هزيمة داعش «ابتلاء أم انتقام إلهي»؟.. بروفيسور أمريكي يجيب
«منذ بداية خسارته للمناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا في 2016، حاول ما يُعرف بـ«الإعلام الرسمي» لتنظيم «داعش» تصدير فكرة الابتلاء والتمحيص من الله لأنصار التنظيم»، بهذه الكلمات استهل البروفسيور «كول بنزول» أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة «ييل» الأمريكية، مقاله الذي نشر عبر موقع «جهاديكا» المتخصص بشؤون الإرهاب والحركات المتشددة، بعنوان «ابتلاء أم انتقام إلهي؟ تفسير هزائم داعش».
وبحسب المقال، فإن المتحدث السابق باسم تنظيم «داعش» «أبومحمد العدناني»، زعم في خطاب ألقاه في 2016، أن ما يمر به التنظيم ابتلاء إلهي؛ ليتبين من يتبع منهج التنظيم الفعلي، ومن يسير مع التنظيم لأجل مصلحة، وهو ذكرته بعد ذلك صحيفة «النبأ» الداعشية تحت عنوان «تجربة المؤمنين مع المحن والمشاق»، قبل أن يتحدث أبو الحسن المهاجر، خليفة العدناني، عن الخسائر التي يتعرض لها التنظيم باعتبارها اختبار للتفريق بين المؤمنين والمنافقين، مداعبًا مشاعر أنصار التنظيم بأن مسيرة الانتصارات ستتواصل حتى النصر النهائي، على حد تعبيره.
كانت تلك الرسالة كافية؛ لإقناع أغلب المؤيدين للتنظيم، لكن عدد منهم لم يقتنع بها، معتبرًا أن «داعش» استحقت الانتقام الإلهي؛ بسبب التطرف والظلم والفساد الذي استولى على قيادة التنظيم، ويؤكد «بنزول» أن حصار التنظيم في آخر جيب له في الباغوز قد يعزز هذا الرأي.
قيادات داعشية: التنظيم اعتنق فكر الخوارج
بداية هذه الأطروحة، بحسب المقال، كانت في عام 2017 عندما أصدر اثنان من القيادات الشرعية للتنظيم هما «أبومحمد الحسيني الهاشمي»، أحد أقرباء البغدادي، و«أبوعبدالملك الشامي»، رسائل لهما تنتقد التنظيم عقب سيطرة من وصفهم بـ«المتشددين في التكفير»، على التنظيم وإصدارهم رسائل، تعتبر طريقتهم هو منهج داعش الرسمي.
في رسائلهما التي أصدرها في ذلك الحين، أوضح «الهاشمي والشامي»، أن من وصفوهم بـ«الخوارج والظالمين»، سيطروا على التنظيم في غياب زعيمه أبي بكر البغدادي، واصفين ما يعاني منه التنظيم بأنه «عقاب وانتقام» إلهي؛ بسبب ابتعاد التنظيم عن المنهج الرباني، وليس بسبب ما يدعيه إعلام داعش المضلل، مستشهدين في رسائلهما بكثير من الآيات القرآنية التي تخدم هذا المعنى.
كما استشهد منظرا «داعش» بخطاب سابق لأبي محمد العدناني دعا فيه الله بأن يهلك قادة التنظيم، ويزيل ملكه ويسقط رايته، إذا اعتنق فكر الخوارج على حد تعبيره، مؤكدين أن هذا دليل قوي على أن التنظيم استحق العقاب الإلهي.
وبالرغم من أن «البغدادي» انتصر لموقف «الرافضين للتكفير» في خطابه الذي أصدره في أواخر 2017، إلا أن التنظيم واصل انتهاج نفس السياسة بعد ذلك، مضيقًا على «البنعليون» (تيار داخل داعش يرفض فكرة التوسع فى التكفير ويُنسب لتركي بن على مفتي التنظيم المقتول)، داخل التنظيم، وهو ما كشفه القيادي الشرعي بالتنظيم «أبويعقوب المقدسي» في رسالة له أصدرها منذ حوالي عام، معتبرًا أن قيادات التنظيم منحوا لأنفسهم حقًا إلهيًا في التفريق بين المؤمنين والكافرين على حد وصفه، داعيًا إياهم للتوبة والرجوع عما هم فيه، لكن دعوته لم تحظَ بقبول القيادات، فاعتُقل وأُعدم في نهاية 2018 بتهمة «الردة».
وعلى نفس النهج سار «أبوالمنذر الحربي»، الشرعي بالتنظيم، الذي ألقى خطبةً أثناء حصار مدينة الرَّقة وصف فيها ما يعاني منه التنظيم بأنه «عقاب إلهي» نتيجة لأخطائه، كما وافقه في ذلك القيادي الأفريقي أبومصعب الصحرواي، وشرعي داعش الأعمى أبوعيسى المصري، الذين شبها التنظيم بسفينة غارقة؛ بسبب أمواج التطرف.
داعش أسوأ من الدول الديكتاتورية
على ذات الصعيد، أصدرت مؤسسة النصيحة، التي عرَّفت نفسها بأنها منتدى لتقديم النصح لزعيم داعش، رسالة لعضو بالتنظيم يعرف نفسه بـ«ابن جبير»، الذي أوحى خلال رسائله بأنه معتقل لدى التنظيم في شرقي سوريا، بدأ فيها بانتقاد التنظيم لنفس الأسباب السابقة، إلا أنه تحول للنقد العنيف بعد مقتل عدد من شرعيي التنظيم في غارة جوية للتحالف على سجن كانوا محتجزين فيه داخل قرية «الكشمة» السورية.
وقال «ابن جبير» في رسالة له: إن التنظيم أسوأ من الدول الديكتاتورية في الشرق الأوسط، موجهًا حديثه لـ«البغدادي»، أن الله جعله وتنظيمه عبرة للظالمين.
وفي المقابل، ردَّ تنظيم «داعش» على ما وصفه بـ«الادعاءات» التي أطلقها المعارضون داخله، عبر صحيفة «النبأ» التي اعتبرت أن ما يمر به التنظيم، مجرد ابتلاء سيمر في وقت لاحق.
وقالت الصحيفة التابعة لما يسمى بالإعلام المركزي للتنظيم: إن المعارضين زعموا أن الوضع الحالي للتنظيم؛ بسبب أخطاء القيادة وظلمها، وانحراف العقيدة والمسار، زاعمةً أن الخسائر التي تعرض لها التنظيم جاءت لحكمة إلهية لا يعلمها البشر في الوقت الحالي، وعلى أنصار التنظيم الإيمان بها.
«حصار الباغوز» يدعم رأي المعارضين
وبحسب المقال المنشور، فإن حصار قرية «الباغوز» السورية، كشف اقتناع عدد من أعضاء داعش بفكر «تيار المعارضين» داخل التنظيم، مستدلًا بشهادات لعدد من مقاتلي داعش الذين سلَّموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، من بينهم «عروس داعش» شميمة بيجوم، وامرأة أخرى تُدعى أمر ريَّان، ومقاتل سابق في التنظيم يُدعى عبد المنعم، الذين اعتبروا جميعًا أن الله انتقم من ظلم التنظيم وتركه يعاني من الخسائر والانكسارات على حد تعبيرهم.





