«مورو».. الدفع بشيخ «النهضة» يُربك إخوان تونس
الأربعاء 07/أغسطس/2019 - 08:35 م
مورو والغنوشي
دعاء إمام
أشهر من المداولات والانقسامات انتهت بقرار لمجلس
شورى حركة النهضة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان في تونس، بترشح نائب رئيس
الحركة ورئيس البرلمان المؤقت، عبد الفتاح مورو، للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها
منتصف سبتمبر المقبل.
وبعد خلافات شهدتها الحركة حول موقفها من الانتخابات
الرئاسية المقبلة، لا سيما بعد وفاة الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، نهاية
يوليو الماضي، حسمت «االنهضة» أمرها وأعلن راشد الغنوشي، رئيس الحركة، أن مجلس
الشورى وافق على ترشيح «مورو» بواقع 98 صوتًا.
الغنوشي
تصريحات متلونة
على خلفية أنباء أثيرت مطلع العام الحالي، حول احتمالية الدفع بـ«الغنوشي» في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال «مورو» في حوار سابق على قناة «فرانس 24»: لابد من ترشيح شخص خارج عن الحركة؛ لأن المجتمع غير مستعد لتقبل رئيس من الحزب»، مؤكدًا أن فوز الحركة في الانتخابات البلدية، لا يعني تراجع الحركة للشارع بقوة، ولكنها تشير إلى الحجم الذي تتمتع به، والذي يجب أن نستخدمه في مصلحة الشعب؛ حتى لا نخسر ثقة الجماهير التي حصلنا على أصواتها.
وفي أول تعليق له على تزكيته من قبل «النهضة»، قال «مورو»: إنه مسرور بهذا الترشيح، وهذه الثقة التي وضعتها فيه قيادات الحزب وكوادره، واصفًا القرار بــ«الرأي الحصيف»؛ أي صائب لا خلل فيه، معتبرًا أن قرار ترشيحه، بالشكل الذي تم به صلب مجلس شورى الحركة، من شأنه توحيد الحركة، ومنع انقسامها.
وزعم أن هذه التزكية لها مردود ليس على حركة النهضة فحسب، إنما أيضًا على البلاد، باعتباره يدعم الحياة الحزبية، التي ترتكز عليها الديمقراطية_ حسب قوله_، مضيفًا: « منذ هذه اللحظة، أنا لست مرشحًا لحركة النهضة، إنما مرشح للوطن».
رغم أن «مورو» لم يجد قبولًا شعبيًّا في تونس خلال مشاركته في عدد من الانتخابات، فإنه يُعد المتحكم بشكل كبير في «حركة النهضة»، ويتميز بالذكاء في تصريحاته، وكذلك في قراراته السياسية؛ حيث تخلى عن تمسكه بفكرة تطبيق الشريعة الإسلامية، عندما وجدها غير مقبولة اجتماعيًّا، وسعى للوصول لهدفه، وكسب تعاطف التونسيين، وما يدلل على ذلك قوله، في أحد حواراته الإعلامية: «من استعجل الأمر قبل أوانه يعاقب بحرمانه».
كما قال خلال حوار أجراه في أكتوبر 2014 مع إحدى الصحف العربية: «من الممكن أن تتوقف الحركة عند مرحلة ما؛ لأن ظروفها لا تسمح لها بالتقدم، ولكن الهدف الأساسي للحركة هو تحكيم شرع الله»، مضيفًا: «سيد قطب كفر المجتمعات؛ لأنها لا تطبق شرع الله».
تأثير أفكار «قطب» على «مورو» كان واضحًا، إلا أن المصلحة كانت تجبره في بعض الأوقات إلى التخلص من تلك الأفكار أو التخلي عنها مؤقتًا؛ حيث قال الأخير في حوار مع جريدة «القدس العربي»، عن اتجاه المجتمع التونسي للتحرر، وارتفاع أسهم حرية المرأة: «أولئك الذين يغرقون في الجدل، متى وماذا تلبس المرأة أو تخلع، ليس مهمًّا متى تخلع الفتاة ملابسها، ومتى ترتديها، الأهم أن تصل إلى قناعة، وتتراكم معرفتها، ويتمايز وعيها، وهذا ما نحاول أن نفعله في المجتمع التونسي اليوم».
مخطط الحركة التونسية بتطبيق مزاعمهم بشأن الشريعة، الذي ألمح إليه «مورو»، بدا أكثر وضوحًا عندما أطاحت الحركة -بمجرد وصولها الحكم- بجميع الكوادر الإدارية العليا في مؤسسات الدولة، وحلت جميع المؤسسات السياسية التي تدير البلاد؛ ما كشف خطواتها لتغيير كيان الدولة، وتحقيق ما كانت تسعى إليه، ولكن فشلها في تلبية احتياجات المواطنين جعلها تنهار أمام حزب «نداء تونس» في 2014.
رفيق عبد السلام
خلافات داخلية
أجج ترشيح رئيس البرلمان المؤقت لخوض الانتخابات الرئاسية، الخلافات داخل الحركة؛ بسبب رفض قيادات بارزة خوض غمار الاستحقاق الانتخابي بمرشح من داخل الحركة، إذ عبر القيادي في حركة النهضة، رفيق عبد السلام، _صهر الغنوشي_ عن رفضه قرار مجلس الشورى القاضي بترشيح «مورو» واصفًا القرار بـ«الخاطئ».
