أبواب خلفية ومنطقة عمياء.. «داعش» يخطط للعودة من خلال الثغرات الأمنية
عمليات على استحياء أو تهديدات للدول الأوروبية من آن لآخر، تلك الاستراتيجية التي يتبعها تنظيم داعش الإرهابي، الذي بدا مؤخرا قليل الحيلة منذ سقوط آخر معاقله في سوريا «الباغوز»؛ إلا أنَّ خبراء ومراقبين طالبوا الحكومات بأخذ تلك التهديدات على محمل الجد.
أشهرٌ مرت منذ طرد داعش من مناطق سيطرته الإقليمية في العراق وسوريا؛ لكن الجماعة الإرهابيَّة الوحشيَّة تواصل تدميرها في الأراضي التي كانت تعتبرها «الخلافة»،
في ظل تراجع المواجهات الأمنية والخلل الذي يلاحق القوات المكافحة للإرهاب خاصة مع
الانسحاب الامريكي من سوريا.
وفي وقت تزداد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، ودول تأوي فروعًا
قويةً لداعش، وتتراجع فيه القوى الأمنية للدول في مواجهة «التسلل الخفي» لعناصر داعش، يدق الخبراء ناقوس الخطر من إمكانية العودة القوية للتنظيم، ربما في
أحد الفروع أو حتى في معلقه الرئيسي سوريا.
داعش سوريا.. واستراتيجية المنطقة العمياء
يقول برادلي بومان، المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية (CMPP) للمؤسسة للدفاع عن الديمقراطيات لشبكة فوكس نيوز: إن «حرمان داعش من سيطرته الإقليمية على العراق وسوريا هو خطوة إيجابية»، ولكن داعش كفكرة إرهابية وأيديولوجية لا يهزم بسهولة.
وأضاف: «ستطلب الهزيمة المستدامة لداعش إستراتيجيَّة شاملة - العمل مع حلفائنا - لقتل الإرهابيين، ومعالجة الإيديولوجية الأساسية، وتشجيع الحكومات الشاملة في دمشق وبغداد، فداعش يعتمد على فكرة المنطقة العمياء في الملعب، وهي المنطقة التي تعتريها ثغرات أمنيَّة يستغلها داعش للعودة».
وبينما لا يزال مكان وجود أبي بكر البغدادي، زعيم داعش بعيد، إلا أن المخابرات العراقية تعتقد أنه يواصل توجيه مختلف الخلايا المنتشرة في المناطق النائية؛ حيث يوجد التنظيم عبر الحدود في سوريا؛ لكن بشكل متخفي.
الانسحاب الأمريكي ونقطة الصفر
يمكن للانسحاب الأمريكي من سوريا، أن يعيد المواجهة من تنظيم داعش إلى نقطة الصفر، مع فارق روح الانتقام لدى عناصر التنظيم من فقد أراضيهم ونقص قوي في إمدادات قوات سوريا الديمقراطية.
وتخطط أمريكا، لسحب قواتها المعاونة لقوات الأكراد على الحدود السورية، ما قد يُشكل خطرًا خاصة مع احتمالية دخول الاكراد حربًا ضد القوات التركية التي تصنفهم إرهابيين رغم أنهم يحاربون إرهاب داعش في سوريا.
ويقول جيمس جيفري، كبير المبعوثين الأمريكيين إلى سوريا وائتلاف التحالف المناهض لداعش، في مقابلة مع صحيفة «ديفنس وان»: إن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا - الذي وعد به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة في ديسمبر، والذي دفع باستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس - مستمر على قدم وساق.
الانتقام بإعادة التمركز
لكن حتى الآن، لم تلتزم أي قوات شريكة في التحالف الذي يضم دولًا غربية، بإرسال قوات إضافية لسد الفجوة عندما تغادر غالبية القوات الأمريكية ما سوف يترك فراغًا أمنيًّا خطيرًا ستستغله التنظيمات الإرهابية دون شك وأبرزها تنظيم داعش.
