«فانكوفر».. عقائد متعددة وصوفية متسامحة

على ساحل المحيط الهادئ تمتد بعض أطرافها التي تتقاطع مع سلاسل الجبال في أقصى شمال العالم الذي اعتدناه متجمدًا، لكن مدينة «فانكوفر»، ثالث أهم مدن كندا تحتفظ بموانيها دافئة أغلب فترات الفصول، لتحمل إلى البلاد ثقافات متعددة تتناغم مع بعضها البعض.

ووفقًا لمقياس العقيدة تنقسم تلك الثقافات إلى شريحتين أساسيتين تحتضن أغلبية سكان المدينة، الذي يزيد عددهم على مليوني نسمة - طبقًا لأخر إحصائية رسمية أصدرتها الدولة- مقسمين دينيًّا ما بين المسيحية والإسلام.

وفي حين تهتم مراكز الأبحاث المختلفة بتعداد المسلمين داخل «فانكوفر» (جنوب غرب كندا)، باعتبارها من أهم وأكثر المدن التي تشهد وجودًا مكثفًا للمسلمين كما تتوقع هيئة الإحصاء الكندية بأن المدينة ستحتضن أضعافًا من المسلمين خلال السنوات المقبلة، يلاحظ بشدة اتساع دائرة التصوف داخلها.

إنصهار صوفي

لفتت دراسة حديثة بعنوان «مستقبل المسلمين في العالم» نشرها مركز الدراسات الأمريكي «Pew» إلى أن الجالية المسلمة بـ«فانكوفر» ليس من المرجح أن تتجه إلى تبني العنف أو الراديكالية، مشيرة إلى أن تعداد المسلمين الذي يتجاوز 100 ألف نسمة يتسم باختلاط أجناسه، فأغلبهم من مسلمي إيران ممن فروا من تشدد نظام الملالي، إلى جانب عدد من المهاجرين الآخرين من دول الصراع بالشرق الأوسط ، يتوسطهم عدد أقل من ذوي الأصول الكندية.

وعليه يتضح بعضٌ من العوامل التي قد يكون لها الدور الأبرز في انتشار مراكز التصوف بالمدينة وكثرة ارتيادها حتى أن بعض المؤسسات البحثية مثل «المعهد الكندي لدراسة التصوف» يقول إن أكثر من نصف تعداد المسلمين بها يتبنون المنهج الصوفي، حتى أن المؤسسات الدولية التي تمتلك فروعًا متعددة لمؤسساتها الصوفية اختارت تلك المدينة الهادئة لتكون عاصمتها الروحانية بكندا.

مواقع صوفية

·الحركة الدولية

ومن أبرز المراكز الصوفية بالمدينة «الفرع اللامع» الذي يتبع «الحركة الدولية للصوفية» وهي الطريقة التي تعتمد على تعاليم الموسيقي الهندية، عنايت خان (1882- 1927) الذي سافر من الهند لتأسيس الحركة بالدول الغربية، واختار «فانكوفر» كأهم مدينة ليتواجد بها داخل كندا.

وترتكز أغلب معتقدات تلك الحركة على التسليم بأن الصوفية ليست منهجًا يحتكره أحد أيًا كانت ديانته أو عرقه، بل هي ممارسات روحانية الهدف منها إزكاء العلاقة مع الله وتطهير النفس من الشرور والتوحد حول قيم الإنسانية والتسامح وتقبل الآخر.

وصحيح أن الحركة تمتلك مركزين آخرين بكندا إلا أن أهمهما هو المتمركز بمدينة «فانكوفر»، والذي يقدم نفسه على موقعه الإلكتروني الرسمي، بإنه مجموعة روحية وليست جماعة دينية، بل هي ترحب بالجميع ليشاركوا بممارسات التصوف الخاصة بها، وذلك عن طريق التأمل والذكر وتنظيم عملية التنفس والقراءات الثرية لقصص التصوف والأبيات الشعرية.

علاوة على ذلك، يشتهر مركز «فانكوفر» باسم «قافلة الحب» فهو يهتم برسائل المودة والحب والإخاء أكثر من أي مفاهيم أخرى.

· مدخل المولوية

في الوقت الذي تعاني فيه الإنسانية من ويلات وحروب، يركز مجتمع «The threshold society» جهوده نحو تسهيل تجربة الوحدة الإلهية، ونشر الحب والحكمة في العالم، وذلك عن طريق الرقصات والأشعار والتعاليم التي تركها جلال الدين الرومي مؤسس المولوية التي يتبعها ذلك المركز.

ويهدف المركز بشكل رئيسي إلى تعزيز حقيقة الحب والمعرفة الإلهية، وإزكاء التطور الروحي، ودعم الشراكة بين الرجل والمرأة، هذا المبدأ الذي تتبناه أغلب الصوفية عكس التيارات الراديكالية التي تهين النساء وتعتبرهن كائنًا يثير الغرائز وحسب.

كما يدعم المركز الترابط بين الأفراد وتحقيق الانسجام والعيش بسلام، وذلك عن طريق البرامج التعليمية المتخصصة في علم النفس والممارسة الروحية، إلى جانب تنظيم الخلوات، ونشر الكتب والدوريات التي تعزز هذه الأغراض.

·التأمل النقشبندي

على أحد الجنبات بمدينة «فانكوفر» يقع مركز صوفي مختلف يتبنى الطريقة النقشبندية نسبة إلى محمد شاه نقشبند الأوزباكستاني، ولكنه يقدم علاجًا روحانيًّا بطريقة غير متشابهة، فالمركز المسمى بـ«Sufi meditation center» يقدم التصوف عن طريق جلسات التأمل، وصحيح أنه يعتمد أيضًا الوسائل الأخرى كالموسيقى والذكر والندوات ولكن هدفه الأساسي هو تنظيم جلسات التأمل.

اقرأ أيضًا: «عنايت خان».. موسيقي نقل التصوف من الهند إلى الغرب