ماهية وأصول الجماعات المسلحة في أفريقيا الوسطى
وقعت حكومة أفريقيا الوسطى، في اليوم السادس
من فبرايرالجاري، اتفاق سلام مع المجموعات المسلحة التي تسيطر على
غالبية مناطق البلاد في العاصمة السودانية الخرطوم، بعد مفاوضات استمرت أكثر
من 10 أيام بين الحكومة و14 حركة مسلحة بحضور الرئيس السوداني، «عمر البشير»، ورئيس أفريقيا الوسطى،
«فوستن تودايرا»، وممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
ولم يعلن عن بنود الاتفاق كاملة، لكن قالت تقارير قدمها خبراء سياسيون إنه تضمن قسمة للسلطة والثروة، والحكم اللامركزي، كما اشتمل على الترتيبات الأمنية للفترة المقبلة، وإعادة دمج ونزع سلاح الحركات المسلحة.
سياقات الاتفاق
خلال الإعداد لعملية التوقيع طالبت المجموعات
المسلحة بأن يشغل منصب رئاسة الحكومة أحد أفرادها ليكون ذلك رمزًا لتقاسم عادل
للسلطة، لكن هذه النقطة لم يتم إدراجها في الاتفاق.
وتنبثق أغلب المجموعات الموقعة على الاتفاق، عن
حركة التحالف السابقة «سيليكا» ذات الغالبية المسلمة، كما يشغل عدد من زعامات
المجموعات المسلحة مناصب وزارية أو يعملون كمستشارين في الرئاسة.
ويعد هذا الاتفاق الثامن من نوعه منذ اندلاع
الأزمة في واحدة من أفقر دول العالم، وهو أيضًا يأتي بعد نحو 6 سنوات من الصراع الذي أخذ منحى طائفيًا بين تحالف «سيليكا»، وميليشيات
«أنتي بالاكا»، ما يطرح التساؤلات حول مدى فاعلية الاتفاق وقدرته على إنهاء الأزمة في هذا البلد الغني بثرواته الطبيعية
ومعادنه النفيسة.
وتتمثل الأزمة بعدم سير الأوضاع في أفريقيا الوسطى
على وتيرة واحدة، فما إن يستشرف المراقبون دلائل للاستقرار والهدوء فيه إلا ويباغتهم حدث طائفي يبدد ما كانوا يعتقدون، فالأحداث
على الأرض دائمًا لها رأي آخر في هذا البلد، وسرعان ما تخيب التوقعات على صعيديها السياسي والإعلامي.
وكما حدث في اتفاقات سابقة، تعهدت المجموعات
المسلحة بـالتخلي عن اللجوء إلى الأسلحة والالتزام بوقف فوري لإطلاق النار؛ حيث
تسيطر هذه المجموعات على ما يقرب من 70% من مساحة البلاد، لذا نص الاتفاق على وقف
أي عرقلة لانتشار السلطات في المناطق التي تحوي الحركات المسلحة، ومن المقرر أن
تقوم المجموعات المسلحة بتسيير دوريات مشتركة مع الجيش النظامي لحفظ الأمن في
المناطق المذكورة.
بداية الأزمة
بدأت أحداث الأزمة في أفريقيا الوسطى، على إثر
مظالم سياسية لبعض جماعات المعارضة، كإحدى نتائج أول انتخابات تعددية عام
1993م، ثم تتابعت الأحداث وأفضت الأمور إلى توقيع اتفاق سلام بين جماعات المعارضة
والرئيس الأسبق (فرانسوا بوزيريه) عام 2007، كان ينص على مشـاركة عناصر من
المعارضة في الحكومة، وحصول المتمردين الذين يلقون أسلحتهم على أموال، وإطلاق سراح
المعتقلين، وتنمية المناطق الشمالية، إلا أن الرئيس لم ينفذ بنود هذا الاتفاق أو
هكذا روج معارضوه.
