ad a b
ad ad ad

«التصفية» و«التربية».. أبرز أطروحات التغيير عند «السلفية»

الجمعة 13/يوليو/2018 - 07:32 م
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
إسلام محمد
طباعة
تعد أطروحة «التصفية»، و«التربية» للداعية الراحل محمد ناصر الدين الألباني، من الأطروحات البارزة للتغيير لدى تيار السلفية العلمية، ففي كتابه «التصفية والتربية وحاجة المسلمين إليهما»، يلخص نظرية تغيير واقع الأمة الإسلامية في شقين اثنين، أولهما: «التصفية»، والتي تعني تصفية كتب التراث مما علق بها من الخرافات والانحرافات عن صحيح الدين، وتمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، وتنقية الكتب الفقهية والعقدية من البدع المخالفة لنقاء الدين، للعودة إلى الشكل الذي نزل به الدين على النبي صلى الله عليه وسلم، والشق الثاني، هو «التربية» وتعني نشر الأخلاق الإسلامية، وتنشئة الأجيال المسلمة على المنهج النظري الذي تمت تنقيته مما يخالف الدين.


الألباني
الألباني
يقول الألباني: «عادة جماهير المسلمين اليوم أن يصبّوا اللوم كل اللوم بسبب ما ران على المسلمين قاطبةً من ذلٍّ وهوان على حكامهم الذين لا ينتصرون لدينهم، كأنهم لا يشملهم اللوم الذي يوجهونه إلى الحاكمين ! والحقيقة أن هذا اللوم ينصب على جميع الأمة حكّامًا، ومحكومين. وليس هذا فقط بل هناك طائفة من أولئك اللائمين للحكام المسلمين بسبب عدم قيامهم بتطبيق أحكام دينهم، وهم محقون في هذا اللوم، ولكن! قد خالفوا قولة تعالى {إن تنصروا الله}. أعني نفس المسلمين اللائمين للحاكمين حينما يخصونهم باللوم قد خالفوا أحكام الإسلام؛ حينما يسلكون سبيل تغيير هذا الوضع المحزن المحيط بالمسلمين بالطريقة التي تخالف طريقة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم». 

ويضيف الألباني، «حيث إنهم يعلنون تكفير حكام المسلمين - هذا أولًا - ! ثم يعلنون وجوب الخروج عليهم.. هؤلاء الحكام ما نزلوا علينا من المريخ!! وإنما نبعوا منّا وفينا فإذا أردنا صلاح أوضاعنا فلا يكون ذلك بأن نعلن الحرب الشعواء على حكّامنا وأن ننسى أنفسنا؛ والمشكلة منّا وفينا؛ حيث المشكلة القائمة في العالم الإسلامي.. لذلك نحن ننصح المسلمين أن يعودوا إلى دينهم. وأن يطبقوا ما عرفوه من دينهم {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله}».

ويؤكد الألباني، «الطريقة المثلى التي لا ثاني لها، وهي التي ندعو إليها دائمًا وأبدًا. وهي فهم الإسلام فهمًا صحيحًا وتطبيقهُ وتربية المسلمين على هذا الإسلام المصفّى، تلك هي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ كما ذكرنا ونذكر أبدًا. فرسول الله بدأ بأصحابه أن هداهم إلى الإيمان بالله ورسوله -أن علمهم بأحكام الإسلام-، وكانوا يشكون إليه ما يصيبهم من ظلم المشركين وتعذيبهم إياهم، كان يأمرهم بالصبر، وأن هذه سنة الله في خلقه أن يُحارب الحق بالباطل وأن يُحارب المؤمنون بالمشركين وهكذا، فالطريقة الأولى لمعالجة هذا الأمر الواقع هي العلم النافع والعمل الصالح.. العلاج هو فرّوا الى الله، فرّوا الى الله تعني افهموا ما قال الله وقال رسول الله، واعملوا بما قال الله وما قال رسول الله».

 المشاركة السياسية
المشاركة السياسية والأحزاب والمظاهرات للسلفيين
المداخلة
ولا يختلف أتباع المدرسة السلفية المدخلية كثيرًا عن تيار السلفية العلمية، بل يشترك الاثنان في نفس الرؤية؛ إلا أن المداخلة يُستغرقون في شق التصفية بشكل كبير، ويُتهم المداخلة بأنهم يُغالون في هذا الأمر إلى حد تتبع كتابات وخطب الدعاة الآخرين، واتهامهم بالخروج عن الخط الإسلامي الصحيح نتيجة أدنى اختلاف مع أي منهم، بزعم الحفاظ على نقاء المنهج وعدم اختلاطه بأي مذاهب فكرية أو آراء بشرية قد تخالف الدين الصحيح، والتزامًا منهم بالعمل في مهمة «التصفية» يعمل الكثير منهم كمحدثين، أي باحثين متخصصين لتمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، من خلال تتبع الروايات المختلفة لكل حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.

ويشتد إنكار المداخلة على أصحاب سبل التغيير الأخرى؛ فيرون أن المشاركة السياسية والأحزاب والمظاهرات وكافة أشكال المعارضة السياسية هي بدع محدثة تخالف الدين الإسلامي، في حين يرى منتقدوهم أنها مجرد وسائل ولا تحمل أي مخالفات شرعية في ذاتها.

