نقص المياه.. وسيلة «داعش» لاستقطاب مزارعي العراق
«حين يجف الماء تموت الأرض ومن يرعاها».. تصف هذه العبارة حال مزارعي العراق، الذين يعانون مع أراضيهم من نقص حاد في المياه، وهو ما جعلهم «فريسة سهلة» للتجنيد في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي.
ووفقًا لدراسة أعدها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بعنوان: «العراق وسوريا.. مستقبل المناطق المحررة من داعش»؛ فإنه في الوقت الذي يسعى فيه «داعش» لإعادة ترتيب صفوفه، أملًا في العودة مجددًا إلى السيطرة على مدن العراق؛ فإن المناطق العراقية المحررة من قبضة التنظيم الإرهابي، تواجه تحديات كبيرة في ظل دمار البنية التحتية لها.
وقال بيتر شوارتشتاين، المراسِل البيئي والزميل غير المقيم في مركز المناخ والأمن الذي تابع صعود «داعش»: «إنه في حين لم تتكون داعش من القضايا البيئية بمفردها، إلا أن هناك علاقة واضحة للغاية بين التنظيم والأزمات المعيشية، فمع احتياج المناطق الفقيرة للمياه مثل صلاح الدين وكركوك، فإنها تقترب تمامًا من كونها مناطق تجنيد للتنظيم».
للمزيد.. قطع المياه عن «العراق».. بلاد الرافدين بين التهديد الإيراني والاقتراب التركي
وأضاف «شوارتشتاين»، في تصريحات أدلى بها لصحيفة «إندبندنت» البريطانية، الأسبوع الماضي، أن قصصًا مماثلة ظهرت حتى في وقت سابق عبر مجتمعات زراعية أخرى فقيرة المياه في شمال العراق، فالقضية ظهرت لأول مرة عام 2010 بعدما يقرب من 15 عامًا من حالات الجفاف الرهيبة.
وتابع «شوارتشتاين»، «كان ذلك أيضًا العام الذي تم فيه تعيين أبوبكر البغدادي قائدًا لما كان يعرف آنذاك باسم الدولة الإسلامية في العراق؛ قام البغدادي بتجنيد قيادة المجموعة من خلال استهداف ضباط الجيش والمخابرات العراقيين السابقين الذين خدموا في عهد صدام حسين».
نقص المياه ..أزمة يستغلها داعش
يُعدُّ نقص المياه، واحدة من الأزمات التي تواجه عدة مناطق عراقية، وهي أيضًا واحدة من الطرق التي استغلها (ولايزال يستغلها) «داعش» لتجنيد المزارعين الذين يعانون من الفقر في محافظات بالعراق.
وذكر تقرير نشرته «إندبندنت» الأسبوع الماضي، تحت عنوان: «حروب المياه»، أن «الجفاف دفع الناس للارتماء في أحضان «داعش»، ويمكن أن يحدث مرة أخرى.. إن نقص المياه ساعد الإرهابيين على تجنيد أعضاء في صفوفهم في الماضي. والآن إذا تركت المشكلات نفسها دون مراقبة، يمكن أن تسبب الاضطرابات مرة أخرى في شمال العراق».
ويذكر التقرير أن مقاتلي داعش، وعدوا مجموعة من المزارعين العراقيين المفلسين (يسيطرون على أراضٍ في منطقة تقع غرب مدينة تكريت، وجفت أراضيهم من قلة المياه) بالأموال، وهو ما جعلهم يهملون الأرض ويهتمون بالمال الداعشي؛ حيث منحهم التنظيم الإرهابي رواتب وصلت لأكثر من 400 دولار شهريًّا للفرد الواحد.
وأضاف التقرير، أن «داعش» اتبع تلك الاستراتيجية منذ عام 2014، فعلى مدار سنوات كان سكان هذه المنطقة وآخرون في محافظة صلاح الدين الشمالية في العراق، يلاحظون زيارة رجال غرباء يرتدون الزي الديني للمناطق الريفية خلال مواسم الزراعة الصعبة، خاصة حين يقع الجفاف.
كان رجال داعش يحاولون إثارة الغضب المحلي من خلال اتهامهم السلطات العراقية التي يهيمن عليها الشيعة بتجاهل المناطق السنية المحاصرة عن عمد، حتى إنهم زعموا أن هناك مؤامرة حكومية لوقف تدفق الأنهار، وبالتالي تفاقم أزمة المياه، وتوقف الزراعة.
