دعاة الهوس الديني في الحكم على الناس وأفعالهم، إما بالتكفير أو التفسيق.

لكن هذة القضية بالذات كشفت وفضحت أصحاب الأفكار المتشددة من فقر في امتلاك أدوات المنهج الضرورية واللازمة لكل من ولى وجهه شطر البحث العلمي، أو أراد أن يلج ميدان الدعوة، ومن التعامل الخاطئ مع النصوص والفهم السطحي لها، ومن الانحصار في الجزئيات وافتقاد الرؤية الواسعة والنظرة الشاملة، ومن العجز عن الإحاطة بالكليات وروح ومقاصد هذه الشريعة الخالدة، ومن الوقوف على هامش الرواية، وضحالة الزاد، وقلة المحصول أو انعدامه من الدراية.

وفي هذه السطور نتعرف على الفارق في فهم البدعة عند علماء الأمة وأصحاب هوس التبديع والتكفير.

فقد عرفها سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) بأنها: (فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ويمكن أن نقول في تعريفها: هي الأمر المستحدث المتعلق بالدين، والذي لم ينقل أنه كان يفعل في عهده صلى الله عليه وسلم.

ومن أمثلتها الاحتفال بالمناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف، والهجرة، والصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأذان من المؤذن جهرًا، وغير ذلك.

فكل ما سبق من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، والهجرة، والصلاة على النبي جهرًا بعد الانتهاء من الأذان، أفعال لم تكن في زمن النبوة، ولا الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، فعلى هذا التعريف للعز بن عبد السلام تكون بدعة.

لكنه قسم البدع إلى خمسة أقسام تقابل الحكم التكليفي: بدعة محرمة، وواجبة، ومندوبة، ومكروهة، ومباحة.

فالبدعة المحرمة فعل نص الكتاب والسنة على تحريمه، وإن لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، مثل بدع العقيدة كالمرجئة، والمجسمة، والمجبرة.

ويقابل المحرم الواجب أو الفرض، ومن أمثلة البدع الواجبة، جمع القرآن الكريم في مصحف واحد، وتعلم علم التجويد، والنحو، وأصول الفقه، والحديث، فكل ذلك بدع لم تكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما لم يكن في زمان الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.

وهناك بدع مستحبة مثل تزيين المصاحف وتعظيمها.

ومنها المكروه مثل زخرفة المساجد، ومنها المباح كالتوسع في المأكل، والمشرب، والسيارات، وأمور الدنيا.

فكل ما سبق أقر به  العز بن عبد السلام أنها من البدع، ولكن ليس كل بدعة لم تكن في زمان النبوة محرمة، بل من الممكن كما أوضحنا أنها واجبة.

ومن العلماء من عرفها بأنها فعل (مما ليس له أصل في الشرع) مثل الحافظ ابن حجر العسقلاني، صاحب فتح الباري، وقد ذكرها في الفتح.

فيكون كل فعل ليس له أصل من الشرع فهو بدعة، كما أنك لو تعبدت إلى الله بتعرضك للشمس أو بعدم النوم أو عدم الزواج أو بجلد وتعذيب الأجساد.

اعتراض المتشددين على تقسيم البدعة

لا شك أن تقسيم البدعة إلى أقسام تمدح وتذم أزعجهم كثيرًا، واحتجوا عليه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) رواه مسلم.

وقالوا النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا، كل بدعة ضلالة، فمن أين لكم بتقسيمات خماسية، وبدع تذم، وتمدح.

نقول لهم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيضًا في حديث صحيح مسلم عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْء).

فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أنه من سنَّ في الإسلام سنة حسنة لم تكن في زمانه صلى الله عليه وسلم فله أجرها، وأجر من عمل بها، إلى آخر الحديث الشريف.

والعجيب ردهم هذا الحديث بتأويل -اترك الحكم عليه للقارئ العزيز- وهو أن من سن في الإسلام سنة حسنة معناها من أحيا في الإسلام سنة قد ماتت.

ونقول إن صح تأويلكم، فما قولكم في باقي الحديث من سن في الإسلام سنة سيئة، فهل كان في الإسلام سنن سيئة ماتت ومن أحياها فله وزرها ووزر من عمل بها.

خلاصة:
من أنفع ما قيل في البدعة، ما رواه أبو بكر البيهقي في مناقب الإمام الشافعي رحمه الله: المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما ما أُحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا فهذه البدعة الضلالة، والثاني ما أُحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، المجلد الثاني، كِتَاب الْجُمُعَةِ، باب الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: وكل ما لم يكن في زمنه [صلى الله عليه وسلم] يُسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنًا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك. أ. هـ.
"