وعلى إثر ذلك اجتمعت ثلاث فصائل معارضة وشكلت
أواخر نـوفمبر 2012، ما عرف بتحالف (سيليكا)، وهو تحالف سياسي وعسكري، ثم انحدرت الأوضاع في البلاد لتأخذ منحى
التمرد المسلح وسرعان ما سيطر التحالف عـلى عـدد مـن المـدن المهمة في البلاد.
وفي ينـاير 2013 دخل (سيليكا) مفاوضات مـع حكومة
«بوزيزيه» في عاصمة الجابون، تحت رعاية الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيـا(ECCAS) ، إلا
أنها فشلت هى الأخرى في إنهاء الأزمة المحتدمة.
وفي 24 مارس 2013م، زحف مسلحو «سيليكا» نحو العاصمة «بانجي» وأطاحوا بالرئيس، «فرانسوا بوزيزيه»، ونَصَّبوا بدلًا منه
زعيم التحالف «ميشيل دجوتوديا» (الذي كان يحمل اسم "محمد ضحية"، قبل أن
يغير اسمه) كأول رئيس مسلم لهذا البلد الأفريقي.
غير أن وصول «دجوتوديا»، إلى الحكم شكل صدمة كسرت
قواعد اللعبة السياسية في أفريقيا الوسطى التي كانت تتحكم فيها طبقة سياسية تمثل مجموعات عرقية غربي البلاد.
ومنذ استقالة «دجوتوديا» في يناير 2013، قتلت ميليشيات
«أنتي بالاكا» مئات المدنيين في العاصمة «بانجي» وخارجها، مما أجبر عشرات الآلاف
على الفرار إلى دول الجوار، ووفق أرقام منظمة الأمم المتحدة، هدمت الميليشيات
المسلحة 417 مسجدًا من أصل 436 في البلاد.
وبانتخاب رئيسة مؤقتة هي (كاثرين سامبا بانزا)،
زادت سطوة الجماعات التـي صـعدت من عمليات القتل والإبادة بحق المسلمين لاجبارهم
على مغادرة البلاد، كما تمكنـت هذه الجماعات مـن السيطرة على مساحات واسعة من
النصف الغربي للبلاد، واستدعت الأزمة تدخّلًا عسكريًّا فنشر الاتحاد الأفريقي
بعثة عسكرية مكوَّنة من جنسيات مختلفة لحفظ السلام في البلاد.
ودعا قادة «سيليكا» إلى تقسيم البلاد بين شمال للمسلمين وجنوب للمسيحيين، لكن لم يجد هذا
الطرح قبولًا بسبب الرفض الدولي والإقليمي لمثل هذه الخطوة، فضلًا عن الانقسام الحاصل حولها في صفوف «سيليكا» نفسها، إذ
يزيد شبح التقسيم من ملامح التعقيد والأوضاع المشحونة بالبلاد.
آثار الأزمة
تشكل قضيتا إقامة نظام فيدرالي وإلغاء المركزية
بالدولة محور مناقشات منذ عشرين عامًا في أفريقيا الوسطى، من دون التوصل إلى حل، إذ
ترى مجموعات مسلحة من تحالف سيليكا أن حكومة بانجي «تخلت» فعليًا عن
أجزاء من البلاد، ولذلك أقدمت «الجبهة الشعبية لنهضة أفريقيا الوسطى»،
وهي جناح راديكالي في تحالف «سيليكا»، من جانب واحد، على إعلان قيام «جمهورية لوجون» شمالي أفريقيا
الوسطى.
وتقع أبرز مواقع الألماس والذهب شمال شرقي البلاد
ضمن المناطق التي تسيطر عليها قوات «سيليكا». مثل منجم «نداسيما» وهو من أبرز المواقع التي يستقر في باطنها مخزون مهم من
الذهب، ويبعد نحو 40 كم عن مدينة «بامباري»، حيث يقع تحت نفوذ عناصر
السيليكا التي تسيطر على كامل مدينة بامباري»، قرب الخط الفاصل بين
الجنوب والشمال.