ووفقًا لما قاله مزارعون عراقيون لـ«إندبندنت»: «فإن الناس بدؤوا في ربيع عام 2014، يستمعون إلى وعود داعش، واحتضن الإرهابيون صغار المزارعين، الذين كانت أعمارهم تتراوح ما بين 18 و19 عامًا، ووعدوهم بأن يصبحوا أمراء، واستدرجوهم بالرواتب».
وأوضح المزارعون للصحيفة، «انتقل صغار المزارعين إلى خنادق تحت الأرض؛ حيث كانوا يتناولون الطعام، ويحصلون على التدريب الذي يمكنهم من حمل أسلحة مختلفة».
ويذكر التقرير، أنه في كركوك، كان الجهاديون يظهرون في أسواق الماشية، ويراقبون المزارعين الذين اضطروا لبيع ماشيتهم؛ لأنهم لم يكن لديهم أي وسيلة للحفاظ على أبقارهم حية بدون ماء.
وخضع عدد من المزارعين لإغراءات «داعش»، ومن رفض منهم أُجبر على تسليم 10 في المائة من محاصيله للإرهابيين الذين بثوا الذعر في المجتمع وفرضوا ضرائب على الأهالي، فإذا لم يطع الناس فإنه يتم قطع إمدادات الكهرباء والمياه، أو في بعض الحالات يتم إرسالهم للمحاكمة.
وأكد نصير طارق، الناشط الحقوقي التكريتي، والذي يعمل على قضايا نقص المياه في حملة «إنقاذ دجلة»، أن «نحو 5 آلاف مزارع من مناطق صلاح الدين وكركوك، وافقوا على التعامل مع داعش».
وبحسب تقرير «الإندبندنت»؛ فإن «معظم المزارعين ليسوا متعلمين، ولا يعرفون الكثير عن الدين، ولا عن السياسة الوطنية، أو الفرق بين القوات الحكومية أو أي مجموعة مسلحة أخرى.. هم فقط؛ كانوا بحاجة إلى المال».
وقال مزارع عراقي يُدعى «نواف» لمراسلة «الإندبندنت»: إنه وسط انخفاض منسوب المياه، فإنهم كانوا يعتمدون على المياه المالحة، التي تتسبب في الفوضى وتقتل الماشية.
وأكد «نواف»: «فقدت القرية التي أعيش فيها أكثر من 100 فدان من الأراضي الزراعية بسبب المياه المالحة، أنا شخصيًّا أمتلك 50 فدانًا، وخسرت حوالي 30 منها، بالطبع، علينا أن نعطي الحيوانات المياه العذبة، ولكن بسبب ندرتها؛ لا يمكننا منحها ما يكفي».
وأضاف مزارع آخر يُدعى «عبدالله»، أن قضايا البنية التحتية الأخرى مثل نقص الكهرباء تضاف إلى المشكلات؛ حيث يعتمد المزارعون على المضخات الكهربائية للوصول إلى احتياطيات المياه الجوفية للري.
إهمال إصلاح البيئة يصب في صالح «داعش»
وأوضح ويم زفيننبرغ Wim Zwijnenburg، الباحث الرئيسي في شركة PAX الهولندية غير الربحية، التي كانت تحاول تتبع الأثر البيئي على السكان، أن «داعش» استخدم البيئة «كسلاح»، فحرق النفط الخام، إضافة إلى حرق الآبار والنباتات الكبريتية، وأن الغازات السامة قد غطت التربة والثروة الحيوانية، كما تلوثت المياه.
للمزيد.. «داعش» يقتل عناصره لتبرير هزائمه في العراق وسوريا
وأكد «زفيننبرغ»، «لا أحد يعرف حقًّا مدى الضرر طويل المدى على الزراعة وسبل العيش، وما يعنيه ذلك بالنسبة لأمن العراق، هذا إلى حد كبير لم يكن له أولوية بالنسبة للسلطات أو المنظمات الدولية التي تعاني من النزوح الجماعي والمدن المدمرة».
وأضاف الباحث في شركة PAX الهولندية، «المشكلة هي أن البيئة لا ينظر إليها كجزء من الاستجابة للطوارئ.. إن تركيز المنظمات الإنسانية لإنقاذ الحياة يتعلق بالمساعدة الطبية والمأوى الغذائي والسلامة التي تركز عليها، لكن الأثر البيئي والمخاطر الصحية طويلة الأجل تأتي بعد كل هذا».
