قصة حب مغني الراب وعميلة «FBI».. بين «طُعم العسل» و«التجنيد المضاد»
«ومن الحب ما قتل»، تلك العبارة التي ربما تصادفها في رواية رومانسية، يمكنها أن تنطبق أيضًا على أوضاع في بلاد «الدماء» تحت سلطة تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي استخدم استراتيجية «التجنيد المضاد»، لجذب مزيد من المقاتلين في صفوفه.
وفي حين يعد الحب والزواج أحد أهم دوافع
الانضمام للجماعات الإرهابية، وخاصة «داعش» و«القاعدة»، بحسب ورقة
بحثية أجراها المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، جاءت قصة زواج مغني الراب الألماني،
دينيس كوسبيرت، والذي كان يعرف بـ (ديسو دوغ) من عميلة لجهاز المخابرات الأمريكي، خير
دليل على ذلك.
وعلى الرغم من أن المترجمة في مكتب التحقيق
الفيدرالي، دانييلا غرين، كانت لديها مهمة الإيقاع بـ كوسبيرت، واستدراجه إلى تركيا
للقبض عليه، لكنها بدلًا من ذلك تسللت إلى سوريا
في يونيو 2014، وانضمت إليه حينما كان التنظيم يسيطر على البلاد وتزوجته.
واعتقلت غرين، فور عودتها إلى الولايات
المتحدة بعد أقل من شهرين على توجهها إلى سوريا، وأقرت بأنها «قدمت تصريحات كاذبة
حول إرهاب دولي»، وقضت بعدها عقوبة بالسجن لمدة عامين.
وبحسب دراسة نشرها موقع «هوملاند
سيكورتي» في 10 يونيو 2019، فإن الوقوع في الحب مع عناصر «داعش»، وخاصة
القيادات يعتبر أحد الأسباب الكثيرة للسفر إلى المجموعة، والتي تأتي وفقا للقاءات ومقابلات
متعمقة أجريت مع المنشقين عن «داعش»، والعائدين من مناطق النزاع والمسجونين
أيضًا.
وتقول الدراسة، إن الأشخاص الذين كلفهم
مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات الأمن الغربية الأخرى بتتبع كوادر «داعش»،
والتفاعل معهم كانوا عرضة لأنشطة التجنيد المضاد من قبل عملاء «داعش»، الذين
يحاولون القبض عليهم، والكثير منهم شخصية جذابة وقادرة على اللعب مع عواطف وأحلام أولئك
الذين وقعوا في «سحر» اعتقاد أكاذيب داعش.
ويشير باحثو الدراسة إلى نجاح محاولات
للإيقاع بعناصر بـ"داعش"، من خلال استخدام "فخ العسل" لكن في حال
"غرين" فشلت تلك الخطة بسبب الإغواء العكسي الذي نجح فيه "كوسبيرت".
وتقول الدراسة إن «لعب الأدوار هو
عمل خطير، لا سيما عندما يتضمن التظاهر بالحب أو محاولة أن تصبح كائنًا محبًا لشخص
آخر.. نحن نعلم أن الممثلات، والممثلات المتزوجات التي تلعب أدوار الحب على خشبة المسرح
مع الغرباء الكاملين، غالبًا ما تقع في كثير من الأحيان في حب عشاقهم الذين يتظاهرون
بهم، ما يؤدي إلى الفضائح والطلاق».
وأضافت: «أن العملاء السريين لا يختلفون..
يقعون أيضًا في أفعال خطيرة، وأحيانًا يأخذون الأمور بعيدًا، كما هو الحال في حالة
أحد ضباط الشرطة السريين في المملكة المتحدة الذي كان يتظاهر بأنه ناشط حقوقي يساري
في مجال الحيوان، وسقط أمام إحدى النساء داخل المجموعة التي كان عليه دمج نفسه بها،
على الرغم من كونه متزوجًا ولديه عائلة خاصة به»"
وفي عام 2014، تم تعيين دانييلا غرين البالغة
من العمر 38 عامًا في قسم ديترويت التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي "بصفتها تحقيقية"،
وتضمنت واجباتها دعم التحقيق ضد مواطن ألماني
موجود في سوريا.
