يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

أردوغان والإخوان.. العلاقة أكبر من السياسة

الأربعاء 24/أبريل/2019 - 09:34 م
المرجع
طباعة

«أنا عندي حلمٌ ولديّ رؤية» قال هذا نجم الدين أربكان الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا، المنتمي للإخوان روحًا وجسدًا، وكان يقصد حلم الخلافة العثمانية والرؤية المتمثلة في الوصول إليها عن طريق العمل الحزبي، ومن «السلام الوطني» إلى الرفاه مرورًا بالفضيلة وانتهاءً بحزب السعادة، حتى العدالة والتنمية الذي أنشاه تلميذه أردوغان، ووصل إلى السلطة عام 2002 ولا يزال فيها حتى الآن، مياهٌ كثيرة جرت، إلا أنها لم تنه ذلك الحلم وتلك الرؤية، وذاك الارتباط بين الأستاذ وتلميذه مع الجماعة الأم الإخوان، التي شكلت وصاغت وعي تيار «ملي جورش» التركي.


أردوغان والإخوان..

مرتكزات واحدة

لم تختلف المرتكزات الفكرية لجماعة الإخوان عن أفكار وإستراتيجيات التيار الذي أسسه أربكان، والذي أصبح أردوغان امتدادًا له فيما بعد بشكل وإستراتيجيات جديدة، وهو إعادة السلطنة العثمانية، والتحايل على أنظمة الدولة التركية؛ للوصول إلى تحقيق هذا الهدف من خلال أستاذية العالم.


يقول الكاتب التركي محمد زاهد غل، في موقع الجزيرة نت، وهو يؤرخ لنشأة الحركة: في السبعينيات تُرجم كتاب «معالم في الطريق» وفُسر كتاب «في ظلال القرآن» ومؤلفات أخرى لـ«سيد قطب»، وبالرغم مما فيها من أفكار متميزة خاصة بقطب «حسب وصف "غل"» إلا أن أثرها على الثقافية الدينية الإسلامية في تركيا لم يكن بنفس الأثر على الحركات والتنظيمات الدينية في الوطن العربي، بل إن شخصية قطب بين المثقفين الأتراك غيرها عند المثقفين والإسلاميين العرب، بينما أخذت كتب قادة جماعة الإخوان اهتمامًا آخر، بوصفها كتبًا ذات توجهات دعوية تنتمي إلى تنظيمات حركية، وترجمت كتب حسن البنا مثل كتاب «مجموع الرسائل»، وكذلك كتابات عبد القادر عودة، وكتب أخرى مشابهة لقيادات العمل الإسلامي في العالم العربي والإسلامي.


عن الرؤية الفكرية لحزب العدالة والتنمية، تقول «تركيا بوست» يوم 10 مايو 2016: يبدو أردوغان إسلاميًّا عثمانيًّا، يطرح نفسه كنقيض للحقبة الجمهورية العلمانية حين يقول في خطاب تأسيس الحزب «14 أغسطس 2001م» «تركيا لنا جميعا، إنها منذ عام 1299م إلى عام 1923 كانت دائما تتولد منا نحن»، لكن يبدو مُنَظِّر الحزب، أحمد أوزجان، متناقضًا حين يقول في مرحلة التأسيس: «تركيا يجب أن تتخطى صراع الهيمنة والسيطرة الموجود بين الكتلة المسالمة والكتلة الكمالية، وعلى إنسان الأناضول أيضًا أن يفرض على الساحة كادره الذي يُمَكّنه أن يحوي كلا الطرفين بداخله، والذي يخاطب الشعب بأكمله، وله هويته الإسلامية الخالصة، والذي ينتج ويعلن تجلياته الحقيقية».

 

هنا يبدو ثمة تناقض واضح بين قوله «يحوي كلا الطرفين» وقوله «هويته الإسلامية الخالصة»، ومثل ذلك ما أورده مؤلفا «قصة زعيم» عن رسالة من رجل أعمال إلى صديق له في الحزب كان يسعى بالصلح بين أردوغان وأربكان، جاء فيها: «ما يلزمنا من الآن فصاعدًا هو تشكيل حركة كتلة جامعة توافقية، الكتلة الحقيقية وليس مجرد حركة زمرة فقط»، وهو يقصد بالكتلة الحقيقية أي كتلة الشعب كله المسلم وغير المسلم المتدين وغير المتدين، ويقصد بالزمرة: الزمرة الدينية.


