يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

جدلية الصعود والهبوط.. حزب الله في سوريا (1-3)

الإثنين 24/سبتمبر/2018 - 12:26 م
حزب الله
حزب الله
أحمد سامي عبد الفتاح
طباعة
 منذ العام 2011، أصبح حزب الله اللبناني طرفًا أصيلًا في النزاع السوري المسلح، مساندًا للنظام السورى، وقد اتسع نطاق اندماجه العسكري تدريجيًا مع فقدان النظام للمزيد من الأراضي لصالح المعارضة السورية المسلحة، ورغم أن التقارير الدولية تؤكد مشاركة الحزب في الحرب السورية؛ لكنه لم يعلن عن اندماجه العسكري في سوريا إلا في عام 2013، حينما قاد الحملة العسكرية لاستعادة مدينة القصير الواقعة في ريف حمص، بالقرب من الحدود اللبنانية، من قبضة الفصائل المسلحة.
حزب الله في سوريا
حزب الله في سوريا

ويمكننا تفسير اندماج حزب الله اللبناني في النزاع السوري المسلح، من خلال أسباب عقائديَّة حتمت عليه مناصرة النظام السوري، إضافة إلى أخرى عسكرية تتعلق بسعيه الحثيث؛ للحفاظ على خطوط إمداده بالسلاح الإيراني الذي ينقل إليه عبر سوريا، ناهيك عن الامتيازات العسكرية التي يمنحها النظام السوري لحزب الله بتوفيره لمعسكرات تدريب حدودية يستغلها التنظيم في تطوير القدرات العسكرية لعناصره.

ويعكس تدخل حزب الله في سوريا تطورًا نوعيًّا في استراتيجيات حزب الله الدفاعيَّة؛ فبعد أن كان الحزب قرر المكوث في الجنوب اللبناني ومراقبة التحركات الإسرائيلية على الحدود، خاصةً مع زيادة الجاهزية العسكرية لعناصره كأداة رئيسيّة في صراعه مع القوى الخارجية، أصبح لديه جرأة القيام بعمل عسكري هجومي خارج حدود الدولة اللبنانية؛ بغرض تحييد أي مهددات خارجية قد تؤثر على تطوير قدراته الصاروخية التي تمثل ركيزةَ القوة الأساسيَّة بالنسبة للحزب.

 ورغم ردود الفعل السلبية الإقليمية والدولية التي نجمت عن تدخل حزب الله العسكري في سوريا؛ فإن القوى الدولية المناهضة له رأت في نشاطه العسكري خارج حدود لبنان وسيلة لاستنزافه عسكريًًّا وإنهاكه معنويًّا؛ ما يفسر عدم إقدامها على اتخاذ إجراءات مضادة تَحُولُ دونَ تنفيذه لأهدافه العسكرية الخارجية.

ولذلك، تسعى هذه الدراسة إلى التطرق تفصيلًا إلى دوافع حزب الله من خوض غمار الحرب السوريَّة إلى جانب النظام، رغم التحديات المحليَّة والدوليَّة المحيطة بهذا القرار، إضافةً إلى الانعكاسات المختلفة للحرب السوريَّة عليه.  

مقاتلو حزب الله
مقاتلو حزب الله
دوافع الاندماج العسكري

منذ بداية الحرب في سوريا، انتهجت لبنان سياسة «النأي بالنفس» كوسيلة لتجنب انعكاسات الحرب السلبية على أوضاعها الداخلية التي تتسم أساسًا بحالة من الهشاشية المجتمعية (منذ الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي)؛ نتيجة تراخي أواصر الثقة بين مكونيها السُّنِّي والشيعي.

كما أدركت لبنان أن أي موقف ستتخذه من الحرب في سوريا سيُغضب أطرافًا داخلية وأخرى خارجية، فعلى سبيل المثال، لو قررت لبنان الانحياز إلى النظام السوري وحلفائه، فإن ذلك كان ليغضب السُّنَّة في الداخل وحلفاءهم الإقليميين في الخارج، وأبرزهم السعودية، في المقابل، كان من المتوقع أيضًا أن يؤدي الانحياز اللبناني إلى المعارضة السوريَّة المسلحة إلى تفاقم الوضع الأمني الداخلي من خلال احتمالية حدوث مصادمات بين قوات الأمن وحزب الله.
حزب الله
حزب الله
ولم تكن «سياسة الحياد» اللبنانية كافية لردع حزب الله من التدخل في شؤون الدول المجاورة؛ حيث انتهج الحزب مساره الخاص وفق معطيات سياسيَّة رئيسيَّة، وأخرى دينيَّة ثانوية، وعمد الحزب أساسًا من تدخله العسكري في سوريا إلى الحفاظ على خطوط إمداده بالسلاح الإيراني الذي يأتيه عبر سوريا؛ ما يعني أن سقوط النظام السوري يمثل انتكاسة عسكرية لحزب الله دون أن يخوض حربًا، أو يفقد مقاتلًا من مقاتليه.

