حرب أكتوبر تفضح الوجه الإرهابي لإسلاميي سوريا
الإثنين 08/أكتوبر/2018 - 04:12 م
عبدالهادي ربيع
لم تكن حرب أكتوبر 1973، التي يطلق
عليها السوريون حرب «تشرين» نصرًا للعرب على إسرائيل فحسب، بل كانت نصرًا على
مختلف المحاور، وعلى رأسها انكشاف حقيقة الإسلامويين في سوريا، خاصة جماعة
الإخوان، والسلفيين بمدارسهم المختلفة، التي دفعتهم فيما بعد إلى التمادي في العمل
الإجرامي.
وكان موقف جماعة الإخوان، والإسلاميين من الحرب بدءًا من حرب 1967، وانتهاءً بنصر أكتوبر 1973، دليلًا على عنف الجماعة الإرهابية التي شككت في النصر، واتهمت القيادات العسكرية بالخيانة، وأدت الحرب دورًا مهمًّا في تطور الجماعات الإسلامية وتصعيدها المسلح، إلى أن انتهى وجودها تمامًا، إلا تحت الأرض، وهو الوضع الذي ظل قائمًا حتى بداية الحرب السورية 2011، وما ظهر من كيانات مسلحة، عانت سوريا بسببها كثيرًا إلى الآن.
دخول جماعة الإخوان إلى سوريا
تأسس فرع جماعة الإخوان في سوريا عام 1942، على يد طلاب جامعيين تأثروا بالوضع العربي القائم، وبمبادرة من مصطفى السباعي (مؤسس الإخوان في سوريا)، وحاولت الجماعة نشر مبادئها في المدن السورية، وأصبح لها عدة معاقل في مدن حماة وحمص ودمشق.
وبسبب الفوضى السياسية التي ضربت البلاد في هذا العصر، والانقلابات المتتابعة، استطاعت جماعة الإخوان أن تُشكل جزءًا من حركات المعارضة في سوريا، فأصبح لها عام 1946 مقاعد في البرلمان، مكَّنتها فيما بعد أن تصبح جزءًا من الحكومة عام 1963، وفق كتاب «مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتى عام 1954»، لمراقب الجماعة في سوريا عدنان سعد الدين.
وبمجرد وصول حزب البعث السوري إلى السلطة، وعى خطورة جماعة الإخوان، وسعى إلى إضعافها مجتمعيًّا وسياسيًّا، وانتهى ذلك بإصدار قرار بحظر الجماعة عام 1964، وكانت هذه بادرة ظهور الجماعة في سوريا على حقيقتها، فحمل بعض عناصرها السلاح، واغتالوا مسؤولين حكوميين، إضافة إلى تنفيذ عدد من التفجيرات بمبانٍ حكومية ومكاتب حزب البعث، من خلال ما عرف فيما بعد بالطليعة المقاتلة.
كانت جماعة الإخوان على رأس الجماعات التي رفضت محاولات الوحدة بين مصر وسوريا، ما يتنافى تمامًا مع ما تعلنه من مبادئ حول السعي إلى توحيد الدول العربية والإسلامية، وبحلول عام 1964 بدأت تستغل الأحداث لتنحو منحىً طائفيًّا بعد أحداث «بانياس» الدموية بين السنّة والعلويين، ودخلت في صدام مع الدولة، وبدأت جماعة الإخوان حالة من القطيعة والعداء مع الدولة، وتحولت جمعياتها إلى مجرد جمعيات خيرية ومجلاتها إلى مجلات ثقافية.
ومع الهزيمة في حرب 1967 واحتلال إسرائيل مرتفعات الجولان السورية، فرحت جماعة الإخوان في الهزيمة، وبدأت تتاجر بها في حربها ضد النظام السوري البعثي، واتهمته بالتورط في بيع هضبة الجولان المحتلة، لكن الحكومة السورية حينها أرادت أن تُطلق العنان للإسلاميين للمشاركة في الحشد الشعبي، فأفرجت عن جميع المعتقلين السياسيين، وكان منهم بعض قيادات الإخوان والسلفيين مثل «محمد ناصر الدين الألباني»، وهو ما سمح للجناح المسلح للجماعة بالانتشار وتوسع عملياته، ضد الدولة فاضطرت الدولة إلى القاء القبض على كثير من الإسلاميين، من بينهم «الألباني» الذي أُعيد إلى المعتقل في سجن الحسكة شمال شرق سوريا.