«التصفية» و«التربية»..
الدعوة السلفية
أما الدعوة السلفية فتتخذ مسلكًا أكثر تحديدًا ووضوحًا في جانبه العملي، وتتقاطع مع الاتجاهات السلفية الأخرى في موضوع الاهتمام بمسألة التربية، وتنقسم التربية لدى الدعوة السلفية إلى شقين: الأول هو نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بين أفراد المجتمع، ففي بحث نُشر بعنوان: «السلفية ومنهج التغيير»، على الموقع الإلكتروني «أنا السلفى» الناطق باسم الدعوة السلفية؛ فإن هذه المرحلة تشمل «الدعوة إلى الإيمان بمعانيه وأركانه كلها من معرفة الله بأسمائه وصفاته والتعبد له بها وتوحيد الربوبية والألوهية ومحاربة الشرك فى كل صوره القديمة والحديثة من شرك القبور والخرافات وشرك الحكم والولاء وغير ذلك، وكذا الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر وما يتبع ذلك من قضايا الاعتقاد في الصحابة ومسائل الإيمان والكفر وتحقيقه الإتباع للسنة ومحاربة البدعة، وتقرير مناهج الإستدلال وتحقيق التزكية عبادة وخلقًا ومعاملة، والسير فى طريق الدعوة وإقامة الدين وإعلاء كلمة الله فى الأرض، كل هذا على وفق منهج أهل السنة والجماعة إجمالًا وتفصيلًا، على اعتبار أن الدعوة إلى الإيمان بهذا المفهوم الشامل هى أصل دعوة الرسل وهى الطريق الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وأن المنهج هو أولى الأولويات فى العمل والذى لا يتحقق أى واجب بعده بدون هذا الواجب الأول، وهذا المنهج تجب الدعوة إليه بكل الطرق وتربية الناس عليه بالوسائل العامة كالخطبة والدرس الجامع والكتاب والنشرات العامة وقوافل الدعوة وغير ذلك من الوسائل الخاصة، كالدرس الخاص والمعاهد العلمية والمجموعات التربوية وغيرها».

والأمر الثاني هو «إيجاد الطائفة المؤمنة الملتزمة المجتمعة على إقامة الفروض المضيَّعة بكل ما أوتيت من قدرة والساعية فى نفس الوقت لتحصيل أسباب القدرة فيما تعجز عنه فى الحال.. إيجاد هذه الطائفة المؤمنة على منهج أهل السنة والجماعة والتي يجتمع عليها باقى أهل السنة هو من أهم الواجبات والأولويات، وهذه الطائفة تسعى إلى أن يكون أفرادها فى خاصة أنفسهم يؤدون الواجبات العينية عليهم فى العقيدة والعبادة والسلوك والمعاملة والخلق ويتركون المحرمات كما أنهم ملتزمون بالتعاون المنضبط على إقامة الفروض التي خوطبت بها الأمة ككل؛ كالتعلم والتعليم قال عز وجل: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة122».

وطبقا لبحث: «السلفية ومنهج التغيير»؛ فإن «للعلم منزلة خاصة وأهمية كبرى فى الدعوة، إذ عليه تقوم وبدونه تفقد هويتها وانتمائها للسلف، ولابد أن يكون هذا الأمر على كل المستويات للصغار والكبار للرجال والنساء، وفي سائر قطاعات المجتمع، وكالحسبة والدعوة، قال عز وجل (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، آل عمران 104، ولابد فى هذا الباب من مراعاة المصالح والمفاسد وفق ما تأمر الشريعة، وعلى ميزانها كالواجبات الاجتماعية من سد حاجات الفقراء والمساكين ورعاية اليتامى وحث الأغنياء على الزكاة والصدقة ومعاونتهم فى إخراجها على ماجاء فى الكتاب والسنة وعيادة المرضى، ودعوتهم إلى الله، وإحياء الروابط الأخوية بين المسلمين من إتباع الجنائز والتعزية فى المصائب وإجابة الدعوات والتهنئة فى الأفراح وغير ذلك، كالسعى إلى إيجاد نظام المال الإسلامى لإبعاد الناس عن الربا والغيبة وسائر المعاملات المحرمة، وكذا تربية الأمة على روح الجماعة برد الناس إلى أهل العلم».

«التصفية» و«التربية»..
السلفية الحركية
أما السلفية الحركية؛ فإنها برغم اعترافها بأهمية «التصفية» و«التربية» إلا أن رموزها يركزون على مسألة الحكم الإسلامي ودور النظام السياسي في التغيير، ففي ثورة 20 يناير 2011، أطلق الداعية محمد عبدالمقصود، الفتوى السلفية الأولى التي تبيح المشاركة في المظاهرات والخروج على الحاكم، والتي شرعنت نزول الشباب السلفي للمشاركة في فعاليات الثورة آنذاك؛ فالسلفية الحركية تركز بشدة على دور الحاكم في التغيير، ولهذا تحتل قضية الحكم بما أنزل الله مساحة لا يستهان بها في الخطاب الدعوي لرموزها، ويشتهر مشايخ ودعاة هذا التيار بتبني قضية تكفير الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية.

وإبان حكم جماعة الإخوان (أسسها حسن البنا عام 1928)، كان السلفيين الحركيين بمثابة الظهير السلفي للجماعة، نظرًا لتعاظم مساحة اهتمامهم بالأمور السياسية بشكل أكبر من الاتجاهات السلفية الأخرى، ففي حين يركز السلفيون الآخرون على العمل الدعوي بأشكاله المختلفة ينخرط رموز الحركيين في السجالات السياسية والاصطفافات الحزبية، وتدور الكثير من إصداراتهم حول التنظير السياسي وما يُسمى بـ«فقه الواقع»، ويصفون الآخرين بالسلبية في حين يواجهون اتهامات بتضييع الدين في دروب السياسة ومسالكها، لاعتقادهم أن التغيير يأتي من أعلى، أو على الأقل فإن السلطة في اطروحاتهم لها أهمية كبرى وارتباط وثيق بمسألة التغيير.
"