وتقول الدراسة: إن «مناقشاتنا مع مكتب
التحقيقات الفيدرالي (FBI) ومسؤولي إنفاذ القانون الألمان تشير إلى أن الهدف من التحقيق هو استخدام
غرين لإغراء كوسبيرت من سوريا إلى تركيا، لالتقاطها كعروس له، ونريد أن يكون هدفًا
حقيقيًا هو إلقاء القبض عليه حالما كان في تركيا.. لقد كانت عملية "وعاء عسل"
تقليدية، حيث كانت دانييلا تعمل كطعم ونأمل أن يسقط كوسبرت في الفخ".
وفي مطلع الأحداث - وبدون علم مكتب التحقيقات
الفيدرالي - سقطت غرين لصالح كوسبرت بدلاً من ذلك، وانتهى بها الأمر بالزواج منه، وسافرت
سرا إلى سوريا بمساعدة الحدود التركية إلى سوريا وذهبت للزواج من كوسبيرت.
ويشير الباحثان في هوملاند سيكوريتي، آن
سبيكارد وأدريانا شاجكوفسي إلى أنهما حين ناقشا القضية في الفترة من فبراير وحتى مايو من
هذا العام مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وإنفاذ القانون الألماني، أن الأجهزة الأمنية كانت مصابة بالعمى عن تصرفات غرين وكوسبيرت، واعتقد جهازا المخابرات أن غرين كانت لا تزال في وضع سيء عندما كانت تشق طريقها بالفعل إلى سوريا.
يقول أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي:
"لم نكن نعرف أنها قد سافرت إلى تركيا، ناهيك عن أنها عبرت الحدود إلى سوريا لتتزوجه!" .
وذكرت الإفادة المقدمة إلى المحكمة أن
غرين قدمت ( FD-772 نموذج تقرير السفر إلى الخارج) لمشرفيها في 21 يونيو 2014، ما يشير إلى
أنها ستسافر إلى ألمانيا، وقالت إنها ستزور والديها في ألمانيا،"لقد فوجئ الجميع
تمامًا" بسفرها إلى سوريا.
وكان
جون كيربي، المسؤول السابق بوزارة الخارجية ، قال لشبكة "سي إن إن"
بأنه "كان إحراجًا مذهلاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، لا شك في ذلك"، مضيفًا
أنه يشتبه في أن دخول غرين إلى سوريا يتطلب موافقة كبار قادة داعش.
وأوضح "كيربي" أن معظم الغرباء
الذين يحاولون الوصول إلى منطقة داعش في سوريا يخاطرون "بقطع رؤوسهم".
"حتى تتمكن من الحصول على الجنسية الأمريكية، كامرأة، موظفة في مكتب التحقيقات
الفيدرالي، ولكي تتمكن من الإقامة مع أحد قادة داعش المعروفين، يجب أن يكون الجميع
منسقين".
وتشير الدراسة إلى أن الملل والرغبة في المغامرة وغيرها من الاحتياجات العاطفية غير الملباة، وكذلك
الجودة الكاريزمية للعديد من الإرهابيين وخاصة
مجندي الإرهاب يمكن أن تؤدي جميعها إلى تعرض هؤلاء العملاء السريين لإغرائهم في أعمال
خاطئة وقد تصل إلى الانضمام إلى المجموعة.
وتشير نقطة الضعف هذه إلى الحاجة إلى إجراء
فحوصات نفسية متكررة بالإضافة إلى إجراءات أمنية للإشراف على أنشطة أولئك الذين يلعبون
أدوارًا لاختراق الجماعات الإرهابية لحمايتهم من التجنيد المضاد عندما يعملون للمساعدة
في حمايتنا من المؤامرات الإرهابية.
ويذكر مسؤولو مكتب التحقيقات الفيدرالي
أنهم قاموا بتنفيذ بروتوكولات أمنية جديدة بعد هروب دانييلا غرين، وفي النهاية قُتل
كوسبرت في غارة جوية شنتها قوات التحالف بعد أن نجا من العديد من المحاولات في حياته
وأُعلن خطأً أنه قُتل في المعركة.
وفي الأخير تم إطلاق سراح غرين من السجن
في عام 2017، ووجدتها شبكة "سي إن إن" في الولايات المتحدة حيث تعمل الآن
في أحد الفنادق.