السلفية في سوريا
الاندماج مع السلفيين.. ونشأة العنف
كانت «السلفية» رفيقة الإخوان في مراحلها المختلفة، منذ نشأتها الفعلية، في سوريا، بل كانت أكبر معاقلها هي المدن نفسها التي تسيطر عليها جماعة الإخوان منذ نشأتها في دمشق وحلب، ورغم كون «السلفية» سبقت جماعة الإخوان إلى هذه المدن، فإنها رضيت بأن تكون التابع المطيع، وتركت للجماعة السيطرة والصدارة.
ولم تنجح الدعوة السلفية في اختراق المجتمع السوري في العمق، وبقي تأثيرها مقتصرًا على فئة من متعلمي المناهج الحديثة، خاصة مع انتشار جماعة «الإخوان» في سوريا، ونجاحها في استقطاب التشكيلات الإسلامية الناشئة -وفق دراسة علي العبدالله «سلفيو سوريا والثورة» على موقع الجمهورية نت 2013-.
وبحسب كتاب كمال ديب (الحرب السورية، تاريخ سورية المعاصر 1970 – 2015)، فإن جماعة الإخوان أخذت من موقعها المذهبي السُني، تهاجم نظام الحكم الذي يرأسه حافظ الأسد بأنه حكم علوي، وأن ادعاء نظام العلمنة ليس سوى جريمة أخرى تعكس هرطقة العلويين وكفرهم، فقد كان حزب «البعث» يحقق صعودًا غير مسبوق، خاصة في أوساط السنة منذ الخمسينيات، ما أغضب الإخوان وصعّد عداءهم للبعث.
لقد كانت المواجهة بين البعث العلماني وحركة «الإخوان» الدينية كأنها قدر لا يُرد، إذ منذ خروج الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1955 وإضعاف الحزب الشيوعي خلال 20 عامًا من الانقلابات بعد الاستقلال، خاصة منذ انقلاب 1963، بقي الإخوان خصمًا رئيسيًّا للبعث في سوريا.
وحاولت جماعة الإخوان في صورتها الرسمية مرارًا التبرؤ من جناحها المسلح المعروف بـ«الطليعة المقاتلة»، وأنكر «عصام العطار» المراقب العام للجماعة في سوريا علاقته بهذا التنظيم المسلح، نافيًا إيمان الجماعة بما نادى به مؤسس الطليعة مروان حديد، من اللجوء إلى الحل العسكري، للوصول إلى السلطة، إلا أنها لم تفصلهم من الجماعة أو تتخذ معهم أي موقف فعلي، بل وصل الأمر إلى أن أصبح «مروان حديد» قائد أحد الاتجاهات الثلاثة داخل الجماعة، عام 1970 عقب ما عُرِف حينها بالحركة التصحيحية التي قام بها حافظ الأسد، فاضطرت الجماعة إلى إعادة تنسيق أوراقها، وانقسمت إلى ثلاث مجموعات هي: «جماعة حلب»، التي انتخبت «عبدالفتاح أبوغدة» مراقبًا عامًّا، و«جماعة دمشق» التي نادت بالدكتور «حسن الهويدي»، والاتجاه الثالث الذي اعتبر نفسه محور الشرعية والتوحيد، وعلى رأسه «مروان حديد»، وكاد يصل إلى المراقب العام للجماعة.
الجيش السوري في حرب أكتوبر
حرب «أكتوبر» تكشف وجه الإخوان الإرهابي
لم تكن جماعة الإخوان بالإنصاف الكافي لتعترف بمكاسب الجيش السوري في حرب أكتوبر 1973، إذ تلقت هزيمة منكرة في معركة الدستور السوري الصادر في مارس 1973، حين استنفر الإسلاميون (الإخوان والسلفية) على المواد المتعلقة بـ«دين رئيس الجمهورية» ودور الشريعة الإسلامية في التشريع، وتحرك على إثرها التنظيم «الطليعي»، وشارك في أحداث الدستور 1973، وهاجم مراكز الحزب البعثي والمنظمات الشعبية وبعض المقاهي والبارات، فادعت الجماعة أن الجيش السوري سلَّم القوات الإسرائيلية بضعًا وثلاثين قرية وذرى جبل الشيخ، لتكون دمشق في مرمى مدفعية العدو، ولتكون الأرض السورية في متناول العين المجردة!، وبدأت الجماعة حشدها المضاد ضد الدولة السورية.