وتختلف الآراء في طبيعة هذه الأزمة التي تعيشها
أفريقيا الوسطى منذ عقود وأسبابها الحقيقية، ففي حين يراها البعض تدخلًا في إطار
صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين، فإن هناك من ينظر إلى اعتبارها حالة من حالات
الصراع السياسي والاقتصادي على السلطة والموارد في هذه الدولة الفقيرة بينما تعد
من أكبر منتجي المعادن النفيسة في العالم.
وعليه فقد أصبحت المناقشات حلقة من حلقات التنافس
الإقليمي والدولي للسيطرة على موارد الدولة، حيث تعمل القـوى الخارجية على تغذية التوترات بين طوائف المجتمع لتحظي بمزايا وعقود
أفضل للكشف عن المعـادن، أو للحضـور وبنـاء القواعـد العسكرية .
مواقف القوى الدولية
صراع المصالح بين القوى الدولية لم يكن بعيدًا عن
الأحداث في أفريقيا الوسطى، وفي 28 أكتوبر 2018، وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية،
«فلورنس بارلي»، لمجلة (جون أفريك): «إن زيادة نفوذ روسيا في جمهورية أفريقيا
الوسطى، لن يساعد على تحقيق الاستقرار في هذا البلد».
وجاء ذلك وفي وقت زودت فيه روسيا أفريقيا الوسطى بمئات من قطع الأسلحة، وأرسلت 175 مدربًا عسكريًّا لدعم القوات الحكوميَّة، وتابعت المسؤولة الفرنسية: «لست متأكدة أن هذا الوجود والأفعال التي تقوم بها موسكو، تساعد على تحقيق الاستقرار في هذا البلد».
وعلى صعيد متصل دافعت الخارجية الروسية عما قامت
به ضد ما وصفته بنوع من الحقد من جانب قوى خارجية، على
الدور الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى.
ورأى الكثير من المراقبين الدوليين أن هذه
التصريحات مسار جديد للحرب الباردة بين روسيا وفرنسا في سياق بسط النفوذ الاستراتيجي
والسيطرة على الموارد الطبيعية، والتحكم في مراكز الحكم والسلطة، ومن جهة أخرى بين
روسيا وبعض الدول الغربية الأخرى ككندا وأمريكا من أجل السيطرة على موارد الطاقة
من اليورانيوم والماس وغيره.
وعلى المستوى الإقليمي تتحدث تقارير عن الدعمين اللوجيستي والسياسي الذي يصل إلى مقاتلي «سيليكا» من كل من السودان وتشاد، وخاصة شحنات من الأسلحة تصلهم عن طريق المهربين على طول
الحدود.
وكانت «تشاد» ترى في نفسها الدولة الحامي لجمهورية
أفريقيا الوسطى في العقد الماضي، ومؤخرًا أطلقت نجامينا
سراح العديد من المعارضين من سجونها معظمهم اليوم بين صفوف داعمي تحالف سيليكا، بحسب تقارير إعلامية، ويذكر أن تحالف سيليكا أنكر على الدوام تلقيه أي
مساعدة من قوى أجنبية.
تعريف بأطراف الأزمة
«سيليكا» كلمة تعني «تحالف» باللهجة المحلية، وهذا التحالف في الواقع لم يكن يتألف في أفريقيا الوسطى من
المسلمين وحدهم، بل ضم مجموعات أخرى غير مسلمة ممن كانوا يعارضون حكم (بوزيزيه)، الذي
عانت البلاد في عهده (2003- 2013) من الفساد والتسلط والمحسوبية، علاوة على تركيز السلطة في دائرة عرقية وعائلية
ضيقة.
