يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

مسارات الإرهاب في 2019.. قدرات وهمية وصمود زائف

الأربعاء 23/يناير/2019 - 03:36 م
المرجع
محمود رشدي
طباعة

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا أسباب ودوافع انسحاب قوات بلاده العسكرية من سوريا؛ التي كان أهمها اعتقاد ترامب بهزيمة «داعش» نهائيًّا، وقد ارتفعت التقديرات في الأوساط البحثية حول انخفاض الإرهاب، وربما انتهائه، مقارنة بالأعوام السابقة، بينما يرى فريق آخر من الباحثين، علاوةً على الخبراء الاستراتيجين، أن التنظيمات الإرهابية ستظل حاضرة ومؤثرة على المشهد الدولي لقدرتها على التكيف، والاختباء في أوقات المحاصرة الأمنية ضدها، وتنتظر اللحظة للعودة مجددًا، حسب ما ذهب إليه هذا الفريق.


مسارات الإرهاب في

استقبل العالم العام الحالي عددًا من العمليات الإرهابية، والتي تركز تنفيذها قبيل احتفالات رأس السنة، وعيدالميلاد المجيد.

وفي الساعات الأولى من 2019، سجلت عدة عمليات إرهابية بمناطق متفرقة حول العالم، على رأسها؛ هجوم مدينة مانشستر البريطانية[1]، إذ طعن رجل مسلح بسكين 3 أشخاص، بينهم شرطي بمحطة قطارات فيكتوريا بالمدينة، وفي تونس، حيث فجر إرهابيان نفسيهما عقب تبادل لإطلاق النار مع وحدات الشرطة[2]، وفي برلين دهس مواطن ألماني 4 أشخاص باحتفالات رأس السنة الجديدة[3].


كما فوجئ العالم بتصعيد تهديد التنظيمات الإرهابية لحد العائلة الملكية ببريطانيا، إذ بعث برسائل تهديد، بواسطة تطبيق «تليجرام» المشفر، لدوقة كامبريدج «كيت ميدلتون»، متوعدًا بتسميم أكلها بنشر صورة لها وعليها علامة أكس(x)[[1.


في الواقع لم تؤدِّ هزيمة تنظيم «داعش» في 2017، لانتهاء وجوده، فمازالت ذيوله تنشر في عدة جيوب بسوريا، إضافة لتابعيه في العالم الغربي، وحضوره الافتراضي، الذي يُعهد إليه أهم أسباب صموده حتى الآن، ويمكن أن نطرح سؤالًا لترتكز الدراسة حول إجاباته، ما هي أسباب صمود التنظيمات الإرهابية بالرغم من القضاء عليها بمناطقها الجغرافية؟. وما أهم مسارات العمليات الإرهابية المتوقعة للعام الحالي؟


 الذئاب المنفردة
الذئاب المنفردة

أسباب صمود التنظيمات الإرهابية

ترجع استمرارية التنظيمات الإرهابية في الوجود لعدة أسباب، أكسبتها القدرة على التكيف مع المحاصرة الأمنية، والتتبع الاستخباراتي لعناصرها، ناهيك عن خلق بدائل للروايات المجتمعية التي تميل للاضطهاد والمظلومية[2]، ومن ضمن أهم الأسباب


القبول النسبي للروايات الإٌرهابية

تستغل الجماعات الإرهابية الأزمات المجتمعية التي تمر بها الدول كفرصة لبناء ضروب من الخيال عن دولتهم المزعومة، لاسيما الأزمات السياسية والمجتمعية، مثل الاضطهاد السياسي، أو التفرقة العنصرية، أو اضطهاد أقلية، خاصة الجاليات المسلمة في القارة الأوروبية[3]، إضافة إلى استغلال الدين وتأويلاته لاستقطاب الشباب لما يُعرف بضرورة القضاء على الكفر والجهل في العالم الغربي.


