يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

دير الزور.. المخبأ الأخير لـ «البغدادي»

الخميس 10/مايو/2018 - 09:32 م
أبوبكر البغدادي
أبوبكر البغدادي
محمد الدابولي
طباعة
في منتصف 2014 استطاع تنظيم داعش أن يسيطر على مناطق واسعة من سوريا والعراق، وسرعان ما تعزز شعور بالانتصار داخل نفوس عناصره بأنهم تمكنوا من تحقيق حلمهم بإنشاء دولة خلافتهم المزعومة.

إلا أن تلك الأحلام تحطمت على صخرة الجهود الإقليميَّة والتحالفات الدوليَّة سواء في سوريا أو العراق، وأفاق إرهابيو داعش على أسوأ كوابيسهم، حين توالت هزائمهم واحدة تلو الأخرى أمام جيشي العراق وسوريا، اللذين نجحا بشكل كبير في دحر التنظيم واستعادة ما سيطر عليه من أراضٍ غالية في سوريا، وفي العراق.

فلم يكد ينقضي عام 2017 حتي نجحت القوات العراقيَّة في تحرير الموصل ومعظم الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم في العراق، أما على الجانب السوري فنجح الجيش السوري في دحر التنظيم في الرقة ودير الزور.

وعلى الرغم من فقدان التنظيم معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق فإنه ما زال يحتفظ ببعض «الجيوب» خاصة في سوريا على الحدود العراقية السورية؛ خاصة في «ريف دير الزور» ومن أبرز تلك الجيوب مناطق «الشفعة،«السوسة، البقعان، جزيرة الباغوز، تل شاير، الدشيشة»، وقرية هجين التي تناقلت بعض الأخبار مؤخرًا عن اختباء زعيم التنظيم «أبو بكر البغدادي» بها، هربًا من ملاحقات القوات العراقية والسورية.

تشير مصادر مخابراتية (سورية وعراقية) إلى وجود زعيم التنظيم في أحد الجيوب المنتشرة على الحدود بين سوريا والعراق مستغلًا عدم تصفيتها من العناصر الإرهابية وطبيعتها الجغرافيَّة السياسيَّة التي جعلتها محصنة ضد القوات الأمنيَّة سواء السوريَّة أو العراقيَّة، لذا سيحاول التقرير تسليط الضوء على الأهمية المكانية لدير الزور، الأمر جعلها مقرا للجماعات الإرهابية واحتمال أن تكون المخبأ الأخير «للبغدادي».

تضارب معلوماتي:
أوضح المدير العام لإدارة الاستخبارات بوزارة الداخلية العراقية «أبو علي البصري» أن أحدث المعلومات المتوافرة تشير إلى وجود «أبوبكر البغدادي» في مدينة «هجين» السورية الواقعة على بعد 18 كم من خط الحدود العراقية السورية، لكن بعض المصادر الإعلاميَّة العراقيَّة نفى صحة تلك التصريحات، موضحًا أنه لا توجد معلومات حاليا مؤكدة عن مكان «البغدادي».

يضاف الموقف الأخير إلى العديد من المواقف السابقة التي تناولت مصير البغدادي، ففي يونيو 2017 أعلن الجيش الروسي عن مقتله إثر غارة جوية نفذتها طائرات روسية على بعض المواقع السورية في مايو 2017، إلا أنه في سبتمبر 2017 أعلن بعض المصادر العسكرية الأمريكية أنه ما زال على قيد الحياة ولم يقتل كما زعم الجيش الروسي، أي أن مصير «البغدادي» غير معلوم بالمرة سواء كان حيًا أم ميتًا.

«أبوعلي البصري» مدير الاستخبارات بالداخلية العراقية له سوابق من التصريحات التي أكد فيها معرفة مصير البغدادي ففي فبراير 2018 صرح لصحيفة الصباح العراقية بأن البغدادي مازال على قيد الحياة لكنه يعاني من كسور وجراح خطيرة ويعالج في أحد المستشفيات التي يسيطر عليها التنظيم في «الحسكة»، وهو ما يفتح الباب حول جدية تلك التصريحات. 

الأهميَّة المكانيَّة لدير الزور
تعتبر محافظة دير الزور ميدانًا مناسبًا لانتشار الجماعات الإرهابيَّة واختبائها بها، فهي من الناحية الجغرافيَّة تتميز بوجود المقومات التي تسمح بانتشار الجماعات الإرهابيَّة مثل المناخ الصحراوي الجاف والدروب الصحراوية الواسعة التي تسمح باختباء تلك الجماعات، كما تتميز بأنها محافظة زراعية أيضا لوجود نهر الفرات بها مما يسمح بوجود مقومات للعيش ممكن أن تستفيد منها تلك الجماعات الإرهابية.