يضم سيليكا في صفوفه ما يزيد على 25 ألف مقاتل
يتمركز معظمهم في المناطق الشمالية من البلاد، حيث تقع قاعدة قيادة أركان سيليكا في بامباري.. وكان هذا التحالف قد تشكل في
السابق من اتحاد ثلاث فصائل رئيسية هي: (الجبهة الديمقراطية لشعب أفريقيا الوسطى)، و(مؤتمر الوطنيين للعدل والسلام)،
و(اتحاد القوى الديمقراطية من أجل التجمع).
-(الجبهة الديمقراطية لشعب أفريقيا الوسطى)، هي إحدى أهم الحركات المقاتلة في الحرب الأهلية بين عامي (2004-2007) وانضمت الجبهة فيما بعد لتحالف سيليكا، وكانت الجبهة وقعت على اتفاق
وقف إطلاق النار مع الحكومة في 2 فبراير 2007، وهو ما عُرِفَ باتفاق سرت، حيث تم في هذه المدينة الليبية، وكان هذا من
أوائل اتفاقات وقف إطلاق النار التي وقعتها الحكومة مع المتمردين.
بعد سقوط الرئيس «ميشيل جودتوديا»، فر زعيم الحركة
(عبدالله مسكين) إلى الكاميرون وقُبِضَ عليه هناك في عام 2013، فقامت الجبهة باختطاف 26 شخصًا، منهم مواطن بولندي،
للضغط على حكومة الكاميرون لإطلاق صراحه، وفي نوفمبر 2014 أطلقت حكومة الكاميرون سراح مسكين، وأطلقت الجبهة سراح
الرهائن.
- (مؤتمر الوطنيين للعدل
والسلام)، شاركت هذه الحركة في القتال بالحرب الأهلية، وفي 12 يونيو 2011 وقّعت
على اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحكومة. وبعد أحداث 2012
انضمت إلى تحالف سيليكا.
وفي 25 أغسطس 2012 وقعت الحركة ممثلة في (عبدالله
إيسيني) اتفاقًا آخر لوقف إطلاق النار. لكن لم يرحب جميع أعضاء الحركة بالاتفاق، وانشقت مجموعة من الحركة تحت
قيادة حسن الحبيب، وأطلقوا على أنفسهم اسم"CPJP الأصلية"، وفي 15 سبتمبر اشتعلت الأحداث وقاموا بعدة عمليات في مدن سيبوت، ودامارا
وديكوا.
-
(اتحاد القوى الديمقراطية
من أجل التجمع) حركة سياسية عسكرية شاركت في الحرب الأهلية، ويتزعمها الجنرال
زكريا داماني.. وتتركز اتحاد القوى الديمقراطية من أجل
التجمع (UFDR) في جولا ومقرها في شمال شرق البلاد. وقد لعبت
الحركة دورًا رئيسيًّا في الحرب الأهلية 2004-2007.
في عام 2003 ساهمت الحركة في الإطاحة بالرئيس أنج
فيليكس باتاسيه، وفي 30 أكتوبر 2006، استغلت الأحداث وسيطرت على عدة مناطق شمال
شرق البلاد، ثم استعادتها القوات الحكومية بدعم من الجيش الفرنسي والقوات متعددة
الجنسيات في نهاية شهر نوفمبر 2006.
في 13 سبتمبر 2013، قام الرئيس «ميشيل دجوتوديا»
رسميًا بحلّ قوات "سيليكا"، كما تم الإعلان عن دمج بعض مقاتليهم في
الجيش، وذلك بالرغم من وصوله إلى السلطة بسبب زعامتهم
لكنه لم يستطع الحفاظ على تحالفه مع سيليكا، واضطر تحت ضغوط دولية، إلى الإعلان -وبشكل رسمي- حل التحالف.. لكن هذا الإعلان
لم يغير كثيرًا من الأوضاع على الأرض خاصة ما يتعلق بوجود القوات وانخراطها في الصراع على مستوييه السياسي
والعسكري.





