قطر تتجاوز البُعد المذهبي وتدعم التنظيمات الشِّيعية المُتطرِّفة
الأحد 29/أبريل/2018 - 11:24 م

محمد الدابولي
سلَّطت التسريبات التي نشرتها «واشنطن بوست» مؤخرًا -والتي تُؤكِّد دفع قطر فدية ماليَّة كبيرة لبعض التنظيمات المتطرفة في العراق؛ من أجل الإفراج عن بعض الأمراء القطريين المختطفين- الضوء على الدعم الذي يُقدِّمه النظام القطري للتنظيمات الإسلاميَّة الشِّيعية في الوطن العربي.
فمن الدارج في الأوساط البحثيَّة الحديث عن التمويل القطري للجماعات الإرهابيَّة التقليديَّة، كجماعة الإخوان، وتنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وحركة طالبان، وغيرها من تلك الجماعات؛ إلَّا أن أحدًا لم يكن يتوقَّع أن تكون قطر داعمة وبقوة التنظيمات الشِّيعية المتطرفة أيضًا؛ حتى نشرت «واشنطن بوست» تسريباتها الأخيرة؛ لتفضح علاقة الدوحة بهذه الجماعات، وهو ما نُسلِّط الضوء عليه من خلال المحاور التالية:
أولًا: تمكين جماعة الحوثي:
تعدَّدَت مظاهر العبث القطري بالأزمة اليمنيَّة، ما بين دعم سياسي لـ«حركة أنصار الله» -المعروفة بـ«جماعة الحوثي»- في مطلع العام 2008، بعد انتهاء الحرب الرابعة بين النظام اليمني والتنظيم الحوثي المسلح، حينما تبنَّت الدوحة اتفاق التهدئة بين الحكومة اليمنيَّة برئاسة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وقادة حركة التمرُّد الحوثية.
ومهَّد هذا الاتفاق لانتقال «جماعة الحوثي»، من المحلية والتأثير المحدود، إلى اكتساب ثقل إقليمي، جعل الدول تسعى إلى التوسُّط في حلِّ خلافاتها مع الحكومة اليمنيَّة، كما أن الوساطة القطريَّة في ذلك الوقت كانت بمثابة طوق النجاة الوحيد للتنظيم؛ بعد أن نجح الجيش اليمني في التقدُّم صوب منطقة «مطرة» الجبلية، والتي كانت آخر معاقل الحوثيين.
ومارس الأمير القطري السابق، حمد بن خليفة، أشكالًا مُتعدِّدَة من الضغط على الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح؛ من أجل وقف الحرب ضد «جماعة الحوثي»، مقابل نصف مليار دولار، تدفعها قطر لنظام «صالح» في صورة مساعدات ماليَّة، وكان من ضمن بنود الاتفاق مَنْح القيادات الحوثيَّة حقَّ العيش في الدوحة، في إطار التسوية مع الرئيس «صالح».
ثانيًا: حزب الله.. علاقة مُلْتَبِسَة:
العلاقة بين «الدوحة» وحزب الله ملتبسة للغاية؛ نظرًا للتوجُّهات العلنيَّة للسياسة الخارجيَّة القطريَّة التي تُعادِي وجود حزب الله في سوريا، في المقابل يُمكِننا أن نلمس دعمًا غير محدود من «الدوحة» للتنظيم، وهو ما يظهر جليًّا في الأحداث التالية:
الاصطفاف خلف «جماعة 8 آذار»:
عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، انقسم المجتمع السياسي اللبناني إلى شِقَّيْن، الشق الأول: «قوى 14 آذار» والذي نادى بالخروج السوريّ، ونَزْع سلاح حزب الله، وتشكيل محكمة دوليَّة للتحقيق في مقتل «الحريري».
وتمثَّل الشق الثاني في: «قوى 8 آذار»، والذي نادي بتكريم الوجود السوري في لبنان، وضرورة الحفاظ على سلاح المقاومة (حزب الله)، ورفض مشروع المحاكمة الدوليَّة في اغتيال الحريري.
وفي ظلِّ هذا الانقسام، كان الموقف القطري داعمًا لمطالب «قوى 8 آذار»، خاصة في ضرورة الحفاظ على سلاح حزب الله، ورفض مشروع المحكمة الدوليَّة.
دفع تكاليف حرب تموز 2006:
أسفرت المواجهة العسكريَّة بين إسرائيل وحزب الله -والتي وقعت أحداثها في صيف العام 2006- عن تدمير شامل للبنية التحتية اللبنانية، خاصة في مدن الجنوب، الأمر الذي وضع حزب الله في حرج شديد، وكشف فشله في حماية الممتلكات من التدمير، وعجزه عن ردع الغارات الإسرائيلية، وجاء الدعم القطري -الذي قُدِّم لمؤسسات حزب الله التنموية لإعادة إعمار الجنوب اللبناني- بمثابة طوق نجاة للحزب، الذي بات مطالبًا بإصلاح ما أفسدته الحرب.
ويرى مُحلِّلُون لبنانيون أن الدعم القطري لعملية التنمية والإعمار في جنوب لبنان، عَبْرَ مؤسسات حزب الله التنمويَّة؛ أسهم في تغوُّل وهيمنة الأخير على الحياة السياسيَّة اللبنانيَّة.
أحداث مُخيم نهر البارد 2007:
كشفت أحداث مخيم نهر البارد التي وقعت في العام 2007، حجم التنسيق القطري مع حزب الله؛ فقد وقعت هذه الأحداث حينما تدخَّل الجيش اليمني للقضاء على جماعة «فتح الإسلام»، المدعومة من مؤسسة «عيد آل ثاني الخيرية» القطرية، الأمر الذي جعل أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، يوجه انتقادات لاذعة للجيش اليمني؛ اعتراضًا على تدخُّله في المخيم.
