لقطع دابر إيران.. جهود سعودية لهندسة منطقة البحر الأحمر وخليج عدن
الخميس 13/ديسمبر/2018 - 12:55 م
محمد الدابولي
أعلن وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، يوم الأربعاء 12 ديسمبر 2018، عن تأسيس كيان تنظيمي يجمع دول البحر الأحمر وخليج عدن لأجل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتعد تلك المبادرة هي الأولى من نوعها من أجل ضبط أمن واستقرار منطقة البحر الأحمر، وتتماشى مع التوجهات الاستراتيجية للدول المشاطئة له كمصر والسعودية اللتين لعبتا دورًا كبيرًا خلال الفترة الماضية في تأمينه وإخراجه من دائرة الصراعات السياسية والتنافس الدولي السلبي على الموارد فيه.
وسبق إنشاء الكيان الجديد العديد من الجهود الدبلوماسية لتحقيق ذلك؛ حيث استضافت القاهرة يومي 11، 12 ديسمبر 2017 الاجتماع الأول للدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر و«خليج عدن» بالقاهرة، وشارك في الاجتماع كل من السعودية والأردن وجيبوتي واليمن والسودان وإريتريا، فيما استضافت الرياض اليوم 12 ديسمبر 2018 الاجتماع الثاني للدول المشاطئة للبحر الأحمر.
أتى الاجتماع الثاني في ظل رغبة سعودية لإنشاء تجمع إقليمي يضم دول البحر الأحمر للعديد من الأسباب، أهمها منع أية قوى خارجية من لعب دور سلبي في تلك المنطقة الاستراتيجية، حسبما أعلن وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، في تصريح خاص للقناة الإخبارية السعودية عقب انطلاق أعمال الجلسة الافتتاحية للدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن بالرياض.
وأضاف «الجبير» أن التجمع من الممكن أن يمتد للأمور الاقتصادية والبيئة والأمنية، مؤكدًا أن الكيان الجديد سيعزز الاستقرار السياسي ويسهم في إيجاد تناغم بين دول المنطقة الحساسة.
وشهد الاجتماع الثاني مشاركة الصومال، لأول مرة في الاجتماع، حيث لم تحضر الأول، وهو ما يدل على تفهم السعودية لأهمية الصومال في ضبط أمن البحر الأحمر وخليج عدن.
لم يأتِ التحرك السعودي الأخير بمعزل عن التحركات الإقليمية الدائرة في منطقة القرن الأفريقي منذ بداية العالم الحالي؛ خاصة منذ تنحي رئيس الوزراء الإثيوبي السابق «ديسالين»، وتولية «أبي أحمد» رئيس وزراء جديدًا لإثيوبيا، لذا يمكن القول بأن الحراك السياسي الإثيوبي أسهم فيما آلت إليه الأمور حاليًّا في منطقة القرن الأفريقي، لذا في النقاط التالية سيتم شرح المسببات التي أدت إلى تهيئة مناخ التقارب الإقليمي بين دول الإقليم وهم كالتالي:
أولًا: محورية دول الظل
رغم اقتصار الاجتماع الدائر حاليًّا في الرياض على الدول المشاطئة للبحر الأحمر و«خليج عدن» فإنه يجب ألا نغفل دور دولتي الإمارات وإثيوبيا في تهيئة الأجواء حاليًّا لمناقشة مثل هذا المطلب الذي يجمع دولًا أفريقية وآسيوية في كيان تنظيمي واحد.
فخلال الشهور القليلة المنصرمة، لعبت الأداة الدبلوماسية الإماراتية والإثيوبية دورًا كبيرًا في إنهاء الخصومات بين دول المنطقة وتقريب وجهات النظر بين دولها للوصول إلى مناخ صحي ملائم يمكن من خلاله تدشين عصر جديد للمنطقة يسوده السلام والتنمية، لذا يمكن توصيف دَوري الإمارات وإثيوبيا على أنهم أمراء الظل في تحقيق التكامل في منطقة البحر الحمر و«خليج عدن».
ثانيًا: محاصرة النفوذ الإيراني
انتهجت السعودية والدول العربية منذ عام 2014 استراتيجية مركبة هدفها تقويض الدور الإيراني في منطقة القرن الأفريقي، والذي وصل إلى مرحلة متقدمة هددت استقرار الدول العربية، وهو ما يتضح في النقاط التالية:
- قطع العلاقات السودانية - الإيرانية: يمكن القول بأن إجراءات تهيئة المناخ الإقليمي بدأت مع بتر الوجود الإخواني في منطقة القرن الأفريقي، فالبداية مع السودان حين قرر في سبتمبر 2014 إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم وإمهال الملحق الثقافي الإيراني بمغادرة البلاد خلال 72 ساعة.
أخذت العلاقات بين السودان وإيران منحنى تصاعديًّا بعد حادث الاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية في إيران في مطلع يناير 2016، حيث قرر السودان بناء تلك الاعتداءات قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.
ما بين إغلاق المراكز الثقافية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، شارك السودان في عمليات عاصفة لإعادة الشرعية في اليمن ومحاربة تنظيم الحوثي خنجر إيران في خاصرة الخليج العربي، وفي النهاية يمكن القول بأن توجه السودان لقطع الخرطوم علاقتها مع طهران جاء بدعم الدول العربية كالسعودية التي مهدت لعودة السودان مرة أخرى للحضن العربي.