من هذه المنطلقات شارك الإخوان في احتفالات الأحزاب الدينية التركية، ففي عام 1998م شارك مصطفى مشهور ومحمد مهدي عاكف وأحمد سيف الإسلام حسن البنا والجزائري محفوظ النحناح في احتفالات حزب الرفاه الإسلامي.


وفي يونيو 2006م حرص الإخوان على المشاركة في الاحتفال بمرور 553 عامًا على فتح القسطنطينية، وهو الاحتفال الذي نظمه حزب السعادة التركي؛ حيث شارك فيه الدكتور حسن هويدي نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، كما شارك عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد للجماعة، ومحمد سعد الكتاتني - رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان آنذاك.


كما شارك أمير الجماعة الإسلامية في باكستان القاضي حسين آيت أحمد، ورئيس الحزب الإسلامي في ماليزيا، ورؤساء وممثلو الحركات الإسلامية في إندونيسيا والكويت والسعودية وإيران والعراق ولبنان وروسيا والمغرب وكازاخستان والبلقان والهند ودول أفريقية عدة.


وتعتبر الزيارة التي قام بها رجب طيب أردوغان في سبتمبر 2011، في أول زيارة له بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بمصر، لمكتب إرشاد الجماعة مؤكدة لعلاقة الحزب بجماعة الإخوان دون أدنى مبالغة.


أردوغان والإخوان..

أردوغان.. الحالم بالخلافة العثمانية

يقول الكاتب التركي بسلي أوزباي في كتابه «قصة زعيم ص33»: ولد أردوغان «26 فبراير 1954م» في أسرة فقيرة تسكن حي قاسم باشا وهو من أفقر أحياء إسطنبول، وكان والده قبطانًا بحريًا قد استقر به المقام في هذا الحي مهاجرًا من قريته ريزه في الشمال التركي على ساحل البحر الأسود، وظل في الحي حتى أتم دراسته الثانوية التي قضاها في مدارس الأئمة والخطباء، إذ كانت تلك رغبة أبيه المعروف بالتدين، وتشير بعض المصادر إلى انضمامه لطريقة إسماعيل آغا النقشبندية الصوفية في البداية قبل دخوله مجال العمل الحزبي، وباختصار: فإن نشأته وبيئته تدل على أنه نقيض للنظام التركي السائد؛ حيث بدأ مسيرة نشاطه منذ الخامسة عشرة من عمره، فقد التحق وقتها عضوا باتحاد الطلبة الأتراك بمدارس الأئمة والخطباء، وكان حينئذ في أخصب فتراته الثقافية والتربوية، لقد كان وفيّا لتخرجه من مدارس الأئمة والخطباء حتى أنه ألحق أبناءه الأربعة بها.


يضيف أوزباي: تسفر كثير من عبارات أردوغان في خطابات مختلفة عن أنه يطرح نفسه – أو حزبه – كامتداد للحقبة والأبطال العثمانيين وكخصم للحقبة العلمانية، وحين تفتح وعيه السياسي كانت الساحة التركية تشهد صولات المحاولة الإسلامية الأقوى ورجلها الأشهر: نجم الدين أربكان، فحين كان أردوغان في السادسة عشرة من عمره كان أربكان يؤسس حزب النظام الوطني، وحين كان في السابعة عشرة أُغلق الحزب، ثم حين كان في الثامنة عشرة كان أربكان يعود إلى الساحة السياسية بحزبه الجديد «السلامة» (1972م)، وهو الحزب الذي التحق به أردوغان وشهد تطور مسيرته السياسية، ولم تمض أربع سنوات حتى كان أردوغان رئيس جناح الشباب لحزب السلامة في إسطنبول (1976م) بفوزه في الانتخابات الداخلية لشُعَب حزب الشباب، وفي (1994م) كان أقوى شخصية في حزب الرفاه بعد أربكان، وجاء بعده إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002، كجناح تجديدي في حزب الفضيلة سابقًا، على دولةٍ تركيةٍ لها كافة مقومات الدولة وفي حالة حزبيةٍ وسياسيةٍ، فضلًا عن أنها تمتلك دستورًا مدنيًا علمانيًا أتاتوركيًا يؤكد على استقلالية الجيش ورقابته على الدولة والملكية العامة، وهو الوضع الذي لا يمكنهم من الانقلاب على مدنية الدولة.