وعلى الجانب السلفي، فبعد حرب أكتوبر 1973، نشأ فرع جديد من الفروع السلفية السورية وهو الفرع السلفي العلمي، وكان انتشاره بالأساس في الأقلية القوقازية الشركسية، وعلى رأسهم جودت سعيد، وكانت تدعو إلى فلسفة إسلامية تنبذ العنف، خاصة بعد أن اعتقل سعيد عدة مرات في موجات الاعتقالات التي أصابت الإسلاميين بعد أحداث العنف التي تسببت فيها جماعة الإخوان، وكان جودت سعيد قد أطلق نظريته عن اللاعنف قبل ذلك منذ عام 1966، في كتابه «مذهب ابن آدم الأول: مشكلة العنف في العالم الإسلامي»، الذي جاء ردًّا على اتجاه الإخوان نحو ممارسة العنف السياسي، إلا أن منهجه لم يلقَ رد الفعل القوي والتفاف العشرات من أبناء التيار حوله إلا في أعقاب حرب 1973، وبدأ الصدام الفعلي مع الدولة، السورية، خاصة أواخر الثمانينيات بحسب دراسة (السلفية والسلفيون في سورية: من الإصلاح إلى الجهاد)، لـ عبد الرحمن الحاج.
استمرت الجماعة في عملياتها العدائية تجاه النظام السوري، خاصة مع وفاة «مروان حديد» في السجون يونيو 1976 إلى أن تم التوصل إلى مبادرة مصالحة بين الحكومة السورية وجماعة الإخوان في أواخر السبعينيات بقيادة «أمين يكن»، والتي أدت إلى إطلاق سراح المئات من أعضاء التنظيم الإخواني وقياداته، في توجه حقيقي لحل الأزمة، لكن جماعة الإخوان لم تبقَ على عهدها طويلًا، إذ سرعان ما انقلبت على المصالحة، وأثارت الشعب على نظام البعث السوري، وتابع مسلحوها سلسلة هجماتهم الإرهابية، حتى طالت الخبراء السوفييت الموجودين في سوريا، وهو ما تُوج في النهاية بمجزرة مدرسة المدفعية في مدينة حلب شمال سوريا، 16 يونيو 1979.
عدنان عقلة
مجزرة مدرسة المدفعية.. وحماة
قام قائد «الطليعة المقاتلة» «عدنان عقلة» رفقة الضابط المناوب النقيب إبراهيم اليوسف، بدعوة مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية إلى قاعة الندوة، ثم أطلق النار عليهم، فسقط معظمهم بين قتيل وجريح، كما حاولت جماعة الإخوان فى يونيو 1980، اغتيال الرئيس الراحل حافظ الأسد، وعقب اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وما لقيه الخبر من شماتة الإسلاميين في سوريا، حاولوا توسيع دائرة الصدام وتنفيذ عدد من الاغتيالات، وفتح الإسلاميون باب التطوع للجهاد في سوريا لاستقطاب الشباب المقاتلين من أنحاء العالم كله.
فى عام 1980، أعلن قيام الجبهة الإسلامية لإنقاذ سوريا، والتي تلاها إصدار بيان تشكيل الجبهة بعنوان: «الثورة الإسلامية في سوريا ومنهاجها»، وكان ذلك إعلانًا رسميًّا صريحًا عن تحول جماعة الإخوان إلى فكرة الجهاد، وفكرة الدولة الإسلامية، فأصدر الرئيس حافظ الأسد قانونًا بحظر الجماعة عام 1980، ويعاقب بالإعدام كل من ينتمي لها، وهو ما كتب لسوريا عدة أعوام من الهدنة، نتيجة هروب عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة خارج البلاد.
وحسب دراسة، فكثير من السلفيين الذين أسسوا فيما بعد السلفية الجهادية هم من قيادات الصف الثاني والثالث في تنظيم «الطليعة المقاتلة» التابع لجماعة الإخوان، خاصة أبومصعب السوري وشاكر العبسي، الذي أصبح لاحقًا زعيم تنظيم «فتح الإسلام» بلبنان، كما أن كثيرًا من قيادات تنظيم القاعدة فيما بعد تأثروا تأثيرًا مباشرًا بأفكار «مروان حديد»، وتنظيم الطليعة المقاتلة، وتأثر عبدالله عزام (يوصف بأنه رائد الجهاد الأفغاني ومن أعلام جماعة الإخوان)، بفكر مروان حديد الذي يقوم في جوهره على فكرة قلة مجاهدة تقود المعركة وتعمم الثورة، وهي الأساس ذاته الذي قامت عليه فكرة (تنظيم القاعدة).
