«بيّعة الوافدين».. كيف انطلق مؤسس الإخوان نحو «وهم» أستاذية العالم؟
الخميس 23/مايو/2019 - 12:54 م
حسن البنّا
دعاء إمام
في ليلة الأول من «مُحرم» عام 1365 هجريًا، اعتلى حسن البنّا، مؤسس جماعة الإخوان (1928) منصة جامعة الأزهر؛ لتلاوة السيرة النبوية احتفالًا بالعام الهجري الجديد. كانت هذه الخطبة التي شهدها شهر ديسمبر 1945، هي الأولى داخل الجامعة، إذ كان إحياء مناسبة "الهجرة"مقصورًا على الجامع الأزهر، إلا أن طلاب الجامعة المنتمين للإخوان رتبوا الاحتفال ودعوا إليه مؤسس جماعتهم.
اعتمد «البنّا» خطة طويلة الأمد مكّنته من الوصول إلى منبر أكبر جامعة دينية؛ لتحقيق حلم أستاذية العالم «الوهمى» الذي أفصح عنه في سيرته الذاتية (مذكرات الدعوة والداعية). ففي البداية، استقطبت الجماعة الطلاب المصريين والوافدين، ثم إقامة حفلات لمن يتم تنصيبه شيخًا للأزهر، منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
جامعة الأزهر
الوافدون..سفراء الجماعة في الثلاثينيات
أرّخت السير الذاتية وكتب الرعيل الأول من الجماعة، لكيفية تأسيس شُعب إخوانية في بعض الدول عن طريق الطلاب الذين شدوا الرحال لينهلوا من علوم الأزهر، لكنهم عرفوا الطريق إلى «قسم الاتصال بالعالم» الذي أسسه «البنّا»، وكان يلتقي بهؤلاء الطلاب ويتواصل معهم من خلال خطبة الثلاثاء الأسبوعية.
كانت جيبوتي هي الدولة الأولى التي أنشأ فيها الإخوان فرعًا لهم عام 1932، إذ أرسل شباب جيبوتي الوافدون للدراسة في الأزهر، عقب عودتهم إلى بلادهم خطابًا للمؤسس يُعلمونه أنهم نقلوا تجربته إلى دولتهم، ويريدون منه أن يمدهم بالدروس والمحاضرات اللازمة ليعلنوا رسميًّا تدشين شُعبة الإخوان في جيبوتي، ووصفتهم مجلة الإخوان (الذراع الإعلامية للجماعة) بـ«الغيورين على الدين»، كما تم انتداب عبدالله حسين اليماني، من قبل مكتب الإرشاد؛ ليكون حلقة الوصل بين فرع جيبوتي ومكتب الإرشاد، وأصبح رئيسًا لفرع جماعة الإخوان.
على الدرب ذاته سار طلاب جنوب إفريقيا الوافدون للدراسة في الأزهر؛ والذين كان لهم الدور الأكبر في انتقال الفكر الإخواني إلى جنوب القارة السمراء، ومن خلال تواصلهم مع التنظيم الدولي للجماعة، تم تنفيذ العديد من الاستثمارات التي عززت نفوذهم في البلاد.
بموازاة ذلك، كان إلتحاق الطالبين اليمنيين أحمد محمد النعمان، ومحمد محمود الزبيرى، بجامعة الأزهر عام 1937، بداية التواصل مع مؤسس الجماعة، الذي اعتمد عليهما في التخطيط للانقلاب على الإمام يحيى عام 1948؛ بزعم مخالفة نظام الحكم لقواعد الإسلام.
الطلاب اليمنيون
0وقال الشاعر اليمني المنتمي للجماعة، علي ناصر العنسي: «أول تجمع لنا كان ونحن في القاهرة عندما كنا ندرس في الأزهر، وبدأنا الاتصال بالإخوان ومنهم الشيخ حسن البنا الذي كان يرى أن اليمن أنسب البلاد لإقامة الحكم الإسلامي الصحيح، وأن المناخ مناسب للإخوان ليعملوا فيها، فكان يهتم بنا اهتمامًا خاصًا، ومن هنا بدأت الحركة الوطنية بين الطلاب اليمنيين».
لم تشذ «نيجيريا» عن القاعدة، إذ وضع شيخ آدم عبد الله الإلوري، البذور الأولى للفكر الإخواني في نيجيريا، وهو الذي تتلمذ على يد مؤسس الجماعة، حين وفد إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف عام 1944، وتعلم القيم والمبادئ الخاصة بالجماعة، ثم عاد إلى بلاده بالفكر الإخواني وبدأ في نشره بطريقته الخاصة عن طريق إلقاء الخطب بالمساجد، وإعطاء الدروس للطلاب آنذاك.