وكتب «عبد السلام» في تدوينة نشرها على صفحته على«فيس بوك»: «رغم احترامي وتقديري للشيخ عبد الفتاح مورو، فإن اختيار مرشح من داخل النهضة خيار خاطئ، ولا يستجيب لمقتضيات المرحلة… الوحدة على الخطأ هي وحدة مغشوشة ومزيفة».
وعن الانقسامات التي شهدتها الحركة مؤخرًا، قال الباحث التونسي، أحمد نظيف: إن أغلبية أعضاء النهضة صوتت ليلة السبت «3 أغسطس» لصالح ترشيح قيادي من الحركة، لكن النصاب القانوني «51 عضوًا» لم يتوفر لاعتماد القرار، وهو ما استدعى الإبقاء على جلسات مجلس الشورى مفتوحة، حتى الثلاثاء «6 أغسطس»، وحدث انقلاب غير مسبوق في موازين القوى، عندما صوتت أغلبية الأعضاء بترشيح قيادي من الحركة وتم اعتماد القرار، الأمر الذي اضطر المكتب التنفيذي ورئيسه «الغنوشي» إلى اقتراح نائب الرئيس؛ وفقًا للقانون الداخلي للحركة.
وتابع:«تمت تزكية مورو بـ98 صوتًا، لكن مجموعة الغنوشي داخل الحركة مازالت تعتقد بأن هذا الترشيح – إن كتب له الفوز – لن يكون في صالح الحركة؛ فالانقسام وصل إلى مستويات غير مسبوقة، ولأول مرة توجد مناطق بأكملها، وذات وزن، خارج سيطرة رئيس الحركة، من خلال صعود البرجوازية الإسلاموية داخل الحركة، وتبجيل فئة رجال الأعمال على حساب قيادات تاريخية محلية وجهوية ذات أدوار اجتماعية بارزة خلال فترة التهجير، كل ذلك أدى إلى تآكل شرعية الغنوشي، على حساب تيار عبد الحميد الجلاصي ومن خلفه كل المغضوب عليهم.
هادي يحمد الباحث التونسي
ما بعد ترشح «مورو»
ثمة آراء اعتبرت ترشح ممثل عن «النهضة» مناورةً سياسيةً، في حين ذهب «نظيف» إلى أن الدفع بـ«مورو» يؤكد أن الحركة لم تعد كتلة واحدة، كرأي واحد أو توجه واحد، مشيرًا إلى أن مركزية النهضة انتهت منذ أكثر من 3 سنوات، وفقد «الغنوشي» خلال هذه الفترة الهيمنة والنفوذ على جسم التنظيم؛ وعليه فإن مسألة ترشيح مورو، تمت غصبًا عن «الغنوشي»، وليست مجرد مناورة من الحركة، مضيفًا: «أسطورة الحزب الحديدي والمنظم والذي لا يقهر انتهت».
وفسر هادي يحمد، الباحث التونسي، اختيار النهضة لـ«مورو» بأنه موقف يعكس براجماتية الحركة، مشددًا على أنها لا يمكنها أن تراهن على ترشيح رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لا سيما أن حزبه «نداء تونس» في ذيل استطلاعات الآراء.
وقال: «النهضة تحرق مورو في الدور الأول، وإذا وصلنا إلى الدور الثاني ستدعم الأكثر حظًّا.. براجماتية سياسية».
مورو
من هو؟
بدأ «مورو» عمله الدعوي عام 1960 في المساجد والمدارس الدينية؛ ليتجه بعد ذلك للعمل السياسي؛ حيث اتفق عام 1973 مع «الغنوشي»، على تأسيس حركة إسلامية، وبعد محاولة عقد اجتماع لما يقرب من 100 شخص، اعتُقل المؤسسان على أثر ذلك الاجتماع.
وبعد الخروج من المعتقل، عقد «مورو» العزم على تأسيس منظمة سرية (الجماعة الإسلامية)، بدأها بالتواصل مع الإخوان، ونشطت المنظمة بعد أن انهمرت عليها التبرعات، فنشرت عددًا من الصحف والكتب والمجلات؛ ما جعلها تلقى انتشارًا كبيرًا في تونس.
وفي عام 1981، غيرت الجماعة اسمها؛ لتصبح «حركة النهضة»، وإثر مخالفات قانونية للحركة دخل «مورو» السجن مرة أخرى بين عامي 1991 و1992، فتراجع نشاط الحركة بشكل كبير، وبعد خروجه من محبسه قرر التوقف عن العمل السياسي، وعودته لمزاولة مهنة المحاماة.
وعقب الثورة التونسية (17 ديسمبر 2010)، عاد «مورو» للعمل السياسي، بعد عودة رفيق دربه «الغنوشي» من المنفى؛ إذ اتفق الطرفان على خوض انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بقائمة مستقلة، ولكنه فشل في تلك الانتخابات، فقرر العودة إلى «حركة النهضة» عام 2012، وأصبح نائبًا لرئيسها راشد الغنوشي.