وترفض ألمانيا وفرنسا إرسال قوات إضافية لتحل محل القوات الأمريكية المنسحبة، ما ينذر بأزمة بناء على تحليلات الخبراء في مكافحة الإرهاب.
ويُذكر أنه في أوقات متقاربة، أعلن تنظيم داعش إلى وجوده في سريلانكا، وموزمبيق، وأفغانستان، والصومال بعمليات إرهابية أو هجمات «ذئاب منفردة» على الصعيد العالمي الذي لا يزال داعش قوة فعالة فيه خاصة أوروبا ودول التحالف الدولي.
ويمكن أن تلعب فروع داعش الإقليمية في جميع أنحاء العالم، دورًا في إعادة التمركز، إما من خلال زيادة وتيرة العمليات لحشد همم المقاتلين حول العالم، أو أن يكون الانطلاق من خلال ولاية جديدة بدلًا من سوريا.
وبحسب مقال في نيويورك تايمز، فإن ما يعزز هذه الفرضية، هو أن البغدادي قد نجح في تحويل تركيز داعش من مركزه إلى فروعه الأمر الذي مكّن المجموعة ليس فقط من البقاء على قيد الحياة ولكن أيضًا من الانتشار الجغرافي.
ويقول بروس هوفمان المتخصص في مكافحة الإرهاب بجامعة جورج تاون ومؤلف كتاب «داخل الإرهاب»، إن قتل قادة جماعة إرهابية أو تقليص المساحة المادية التي تسيطر عليها «ليس هو نفسه تقويض أيديولوجيتها أو تدمير سبب وجودها. يمكن القول إن الانتقام قد يعيد داعش بهدف جديد وطاقة».
ويقول علي صوفان، مسؤول سابق في مؤسسة أف بي آي الامريكية، والمختص في مكافحة الإرهاب، ومؤلف كتاب «تشريح الإرهاب: من موت بن لادن إلى صعود الدولة الإسلامية»، إن تنظيم داعش مازال يمتلك علامته التجارية وقدرته على الإلهام، على الرغم من مقتل أكثر من مائة من كبار قادته والقبض على عشرات الآلاف من مقاتليه وأتباعه.
«إن الحركة تعرف كيف تستغل التوترات المحلية لأغراضها الخاصة، وتعتمد معظم مقاطعات داعش في جميع أنحاء العالم على النزاعات القائمة مع الانقسامات الطائفية والعرقية والدينية»، بحسب صوفان.
وأشار صفوان إلى أن هذا ينطبق على التنظيم من بوكو حرام في نيجيريا إلى أنصار بيت المقدس إلى أبو سياف في الفلبين.
ويعزز من ذلك، أن زعيم التنظيم - لا يزال حرًّا - دعا لشن هجمات عالمية عندما فقد أراضي التنظيم، وناشد أتباعه «الحذر» من «الشعور بالهزيمة».
وفي عام 2018 تم ربط داعش بثلاثة آلاف على الأقل هجومًا في جميع أنحاء العالم، وفقًا لخدمة مراقبة بي بي سي، حيث أعلن التنظيم مسؤوليته عن أكثر من 300 هجوم في أفغانستان، وأكثر من 180 في مصر، وحوالي 16 هجوما في الصومال، وأكثر من 40 هجوما في كل من نيجيريا واليمن، و27 في الفلبين.
مخاطر أمنية تهدد العراق
الخوف من عودة داعش، لا تشمل فقط سوريا، حيث أن انعدام الأمن الكامل وتؤخر أعمال إعادة الإعمار، تهدد مستقبل العراق كذلك، ويقول أحد القادة المحليين في محافظة الأنبار «في الليل يهاجموننا»؛ وذلك في إشارة لعودة تنظيم داعش إلى هذه المنطقة الصحراوية.