وأشار «زفيننبرغ»، إلى أن «داعش» يستخدم المياه كسلاح، من خلال الاستيلاء على السدود الحرجة، حتى يتمكن من قطع إمدادات المياه أو إطلاق الفيضانات للسيطرة على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وأكد الباحث في شركة PAX الهولندية، أن وزارة الموارد المائية العراقية، تقدر الخسائر التي سببتها داعش بـ600 مليون دولار (457 مليون جنيه إسترليني) للبنية التحتية الهيدروليكية، والتي لاتزال بحاجة إلى إعادة تأهيل وصيانة عاجلة.
وأوضح «زفيننبرغ»، أن وزارة الموارد المائية العراقية، تفتقر إلى الأموال اللازمة لإصلاح ذلك، فقد انخفضت ميزانيتها من 1.7 مليار دولار إلى 50 مليون دولار فقط، بسبب انخفاض عائدات النفط وجهود الحرب، ومعظم هذه الأموال تستخدم لدفع رواتب الموظفين، محذرًا من العواقب المدمرة إذا لم تتم معالجة الأزمات البيئية والمائية بشكل صحيح.
للمزيد.. حرق وقتل وحظر تجول.. أحداث البصرة تعمق آلام العراق والعبادي يتخبط
وتابع الباحث في شركة PAX الهولندية، أن «هذه قضية إقليمية تؤثر أيضًا على البلدان الأخرى، وليس من الإثارة على الإطلاق أن نقول إن الأرض في العراق أصبحت غير صالحة للسكن، مدفوعة بسجلات الحرارة المرتفعة، ونضوب موارد المياه، وفشل الإدارة والتلوث من الصراع؛ كما أن نقص الزراعة يعني فقدان الوظائف والاعتماد بشكل أكبر على الواردات، ما يسهم في زيادة المخاوف بشأن الأمن البيئي، فهناك إرث بيئي من الفشل في العراق، إنها تأتي مجتمعة كمجموعة من المخاوف التي بدأت تنفجر بالفعل في الجنوب، فبالنسبة للمزارعين يترجم هذا إلى غضب ضد السلطات».
تهديدات مستقبلية
وأكد تقرير الصحيفة البريطانية، أنه ربما يبدو من الصعب الاعتقاد بأن هناك علاقة بين الجماعة الإرهابية الأكثر رعبًا في العالم ونقص المياه، لكن الخبراء يقولون: إن مشكلات المياه في العراق ساعدت في تغذية حملة تجنيد «داعش» في شمال البلاد.
ووفقًا للتقرير؛ فإن هؤلاء الخبراء يحذرون من أنه إذا ظلت مشكلات المياه في البلد دون حل، إضافة إلى استمرار تدمير سبل معيشة الناس، فإنها ستترك أرضية خصبة لاحتمال تجدد التطرف أو على الأقل المزيد من الاضطرابات.
وقال «زفيننبرغ»: «يُعتبر المزارعون الضعفاء أكثر عرضة للعمالة البديلة»، مشيرًا إلى أنه في وقت تعد فيه الزراعة هي الوظيفة الوحيدة، فإن الاقتصاد هو الدافع لدى الشباب اليائسين الذين لا يملكون وسائل بديلة للعمل.
وأوضح «طارق»، من منظمة «إنقاذ دجلة»، أنه على الرغم ما مر به شمال العراق، لم يكن هناك أي تحرك يذكر لمساعدة المزارعين الذين يعانون الآن من الدمار الناجم عن عدة سنوات من القتال، فضلًا عن الجفاف الجديد والمرتفع.
للمزيد.. العراق.. «الموصل» تواجه أحلام «داعش» بالعودة من جديد
وأضاف «طارق»، «هناك مخاوف الآن بالنسبة للمستقبل.. نحن قلقون مما سيحدث إذا بقي الوضع هنا على حاله.. يجب على الحكومة توفير فرص العمل، يجب عليهم تقديم المساعدة للناس.. نحن كناشطون مدنيون نبذل قصارى جهدنا، لكننا بحاجة إلى مساعدة، ليس فقط على مستوى الجهود المحلية، نحن بحاجة إلى دعم دولي».