يُعاني العالم أجمع من تصدع مفهوم القومية لديه، نظرًا لموجات العولمة والانصهار بين العالم أجمع، بما يخلق معها أقليات تنعزل جزئيًّا عن الثقافة السائدة في المجتمع، إضافة إلى معدلات البطالة وغلاء المعيشة التي أوجدتها الأزمات الاقتصادية التي عصفت بغالبية العالم عقب الأزمة المالية العالمية 2008، ما نجم عن انخفاض معدلات النمو، واتجاه الدول نحو سياسات التقشف الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، بجانب معدلات العجز التجاري ما بين صادرات وواردات الدول، كلها عوامل أنتجت بالنهاية لتذمر شريحة كبيرة من المجتمع، خاصة قطاع الشباب الذي يعاني ثمة عقبات كبيرة تجاه مستقبلهم.


وعليه، يسقط الشباب كفريسة لإغراءات الجماعات الإرهابية التي تتحدث عن دولة الخلافة المزعومة، بما فيها من نعيم الدنيا والأخرة، وتحقيق العدل والمساواة بين البشر، إضافة إلى المبالغ المالية التي تغدقها تلك الجماعات على المقاتلين الأجانب[4]، واستغلال جهل الشباب بأمور الدين، مستغلًا ثغرات التأويلات القرآنية والأحاديث النبوية في التدليل على أهدافهم المتطرفة والراديكالية.


    محدودية الآليات العسكرية

عقب أحداث 11 سبتمبر، شنَّت الولايات المتحدة حربًا عسكرية ضد تنظيم القاعدة بأفغانستان، وطورت من آلياتها العسكرية، واقتطعت جزءًا من إيرادتها الإجمالية للإنفاق على تطوير جيشها، كما أنفقت الولايات المتحدة وحدها ما يفوق 120 مليار دولار أمريكي لمحاربة تنظيم القاعدة، بينما أنفق حلف الناتو ما يقرب من 230 مليار دولار في الحرب على الإرهاب[5]، ولكن هل تم القضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان، أو حركة طالبان؟! بالعكس أضحت تلك التنظيمات أكثر مرونة وأكثر انتشارًا.


كما أن الولايات المتحدة في طور انسحابها من أفغانستان في الفترة الحالية، وتُحاول أن تعقد اجتماعات سرية مع حركة طالبان، كاستراتيجية خروج لها، وإعلان فشلها في تدخلها العسكري بأفغانستان، وبعد حوالي 17 عامًا من الوجود القوي بها، ووجود حوالي 140 ألف جندي أمريكي في ذروته، إلا أن اآلية العسكرية لم تنجح للقضاء كليًّا على تنظيم القاعدة، ولا توسع طالبان التي تسيطر فعليًّا على 50% من الأراضي الأفغانية[6].


هشاشة الدولة القومية

تُمثل هشاشة الدولة القومية أحد أهم مداخل التنظيمات الإرهابية، وتُمثل الدول الهشة، البيئة الخصبة لتنامي وانتشار المليشيات الإرهابية، إذ تفقد الدولة سيطرتها الأمنية على بعض مناطقها، ما يُسبب فراغًا أمنيًّا تستغله التنظيمات الإرهابية والمنظمات العابرة للحدود، الأمر الذي يُحفز القوى اللادولتية[7] للنهوض، وتشكيل خطر على الأمن المحلي.


وتمر الدولة العربية في الآونة الأخيرة بأشد مراحل هشاشتها، ويرجع ذلك لعدة عوامل تسببت في اختراق القومية العربية، والدولة المحلية، منها التدخل الأجنبي المباشر في دول بعينها (العراق، ليبيا، سوريا)، أو التدخل الدولي غير المباشر عبر دعم ميليشيات مسلحة، ومنها الدعم التركي والإيراني لميليشيات تابعة لهم في المنطقة العربية (اليمن، سوريا، العراق)، كما دخلت دول أخرى في تصنيف الدول الفاشلة، أو الهشة مثل الصومال، وأخرى تم تقسيمها بالفعل مثل السودان، أما النوع الأخير بالمنطقة العربية فهي الدول التي تُعدُّ على حافة الانهيار، ومقبلة على التقسيم تبعًا للصراعات الدولية عليها، وعلى رأسها ليبيا[8].