اتفاق الدوحة 2008:
إزاء الأزمة المُتفجِّرة في لبنان، والمُتمثِّلة في حالة الفراغ الدستوري اللبناني، تبنَّت الدوحة اتفاقًا بين طرفي الصراع هناك، وتمَّ بموجبه اختيار ميشيل سليمان، رئيسًا للجمهورية اللبنانية؛ لكن ما يُثار هنا أن التدخُّل السياسي القطري في لبنان في العام 2008، جاء دعمًا لسياسات حزب الله، ومحاولة لفرض وجهة نظره، فيما يخص توزيع القوى في الداخل اللبناني؛ فمن الملاحظ أنه بعد اتفاق «الدوحة 2008» حظي الحزب بصلاحيات مُطلَقة في الجنوب اللبناني، وأيضًا في سياساته الخارجية.
رعاية اتفاق الزبداني 2017:
على خلاف السياسات المُعلَنة؛ أسهمت قطر في سياسة التغيير الديموجرافي الذي يُمارِسه حزب الله وشركاؤه في سوريا؛ ففي مارس من العام 2017، تبنَّت الدوحة اتفاقًا بين «هيئة تحرير الشام» و«الحرس الثوري الإيراني»، يتضمَّن إجلاء سكان «مضايا» و«الزبداني» من ريف دمشق، وتُشِير صحيفة «البيان» الإماراتية إلى أن قطر قدَّمت ملايين الدولارات للفصائل المسلحة؛ من أجل تنفيذ الاتفاقية.
دور الوسيط في الأزمة السورية:
لعبت قطر دور الوسيط في الأزمة السورية، بين التنظيمات المتطرفة السُّنِّيَّة ونظيرتها الشِّيعيَّة؛ فمثلًا نجحت الدوحة في التوسُّط للإفراج عن اللبنانيين المختطفين في مدينة «أعزاز» شمال سوريا في العام 2013، وحرص أمير قطر السابق، حمد بن خليفة، على استقبالهم في الدوحة؛ وهو ما لاقى ترحيبًا في صفوف حزب الله اللبناني.
الدعم الإعلامي لحزب الله:
أكد إبراهيم الأمين، رئيس تحرير صحيفة الأخبار اللبنانيَّة، المحسوبة على حزب الله، أن قطر موَّلت إنشاء الصحيفة في عام 2006؛ من أجل مساندة المشروع الإيراني في المنطقة، وكذلك دعم حزب الله في الداخل اللبناني، مشيرًا إلى أن الاتصالات لم تنقطع بين الدوحة وحزب الله؛ رغم وجود بعض الانتقادات الإعلاميَّة بين الجانبين.
ثالثًا: الميليشيات العراقيَّة.. والحل الشامل:
تُعَدُّ قضية «دفع الفدية»؛ في مقابل الإفراج عن الأمراء المختطفين، هي المحور الأبرز في مسار العلاقات القطرية مع الجماعات الشِّيعيَّة المُتطرِّفة، وللقضية أبعاد سياسية كبرى، حاولت الأطراف كافة توظيفها؛ من أجل الحصول على المزيد من المكاسب.
فقد بدأت القضية في منتصف ديسمبر عام 2015، حينما أُعْلِن عن اختطاف 9 أمراء قطريين كانوا في رحلة صيد بمنطقة «الصقور» جنوب العراق؛ لكن لم يُعلِن أي فصيل مسؤوليته عن اختطافهم؛ إلا أن الدلائل كانت تُشِير بوضوح إلى تورُّط كتائب حزب الله العراقية -المُمَوَّلة والمُدَرَّبة إيرانيًّا- بالوقوف وراء هذه العملية.
وتعدَّدَت دوافع العمليَّة، منها دوافع مُتعلِّقة بالمملكة العربية السعودية؛ حيث تداولت الأخبار في ذلك الوقت أن الهدف من الخطف هو حثّ قطر على ممارسة ضغوط على السعودية؛ بهدف الإفراج عن الداعية الشِّيعي نمر النمر؛ إلا أن السلطات السعودية كانت أسبق، ونفَّذت حكم الإعدام بحق «النمر» لتغلق باب الفتنة في بلادها.
وحاول الحرس الثوري إعادة ترتيب دوافع جديدة؛ فكان استثمار الأزمة عَبْرَ ربطها بترتيبات الأوضاع في سوريا؛ حيث جرى تزامن دقيق بين تسليم الأموال لخاطفي الأمراء، وبين إخلاء «مضايا» و«الزبداني»، ومارست قطر ضغوطًا حول التنظيمات السنية المتطرفة، مثل: جبهة النصرة؛ أي أن الإفراج عن الأمراء كان في مقابل 150 مليون دولار، وإخلاء «مضايا» و«الزبداني» في ريف دمشق من التنظيمات السُّنِّيَّة التي يُشار أنها تلقَّت هي الأخرى مبلغ 50 مليون دولار مقابل الموافقة على الإخلاء.
وأخيرًا نستنتج أن قطر تجاوزت البُعْد المذهبي في دعمها للتنظيمات المتطرفة؛ فكما دعمت التنظيمات السُّنِّيَّة، دعمت -أيضًا- التنظيمات الشِّيعيَّة؛ بل عملت على تحقيق بعض مصالحها عَبْرَ إشعال بعض الصراعات بين الجانبين؛ فمثلًا الصراع الكلاسيكي المشهور فيما بين السُّنَّة في «باب التبانة»، والشِّيعة في «جبل محسن» كان يتم برعاية قطرية؛ من أجل دعم الوجود القطري في لبنان.