الذئاب المنفردة.. سلاح «داعش» الجديد بعد انهيار الخلافة المزعومة

تطورات متلاحقة وسريعة شهدتها الحملة الدولية على تنظيم «داعش» الإرهابي، استغرقت ما يربو على 4 سنوات و9 أشهر، من أجل القضاء على الخلافة الإسلامية المزعومة التي حاول إقامتها زعيم الدواعش «أبوبكر البغدادي» في سوريا والعراق.

قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، والمعروفة إعلاميًّا بـ«قسد»، فرضت سيطرتها على آخر جيب لتنظيم داعش في سوريا؛ لتنهي بذلك دولة «الخلافة» المزعومة، وتعلن عودة التنظيم المتطرف للانزواء عقب فقدانه معظم الأراضي التي كانت تحت سطوته.
وزارة الخارجية الأمريكية، أكدت في بيانٍ لها أن الهزيمة الميدانية لداعش في العراق وسوريا تشكل علامة بارزة في الحرب ضد التنظيم، لكن هذا الأمر لا يعني أن الحملة ضد «داعش» قد انتهت؛ حيث إن التنظيم المتشدد لا يزال يمثل تهديدًا عبر الخلايا النائمة في مختلف أنحاء العالم.
ومن خلال تتبع مسارات «داعش» بعد انهيار صفوفه بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وانحسار وجوده في سوريا والعراق، يتكشف أن التنظيم تحول خلال الأعوام الخمسة الماضية من استراتيجية إدارة ما يُسمى بـ«دولة الخلافة»، إلى مرحلة حرب العصابات، التي ينفذها من خلال ذئابه المنفردة المتشبعين بأفكاره المتطرفة.

ماهية الذئاب المنفردة؟
التخوف الغربي من استراتيجية «الذئاب المنفردة» يأتي من خطورة تلك التشكيلات الإرهابية؛ حيث يتولى شخص واحد تنفيذ العملية، ما يجعل مسألة رصده وتوقيفه أمرًا مستحيلًا على الأجهزة الأمنية في الدول التي يضربها الإرهاب، خاصة مع تطوير «داعش» لاستراتيجية الذئب المنفرد؛ لتنفيذ عملياته خارج أماكن سيطرته وتصدير هجماتها حول العالم.
ورغم أن «داعش» لم تكن الجماعة الأولى أو الوحيدة التي تستخدم تلك الاستراتيجية؛ إذ استخدمتها حركة طالبان الإرهابية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن هناك تخوفات كبيرة -أوروبية وأمريكية- من عودة الدواعش في ثوب الذئاب المنفردة.

تخوفات أمريكية وأوروبية
التخوفات الأمريكية اتضحت في تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على انتصار قوات سوريا الديمقراطية على التنظيم المتطرف في «الباغوز»؛ حيث قال إن الولايات المتحدة ستبقى متأهبة لمحاربة داعش حتى تتم هزيمته أينما كان، مؤكدًا أن تحرير المناطق التي كان يسيطر عليها داعش في سوريا والعراق أمر جيد، ولكن لابد من التزام اليقظة.
وفي سياق متصل، حذّر نائب المبعوث الأمريكي الخاص لدى التحالف الدولي «وليام روباك»، في كلمة ألقاها خلال الاحتفال بالنصر على داعش، من أن القتال ضد التنظيم لم ينته، رغم تجريده من الأراضي في سوريا والعراق، مردفًا: «لا يزال أمامنا الكثير من العمل لإلحاق الهزيمة الدائمة بالتنظيم، فالحملة لم تنته، وداعش يبقى تهديدًا كبيرًا، وحسم قسد معركتها في الباغوز لا يعني انتهاء خطر التنظيم».
وفي بريطانيا، دعت رئيسة الوزراء «تيريزا ماي»، إلى مواصلة المعركة ضد المتشددين عقب المنعطف التاريخي بتحرير آخر بقعة خاضعة لسيطرة «داعش»، مضيفة: «يجب ألا نغفل عن التهديد الذي يمثله داعش ولا تزال الحكومة البريطانية مصممة على القضاء على أيديولوجيته المؤذية، وسنواصل القيام بما هو ضروري لحماية الشعب البريطاني وحلفائنا».

دوافع الانتقال لاستراتيجية «الذئاب المنفردة»
وفي دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، بعنوان «تحديات الذئاب المنفردة وآليات مواجهتها من قبل أجهزة الاستخبارات الأوروبية»، لفتت إلى أن عمليات «الذئاب المنفردة»، تتميز بأنها غير تقليدية؛ لأنها عشوائية التنفيذ، ولا تعتمد على مركزية القيادة، ما يجعلها تشكل تحديًّا صعبًا أمام أجهزة الاستخبارات لكشف نوايا منفذيها.
وأوضحت الدراسة أن التنظيم المتطرف يلجأ إلى تمرير عملياته للغرب، وللعواصم الأوروبية خاصة؛ نظرًا للتشديدات الأمنية وصعوبة تنفيذ عمليات تقليدية، وكذلك لصعوبة جمع معلومات أمنية استباقية تكشف الاستعداد لتنفيذ أي عمليات إرهابية، ما يجعل الذئاب المنفردة هي الوسيلة المناسبة لاختراق القبضة الأمنية الأوروبية ووكالاتها الاستخباراتية.
وذكرت الدراسة في ملخصها، أن «داعش» ركز على الذئاب المنفردة لعدة عوامل، أهمها سهولة اختراقها للمجتمعات الأوروبية عبر شبكات الإنترنت، وقلة التمويل في التنفيذ، وكذلك صعوبة الملاحقة الأمنية والاستخباراتية.