 

مسارات الإرهاب

اتخذ الإرهاب أنماطًا عديدة في العام الحالي لاستعادة نفوذه من ناحية، ومحاولة لإثبات حضوره من ناحية أخرى، من تلك الأنماط، ما هو استمرار لاستراتيجياته السابقة، ومنها ما هو محاولة لاستعادة أراضيه مرة أخرى، وبعضها ما يتخذ شكلًا للبحث عن مناطق أخرى تُعدُّ أرضًا حاضنة له.

-   

نمط الذئاب المنفردة

كانت ولاتزال أهم استراتيجية في العمليات الإرهابية لدى تنظيم داعش، ومنها انتقلت عملياته خارج أراضيه، كونها لا تحتاج إلى مجهود أكبر في نقل أدوات العملية الإرهابية، أو التدريب البدني والنفسي، إذ أصبحت عملية الذئب المنفرد ترتكز على التواصل الإلكتروني، ومن الذئاب المنفردة خرجت كل العمليات داخل أوروبا في الأعوام السابقة، ومنها استمرت العمليات الإرهابية في العام الحالي داخل أوروبا، والاعتماد على نفس أشكال الذئاب من الطعن والدهس، مثلما حدث  في هجوم مانشستر وبرلين باحتفالات رأس السنة.


إعادة التمركز في مناطق رخوة

برغم أن داعش مازال يُحارب لأجل معركة البقاء في آخر جيوب له في شرق الفرات، ومنطقة القائم الحدودية مع العراق، فإنه مازالت التنظيمات الأخرى تتوسع في مناطق أخرى ذات رخوة أمنية، أو تحتضن عوامل خصبة للتطرف والإرهاب مثل أفغانستان ومنطقة غرب أفريقيا.


بالنسبة لأفغانستان، تُسيطر حركة طالبان على حوالي 50% من الأراضي الأفغانية، وبرغم تمركز كبير للقوات الأمريكية والقوات الأفغانية، فإن حركة طالبان لها نفوذ قوي داخل المعادلة الأفغانية، ناهيك عن وجود تنظيم داعش، ومنافسته لحركة طالبان، وكلاهما يتسارع من أجل السيطرة على المسرح الجهادي.


وفي مناطق غرب أفريقيا، والتي تعد مناطق خصبة للتنظيمات الإرهابية؛ حيث الهشاشة الأمنية التي تمتاز بها تلك المنطقة، إضافة إلى ضعف السيطرة على الحدود فيما بينها، والصراعات العرقية بين القبائل بها جعل مرتعًا للتنظيمات الإرهابية على رأسها جماعة بوكوحرام.


وأما عن الشمال الأفريقي فتوجد ليبيا، والتي تتناحر بها حكومتان، وعدد كبير من الميليشيات المسلحة، بجانب الجنوب الليبي الفاقد للسيطرة الأمنية، ورغم محاولات قائد الجيش الليبي استعادة السيطرة على الأراضي الليبية وتوحيدها، فإنه تواجهه عدة عقبات من التدخلات الخارجية من الدول الإقليمية، وعلى رأسها قطر وتركيا، اللتان تسعيان لإبقاء ليبيا تحت الوضع الحالي، لإدراكهما أن أي تقدمات للخروج من الأزمة الحالية يتكون في غير صالحهما، ومضادة لتوجهات الميليشيات التابعة لها على الأراضي الليبية، والتي تفقد شعبيتها في الشارع الليبي.


وبالنسبة لمنطقة القرن الأفريقي، فتنشط حركة شباب المجاهدين، والتي أعلنت مسبقًا ولاءها لتنظيم داعش، وتعاني منطقة القرن هي الأخرى من التدخلات الإقليمية وضعف السيطرة الأمنية، بجانب التناحر الدولي على المنطقة، والذي خلَّف مساحات كبيرة من الفراغات الأمنية، أضحت تستغلها الحركة أشد استغلال.