- عاصفة الحزم: عاث الملالي فسادًا في منطقة جنوب البحر الأحمر و«خليج عدن» خلال فترة ما قبل عام 2014 من خلال دعمه للتنظيمات الإرهابية على ضفتي خليج عدن، تنظيم «الحوثي» في اليمن و«حركة الشباب المجاهدين» بالصومال.
وصل إفساد الملالي ذروته في سبتمبر 2014 عندما تم الانقلاب علي الشرعية في اليمن واحتلال صنعاء من قبل ميليشيات الحوثي، وتطورت التهديدات الحوثية الإيرانية باستهداف الحدود السعودية، الأمر الذي دفع إلى تشكيل تحالف عربي (عاصفة الحزم) هدفه أعادة الشرعية مرة أخرى في اليمن ومجابهة المد الإيراني في المنطقة.
ونجحت الدبلوماسية السعودية حين انطلاق العمليات العسكرية في تحقيق اصطفاف إقليمي داعمة لعملية عاصفة الحزم؛ حيث سمحت جيبوتي في بداية العمليات في استخدام أجوائها في العمليات العسكرية.
- التباعد الإريتري - الإيراني: شهدت العلاقات الإريترية الإثيوبية تطورًا كبيرًا في عام 2008 بتوقيع العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية، ما أدى إلى توجيه الاتهامات في السابق إلى أسمرة بأنها ثكنة إيرانية في المنطقة، يتم استغلالها في تهريب الأسلحة لجماعة الحوثي.
بفضل جهود الدبلوماسية الإماراتية دبَّ الجمود في العلاقات الإريترية الإيرانية، وحدث تحول جذري في مواقف أسمرة تجاه القضايا العربية؛ حيث أصبحت أكثر داعمة لها، وهو ما يتضح في السماح بإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية فيها، فضلًا عن استغلال أجوائها في شن الهجمات على جماعة الحوثي وإحكام الحصار البحري علي الحوثي، وبتحول إريتريا فقدت إيران أهم منصة لها في منطقة القرن الأفريقي.
ثالثًا: تحولات سياسية: في ديسمبر 2017 لم يكن يتوقع أكثر المتفائلين بأن عام 2018 ستشهد فيه منطقة القرن الأفريقية تحولات طموحة حالمة بتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة عانت لعقود طويلة من الدمار والتقتيل والجوع، فالشهور الأخيرة لعام 2017 كانت الأشد قتامة في تاريخ المنطقة، ففي أكتوبر 2017 فجرت حركة الشباب شاحنة في وسط العاصمة الصومالية مقديشو، مخلفة أكثر من 500 قتيل على الأقل في حادث اعتبر الأعنف والأكثر دموية خلال السنوات الأخيرة.
وبالتزامن مع تفجيرات مقديشو كانت أزقة وشوارع أديس أبابا تغلي جراء سخط اجتماعي متوارث ناجم عن حرمان جماعة الأورومو كبرى الجماعات الإثنية الإثيوبية من حقوقها السياسية والأمنية، الأمر الذي أدخل البلاد في نفق مظلم تصاعدت منها روائح انهيار الدولة الإثيوبية.
رغم سوداوية المشهد السياسي في المنطقة نهاية 2017، حمل ربيع 2018 آمالًا لدول المنطقة بإنهاء عقود الصراعات والأزمات السياسية والمجاعات، ففي نهاية مارس تم تصعيد الزعيم الأورومي «أبي أحمد» ليكون أول زعيم أورومي رئيسًا لوزراء إثيوبيا.
اتجهت سياسة «أبي أحمد» إلى تصفير المشكلات داخليًّا وخارجيًّا، حيث تم إنهاء النزاع الإريتري الإثيوبي والتوقيع على اتفاقية السلام بين البلدين في سبتمبر 2018 في مدينة جدة السعودية، كما أسهمت السعودية في تخفيض التوتر بين إريتريا وجيبوتي بترتيب لقاء عقد بين رئيسي الدولتين برعاية سعودية في مدينة جدة على هامش التوقيع على اتفاقية السلام الإريترية الإثيوبية.
وأخيرًا.. رغم النجاح الذي حققته الدبلوماسية السعودية في إنشاء كيان إقليمي يجمع دول البحر الأحمر وخليج عدن فإن هذا الكيان الوليد سيواجه العديد من التحديات الأمنية والسياسية، منها على سبيل المثال الدور القطري والتركي في المنطقة، فتركيا على سبيل المثال تمتلك قاعدة عسكرية في جنوب مدينة مقديشو، وتسعى لإقامة قاعدة عسكرية جديدة في مدينة كسمايو جنوب الصومال.
لم يقتصر الوجود التركي في المنطقة على الصومال فقط، فأنقرة تحظى بوجود في الخرطوم، خاصة بعد التوقيع على اتفاقيات لتطوير «جزيرة سواكن» في البحر الأحمر.
بالإضافة إلى التحدي التركي يبقى أيضًا التحدي القطري؛ حيث مازالت تتمتع الدوحة بوجود قوي في جيبوتي والصومال، حيث أسهمت التدخلات القطرية في كلا البلدين في إفساد العلاقات بينهما وبين الإمارات؛ حيث تم إلغاء عقد شركة موانئ دبي لتطوير مينا دوراليه الجيبوتي، فيما توترت العلاقات الإمارتية والصومالية التي أسفرت عن إنهاء أبوظبي بعثتها التدريبة في الصومال، وقد تلعب قطر خلال الفترة المقبلة دورًا في إفشال الكيان الإقليمي الوليد.