وراوغت جماعة الإخوان من الخارج، وحاولت التبرؤ من مجزرة مدرسة المدفعية، إلا أن قيادات الطليعة أعلنت مسؤوليتها عن العملية، وحاولت قيادات الجماعة أن تحتوي الطليعة تنظيميًّا وسياسيًّا بأن تضغط عليها ماليًّا وتسليحيًّا، ونتيجة وطأة الحصار الأمني والضغط السياسي أخذت قيادة الداخل تستعجل قيادة الخارج بالحسم العسكري.
واستجابت قيادات جماعة الإخوان في الخارج -المتخذة من أحد قصور العاصمة العراقية بغداد مقرًّا لها- لضغط المسلحين في الداخل، وأعلنت النفير العام، فاحتل المسلحون «حماة» في 2 من فبراير 1982، وسيطرت القيادة الإخوانية الميدانية على المدينة عشرة أيام، ودخلت المدينة في اشتباكات موسعة بين قوات الإخوان والنظام السوري، وقتل الآلاف من المدنيين إلى أن أعيدت السيطرة على حماة 20 من الشهر نفسه.
وهو ما يُعدُّ بداية الحركات الجهادية السرية المسلحة، وتراجع السلفية العلمية وسلفيات اللاعنف التي أغلقت جمعياتها وصحفها مثل جمعية التمدن الإسلامي عام 1982، خاصة مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فبرزت «السلفية الجهادية» في سوريا، وكان توجهها نحو العراق وليس نحو الداخل، وتسببت فيما عانت منه سوريا لاحقًا في أعقاب الحرب التي انطلقت عام 2011، وفق دراسة محمد سيد «رصاص الفشل الثاني لتيار الإسلام السياسي السوري».
حافظ الأسد
معركة ما بعد الطليعة
وبقيت الدعوة السلفية خارج الصراع السياسي مكتفية بنشر الفكر السلفي في المجتمع ومدافعة عما يرونه بدعًا محدثة، من خلال الدروس والمحاضرات وتحقيق كتب التراث التي تعكس الموقف السلفي، وتأليف كتب جديدة بلغة معاصرة، إلا أن النظام السوري رأى في ذلك فرصة للتخلص من الجماعات الإسلامية المستقلة، فأبعدت عددًا من مشايخ السلفية، مثل ناصر الدين الألباني إلى الأردن عام 1980، ومنعت عبدالقادر أرناؤوط من القيام بأي نشاط ديني أو دعوي، واكتفى النظام السورى بالوسطيين من المشايخ مثل (أحمد كفتارو، ومحمد سعيد رمضان البوطي) والجماعات الدعوية (القبيسيات والتبليغ والدعوة والاحمدية)، والمعاهد التي تدرِّس الفقه التقليدي مثل (معهد النور لكفتار).
سعت الدولة السورية إلى القضاء على الفكر الإسلاموي الذي يحمل أفكار العنف والمذهبية والعصبية، وقاومته على عدة اتجاهات إلى جانب المحور الأمني، كان أظهرها الدفع بالبديل الوسطي، فسمحت السلطات السورية للشيخ سعيد البوطي بنشر أفكاره ودخول الحروب العلمية مع التيارات الأخرى، خاصة بعد أن تعرف عليه الرئيس حافظ الأسد عام 1980، حين ألقى كلمة بجامعة دمشق، في مهرجان خطابي كبير دعت إليه وزارة الأوقاف السورية، ونالت كلمته إعجاب الرئيس الأسد واهتمامه، لما وجده من نبذ للعنف والتصدي للأفكار الفئوية والعصبية والمذهبية.
كما دخل «البوطي» في عدد من الحروب الدينية لمواجهة أفكار الإخوان والسلفيين، بدءًا من الألباني في سوريا، وصولًا إلى الزموري في الجزائر الذي ألّف فيه كتابًا بعنوان: «مزاعم الدكتور البوطي في تبرئة جبابرة الحكام وتأثيم دعاة الإسلام».