الحضور الافتراضي

ينشط تنظيم «داعش» أكثر من أي تنظيم آخر على الشبكات الإلكترونية، ويُعد إتقانه لهذا العنصر، هو الأهم في الصمود والحفاظ على مؤيدين له من كل الأنحاء، فمازال التنظيم يمني مؤيديه بالعودة مرة أخرى، وفي بداية العام، كما أوضحنا مسبقًا، دعا أعضاءه عبر تطبيق تليجرام، لمواصلة القتال والجهاد[9].


يدرك تنظيم داعش أن الحضور الافتراضي على شبكات الإنترنت والتواصل الإجتماعي، سيحافظ له على داعمين من كل البلدان، وليس فقط عناصره في الجيوب السورية، وحتى تلك اللحظة، لم يستعمل داعش إرهابه السيبراني عبر توجيه قدراته الإرهابية نحو إرهاب الشبكات الإلكترونية الأجنبية، إما أن الفكرة نفسها لم تلق قبولًا لدى قياداته، وإما أنه لم يندرج ضمن صفوفه هاكرز محترفون.

[1] بريطانيا تحتجز شابًّا في حادث الطعن في مانشستر، موقع سكاي نيوز العربي، متوافر على الرابط التاليhttps://www.skynewsarabia.com/world/1213927-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D8%AC%D8%B2-%D8%B4%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%B4%D8%B3%D8%AA%D8%B1

[2] «الداخلية التونسية»: إرهابيان فجرا نفسيهما بعد محاصرتهما في سيدي بوزيد، جريدة المصري اليوم، متوافر على الرابط التاليhttps://www.almasryalyoum.com/news/details/1356490

[3] اعتقال ألماني دهس مهاجرين عشية رأس السنة، بي بي سي، متوافر على الرابط التالي http://www.bbc.com/arabic/world-46732832

 

[4] JOE MIDDLETON, ISIS fanatics plot to murder the Duchess of Cambridge by poisoning food she buys at the supermarket, Daily Mail, AVILABLE ON https://www.dailymail.co.uk/news/article-6586367/ISIS-fanatics-plot-murder-D

[5] محمود رشدي، 4 آليات لمكافحة الإرهاب في عصر المحدودية الاقتصادية، المرجع، متوافر على الرابط التالي http://www.almarjie-paris.com/3664

[6] خضير ياسين، ظاهرة الإرهاب الدولي.. العوامل الدافعة وكيفية معالجتها، جامعة آل البيت، متوافر على الرابط التاليhttp://abu.edu.iq/sites/default/files/jurnals/abu/16/16-12.pdf?fbclid=IwAR3GR_HT2fEYLnASiilGzoRzMc7C1_GiGsQjd4YmdoTzfGITMiTppbqFih0

[7]  Jose Pagliery, ISIS cuts its fighters' salaries by 50%, CNN business, available onhttps://money.cnn.com/2016/01/19/news/world/isis-salary-cuts/index.html

[8] Todd Harrison, Estimating the Cost of Operations Against ISIL, Center for Strategic and Budgetary Assessments (CSBA), available on https://csbaonline.org/research/publications/estimating-the-cost-of-operations-against-isil/publication

[9] شعيب شريف، طالبان «تنشط في 70 في المائة» من أفغانستان، بي بي سي، متوافر على الرابط التاليhttp://www.bbc.com/arabic/world-42895213

[10] عمرو حمزاوي، أزمة الدولة في الوطن العربي، مركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط، ندوة أقيمت بمركز الدراسات العربية، وحررها مركز كارنيجي، وتتوافر على الرابط التالي https://carnegie-mec.org/2011/01/11/ar-event-3253

[11]عبدالمنعم المشاط، علاج هشاشة الدولة العربية، الأهرام الرقمي، متوافر على الرابط التاليhttp://www.ahram.org.eg/News/202374/4/611243/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%AC-%D9%87%D8%B4%D8%A7%D8%B4%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9.aspx

[12]  ISIS and ISIS Supporters’ Campaign Threatens Christmas Terrorist Attacks, At the Israeli Intelligence Heritage and Commemoration Center, available on https://www.terrorism-info.org.il/app/uploads/2018/12/E_318_18.pdf

 

 

 

 

                                                                                                                                                                                                                                                      

 

"