كما اهتم قسم الإتصال بالعالم، بالطلاب النيجيريين الوافدين للدراسة في جامعة الأزهر، واعتمدوا عليهم أن يكونوا نواة أفكار الجماعة بعد عودتهم لبلادهم، فكانوا نواة التنظيم الدولي للإخوان.
الأمن يحذر
في سبتمبر 2015، أشارت تقارير أمنية انفردت بها جريدة «الشرق الأوسط» الصادرة فى لندن، إلى أن جماعة الإخوان استغلت الطلاب الوافدين عقب ثورة 30 يونيو 2013، التي أزاحت حكم الإخوان، لتوريطهم في أعمال شغب، كما ساعدتهم في تسهيل سفرهم إلى تركيا، ومنها إلى ساحات القتال في سوريا.
وذكرت التقارير الأمنية، أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة، تهدف بشكل جدي لتجنيد أعداد من الطلاب المبعوثين، لاستخدامهم في أعمال العنف، ونجحت بالفعل في خداع بعض هؤلاء الطلاب، وبعضهم انضم لـ«داعش» وشاركوا في مظاهرات الإخوان؛ خاصة عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
وكشف التقرير أن الإخوان يعتمدون استراتيجية خاصة بهم لاستقطاب الوافدين، إذ يعملون على توفير كل احتياجاتهم المادية والمعيشية للانضمام للجماعة، وكثير من الوافدين يتم إقناعهم بضرورة تأسيس فكر الإخوان في بلادهم عند عودتهم، وأكد التقرير، أنه تم رصد طلاب من الوافدين من ماليزيا وإندونيسيا سعوا لنشر فكر الإخوان في بلادهم، عند عودتهم.
«البعوث»..حلم الوافدين
يقول «ناصر.م.ع»، طالب بكلية أصول الدين، إنه جاء من نيجيريا للدراسة في الأزهر، ولم يلتحق بمدينة البعوث؛ نظرًا لقدومه إلى مصر دون الحصول على منحة، وبالتالي فهو يتحمل المصروفات كافة.
وأوضح لـ«المرجع» أن الطلاب الوافدين الموجودين في مدينة البعوث حياتهم ليست صعبة، والجامعة تقدم لهم إعانة وخدمات، مشيرًا إلى أن الطلاب الذين لم يحصلوا يعيشون في أي سكن خارج المدينة؛ ما يجعلهم عرضة للاستقطاب، لاسيما وأن هناك جماعات تساعدهم بالطعام أو غير ذلك، وتستهدف بالأساس الطلاب المتزوجين.
ولفت إلى أنهم يعملون في المكتبات الإسلامية خلال الإجازة الصيفية، لتدبير نفقات السكن والطعام والمصروفات التي يحتاجونها لاستكمال الدراسة، مضيفًا أنه يستفيد من علم الأزهر لكنه لا يستفيد من الإعانات التي يمكن أن تحمي الطلاب من الخضوع لابتزاز الجماعات المتطرفة.
الأزهر يواجه
يقدم الأزهر سنويًا ما يزيد على 1200 منحة دراسية لمسلمي أكثر من 100 دولة دون تمييز؛ وذلك لعدد من المراحل التعليمية وصولًا إلى الدراسات العليا، ويتابع سلوك الطلاب ومن يثبت انحرافه يتم فصله على الفور.
الدكتور عباس شومان
أعلن الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، عن حزمة إجراءات اتخذتها المؤسسة بعد تورط بعض الوافدين في الانضمام للإخوان أو الجماعات المتطرفة، مؤكدًا أنه يتم فورًا فصل الطالب الذي يثبت انتماؤه للإخوان أو أي طالب ينتمي إلى أي فكر تكفيري، ولا يسمح لهم بأن يمارسوا نشاطاتهم في جامعة الأزهر أو التجمعات الأزهرية سواء في المدن الجامعية أو مدينة البعوث الإسلامية أو المعاهد الأزهرية.
وأوضح «شومان» أن المساجد المحيطة بمدينة البعوث، كان ينتشر بها أفراد جماعة الإخوان، الذين ينقلون فكرهم للطلاب، من خلال إلقاء بعض الدروس لشرح مناهج الوافدين، الأمر الذي انتبهت إليه المشيخة، وأوصت بإعداد مراجعات وشروح للوافدين داخل مدينة البعوث؛ منعًا للسيطرة عليهم من قبل عناصر متشددة.
كما تقام معسكرات صيفية خاصة بالطلاب الوافدين، تتضمن ندوات ثقافية، وتعليم مهارات الكمبيوتر، وإدارة الأعمال والمواقع، إضافة إلى تنظيم ندوات دينية للتأكيد على وسطية الأزهر ومنهجه.