أردوغان والإخوان..

توظيف الإخوان

في يوم الجمعة 17 فبراير 2017 ألقى رجب طيب أردوغان خطابًا قال فيه: إنه «لا يعتبر جماعة الإخوان منظمة إرهابية، لأنها ليست منظمة مسلحة، بل هي منظمة فكرية»!.


لم يستطع أردوغان إخفاء قناعاته الأيديولوجية، وحاول الظهور كقائد جديد لجماعة الإخوان ينتشلها من إخفاقاتها وصراعاتها الداخلية، ويجمع قادتها في المنطقة لبدء مسار جديد لتحقيق أهداف واضحة ومحددة.


يقول الكاتب هشام النجار، في مجلة أحوال تركية، عدد 11  أبريل 2018 استغل الرئيس التركي أزمة جماعة الإخوان في الدول العربية، بعد فشلها وعزلها عن السلطة في مصر، وتصنيفها كمنظمة إرهابية في عدد من الدول العربية، كما استغل إحباطات الجماعة بشأن انهيار ما كانت متعلقة به عبر تبني الغرب والولايات المتحدة لمشروع تصعيد الإسلام السياسي للحكم تحت عنوان «الإسلام المعتدل» أو «الإسلام الديمقراطي»، وذلك من أجل توظيفها في مسارين، وراثة النظام العربي التقليدي القائم أساسًا، وإطلاق مشروع خلافة إسلامي وقوده جماعة الإخوان لضرب المشروع العربي وإضعافه، والمسار الثاني توظيفها في مسارات صراعاته مع دول الغرب، استغلالًا لرغبة الإخوان في الانتقام بعد التخلي عن دعم مشروعهم السياسي في السلطة.


يقول أيضًا النجار: يدرك أردوغان أن احتلال تركيا لأراضٍ عربية  لن يتقبله الداخل العربي إذا تلقاه من أردوغان والقيادات التركية، بينما من الممكن تسويقه إذا روجته وباركته قيادات لحركات إسلامية عربية، وأخرى مرتبطة بالحالة الفلسطينية، ويتطلب نجاح خطة ضم الأراضي العربية المستهدفة أولًا في سوريا والعراق تغيير وجه الجماعة، والإيحاء بأنها مختلفة تحت القيادة التركية عما كانت عليه بقيادة إخوان مصر، كما يتطلب تصوير مهمة ودور الجماعة في مرحلتها الجديدة تحت القيادة التركية كونها مهمة مقدسة يقودها قائد إسلامي، ما يتيح للجماعة وللرئيس التركي ليس فقط التحصل على قبول قطاع من الجمهور العربي بتحركات وممارسات الجيش التركي في العمق العربي، إنما أيضًا التحصل على مجهودات بعض العرب في مساندة الجيش لاحتلال أراضيهم.


في هذا السياق قال أحمد تشاراي الكاتب في مجلة «ذا ناشيونال إنترست»: إن من غير المرجح أن يتخلّى أردوغان عن دعمه لجماعة الإخوان التي يساعدها في الحفاظ على نفوذها الإقليمي.


إن أردوغان قد رهن جماعة الإخوان بالكامل للمصالح التركية، عبر تعويض احباطات أعضاء الجماعة إثر هزائمها ونكساتها المحلية بربطهم بحلم الخلافة، وحاول نقلها إلى الحالة التركية، ومن خدمة مشاريع محلية إلى مشروعه الخاص، وكان هذا واضحًا في خطابه أثناء الاحتفال بمرور 90 عامًا على نشأة التنظيم؛ حيث دعا فيه لنسيان جرائم الجماعة التي ارتكبتها طوال السنوات الماضية، في مسعى لإقناع الشعب التركي بقبولها بالداخل تحت القيادة التركية، باعتبارها قيادة استثنائية ستقود المسلمين في نهاية المطاف لـ«النصر المبين في العالم» حسب الوصف أردوغان الذي استرسل في التوضيح نافيًا عن الجماعة كونها ليست مجرد قيادة تدفع أعضاء الجماعة للقيام بأعمال إرهابية؛ من أجل استعادة سلطة محلية.


ومن هنا يتبين أن العلاقة أردوغان بالإخوان ليست علاقة سياسية فقط، بل أكبر من ذلك بكثير، إنها علاقة أيديولوجية في المقام الأول.. فكرية تنظيرية يتبعها إستراتيجيات وعمل.

 

"