وفي تصريحات الشهر الماضي، يقول المسؤول العراقي : إن الأرض القاحلة المتاخمة لمجموعة صغيرة من المنازل التي تشكل القرية ومنزلًا قريبًا، ويُشتبه في أن ما لا يقل عن ألف مسلح عبروا الحدود من سوريا إلى العراق، بعد مهاجمة الباغوز.
ويقول منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كيرتشوف، إن نحو 45 ألف طفل، ولدوا في العراق لكنهم حرموا من الجنسية؛ لأنهم كانوا في مناطق «داعش» عرضة لأن يصبحوا الجيل القادم من الانتحاريين.
ويرى «كيرتشوف» أن هذا الأمر يمثل «قنبلة موقوتة»، وأنه يشكل أمرًا رئيسيًّا لتجنب المزيد من الهجمات الإرهابية في أوروبا.
وقال مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية دان كوتس، الشهر الماضي: إن تنظيم داعش، لا يزال لديه آلاف الارهابيين؛ ما يجعله قادرًا على تشكيل تهديد قوي في منطقة الشرق الأوسط وغيرها.
وأضاف كوتس، أن التنظيم سيستغل تقلص الضغوط ضد الإرهاب؛ لتعزيز وجوده السري، وتسريع إعادة بناء قدراته مثل الإنتاج الإعلامي والعمليات الخارجية.
واعتقد كوتس، أن «يشن داعش هجمات خارجية من العراق وسوريا ضد أعدائه في المنطقة والغرب، بما فيها الولايات المتحدة، متوقعًا أن «داعش» يركز على استغلال التوترات المذهبية في العراق وسوريا، مضيفًا أن «التنظيم ربما يدرك أن السيطرة على أراضٍ جديدة غير قابلة للاستدامة في المستقبل القريب».
الانسحاب الأمريكي وأفغانستان
لا يشمل سحب القوات الأمريكية سوريا وحدها؛ لكن مع إعلان حكومة ترامب دراسة الانسحاب بقواته من أفغانستان بعد نحو 17 عامًا من الحرب، تزداد المخاوف بشأن انعدام الأمن في هذه المنطقة، التي كانت معقلًا لإرهاب حركة طالبان وتنظيم القاعدة.
وربما يخلف هذا الانسحاب مزيدًا من انعدام الأمن في أفغانستان - الذي تحاول الحكومة الأفغانية توطينه في مواجهة إرهاب طالبان – إلى تقوية شوكة الإرهاب في البلاد، سواء من طالبان أو تنظيم داعش الذي أصبح له موطئ قدم في البلاد.
وهذه المخاوف، حدت بجيران أفغانستان بالاستعداد لخطر أن يرسل الانسحاب، مئات الآلاف من اللاجئين الفارين عبر حدودهم.
وقال دبلوماسي آسيوي كبير مقره كابول لوكالة رويترز: «في هذه المرحلة لا يوجد وضوحٌ بشأن الانسحاب؛ لكن علينا أن نبقى خطة عمل واضحة جاهزة»، مُضيفًا أنه «يمكن أن يتحول الوضع من سيء إلى أسوأ بسرعة كبيرة».
وقد يخلف التدهور الأمني في أفغانستان حال انسحاب أمريكا، بيئة أكثر دموية في الصراع الدائر بين داعش وطالبان، على فرض السيطرة الإرهابية على المنطقة.
يقول: «جيمس جاي كارافانو» الخبير في تحديات الأمن القومي والسياسة الخارجية، ونائب رئيس مؤسسة التراث لدراسات السياسة الخارجية والدفاع، إنه الآن وقد تم إنهاء خلافة داعش، سيبحث البقايا مرة أخرى عن طريقة لاستعادة شرفهم. بالنسبة لهم، يعني ذلك إظهار أن لديهم القدرة على ذبح واستعباد الأبرياء من جميع العقائد والأديان والألوان.
وأضاف: «سوف تشتعل الشرر ومحاولة الغضب مرة أخرى، السؤال الوحيد هو: إلى أين يذهب الإرهابيون بعد ذلك؟».