أما فيما يخص الموارد الطبيعية فتحظي المنطقة بمعظم الثروة النفطية السورية، وبالتالي حرص التنظيم إبان صعوده في 2014 على السيطرة عليها، كما تسكن المنطقة العديد من العشائر العربية المهمشة سياسيًًّا واجتماعيًّا والتي قد تمثل في وقت ما حواضن شعبية لبعض الجماعات المتطرفة.

أي أن دير الزور في حد ذاتها تمثل مكانا مثاليًا لانتشار أعضاء تنظيم داعش بها، حيث الطبيعة الصحراوية ووجود بعض الموارد النفطية بها فضلًا عن وجود عشائر عربية عانت من التهميش السياسي والاجتماعي، كلها أمور تجعل «دير الزور» مكانًا مثاليًا لوجود تنظيم داعش بها واحتمال اختباء البغدادي فيها. 

تطهير «دير الزور»:
رغم إعلان النظام السوري أنه في نهاية 2017 استعيدت دير الزور من تنظيم داعش لكنه في الوقع لم يستطع النظام فرض سيطرته تمامًا علي المنطقة، حيث ظلت العديد من الجيوب في ريف دير الزور تحت مظلة تنظيم داعش ويستغلها التنظيم حاليًا لإعادة تمركزه من جديد، وتتعدد الأسباب حول عدم تطهير دير الزور بالشكل الكامل من تنظيم داعش ومنها:

سياسة التركيز على المدن الكبرى: 
بالتأكيد أن الخطط العسكرية والتكتيكية لتحرير المناطق، تضع أولوية لتحرير المدن والمراكز الكبرى في تحركاتها العسكرية من أجل حسم المعركة مع العدو مبكرًا، ثم تأتي الجيوب الثانوية في مرحلة لاحقة، وهو ما حدث بالفعل في الحالة السورية؛ حيث كان تحرير مدينة دير الزور أولوية أولي بالنسبة للجيش السوري، أما فيما يخص ريف دير الزور فلم يحتل الأولوية نفسها للجيش السوري مما سمح للتنظيم بالتمترس في بعض الجيوب وقد تكون إحداها مخبأ للبغدادي. 

• ضعف التنسيق السوري العراقي: 
حيث تزامنت تقريبًا العمليات العسكرية السورية والعراقية ضد الدولة المزعومة التي أسسها «داعش» في سوريا والعراق، ونجحت الحملة العسكرية بشكل كبير في دحر التنظيم والقضاء على دولته المزعومة، لكنه يؤخذ على ذلك ضعف التنسيق السوري العراقي، فملاحقة القوات العراقية لفلول التنظيم توقفت على خط الحدود العراقية السورية.

بعض الدول المتجاورة تلجأ إلى تطبيق ما يعرف في حقل العلاقات الدولية بـ«حق المطاردة الساخنة»، أي يتم السماح لإحدى الدول بتخطي حدود دولة أخري من أجل تعقب الجماعات الإرهابية الفارة، وهو ما يحدث تقريبا في الحدود العراقية التركية، حيث تستغل تركيا هذا الحق في مطاردة الميلشيات الكردية.

لذا كان ينبغي على القوات العراقية المتماسكة تنظيميًا استمرار ملاحقة أعضاء تنظيم داعش داخل الأراضي السورية وعدم الاكتفاء والتوقف علي خط الحدود العراقية. السورية في ظل توافر معلومات لدي أجهزة الاستخبارات العراقية عن تحركات البغدادي. 

• الأزمة السورية الداخلية: 
تبقى الأزمة السورية الداخلية أكثر ما يضعف قدرات الجيش السوري في مواجهة تنظيم داعش في ريف دير الزور، الأمر الذي قد يعطل من إمكانية تطهير دير الزور بالكامل واستمرار وجود تلك الجيوب.

وأخيرًا ينبغي علي الجيش السوري التركيز في المرحلة المقبلة على تطهير منطقة ريف دير الزور من بقايا تنظيم داعش، كما يجب على الجيش العراقي إجراء عملية ضبط الحدود العراقية السورية حتي يفوت الفرصة على أعضاء التنظيم في إعادة الانتشار من جديد في العمق العراقي.

"