إضافة إلى هذا، اعتقد حزب الله بوجود مؤامرة دوليَّة تستهدف تدمير ما يطلق عليه «محور الممانعة»، بإفقاد طرفي المحور (إيران وحزب الله) التواصل البيني الذي كان يتم من خلال حلقة المحور الوسطي (سوريا). ويعني ذلك أن سقوط النظام السوري سيجعل الحزب محاصرًا عسكريًّا، خاصةً إذا ما نشأ نظام سُنِّي مناوئ لأنشطة الحزب العسكرية في المنطقة. ويفسر ذلك قرار الحزب بخوض غمار الحرب خارج أرضه للمرة الأولي، في محاولة منه لتحقيق انتصار خارجي يصب في صالح تعظيم قوته داخل لبنان، رغم مخاطر المغامرة غير المحسوبة.
حزب الله في الأراضي
حزب الله في الأراضي سوريا

ويمكن تدعيم هذه الفرضية من خلال تتبع نشاط حزب الله العسكري في سوريا؛ حيث نجد أن الحزب منذ بداية اندماجه العسكري في سوريا قام بتركيز قتاله على المناطق القريبة من الحدود اللبنانيَّة؛ بغرض تأمين واردات السلاح إليه، فنجد أنه اندمج في قتال طويل مع المعارضة السوريَّة في مدينة الزبداني (تبعد عن الحدود السوريَّة اللبنانيَّة 11 كيلومترًا) ليس فقط لأهميتها الاستراتيجية في تأمين العاصمة السورية دمشق من هجمات المعارضة المسلحة، ولكن أيضًا لاحتوائها على أنفاق جبلية سرية اعتاد الحزب استخدامها في نقل السلاح إلى ثكناته العسكرية في سهل البقاع[1].

 ولا يخفي على أحد رغبة حزب الله في إنشاء منطقة نفوذ عسكرية داخل الأراضي السوريَّة توازيًا مع مناطق نفوذه داخل لبنان؛ بهدف إبعاد الأنشطة الجهادية عن القرى الشيعية الحدودية.

وقد يثور تساؤل هنا بخصوص دوافع الحزب المذهبيَّة من التدخل في الحرب السوريَّة، بالتأكيد لعبت هذه الدوافع دورًا في قرار الحزب بالاندماج العسكري، لكنها لم تكن مؤثرة بقدر المسببات السياسيَّة والعسكريَّة، ونعني بذلك أن دوافع الحزب الدينيَّة، مثل حماية مرقد السيدة زينب في دمشق، كانت ضرورية؛ من أجل تعبئة النزعة القتالية لجنوده؛ خاصة بعد أن تم تغيير بوصلة القتال من إسرائيل، وتوجيهها نحو المعارضة السوريَّة المسلحة.

وهنا لابد أن نشير إلى أن تدخلَ الحزب في سوريا كان سيتم حتى لو كان النظام السوري سُنيًّا، طالما أن الأخير شكّل له أداة لتجاوز الأخطار الإسرائيلية والتهديدات الخارجيَّة، ويعني ذلك أن الدوافع الدينية قد وجدت لأجل خدمة الأهداف السياسيَّة والجيوستراتيجية للحزب في سوريا.
 تنظيم داعش في سوريا
تنظيم داعش في سوريا

تجنب استهداف الحزب دوليًّا

صنفت الولايات المتحدة حزب الله جماعة إرهابية، في أغسطس من العام 1997[2]، وأدرج الاتحاد الأوروبي جناح الحزب العسكري على قائمته للإرهاب في يوليو من العام 2013[3]، كما وضعته جامعة الدول العربية على قائمتها الخاصة بالإرهاب في الدورة الـ154 للمجلس الوزاري العربي في عام 2016[4] في القاهرة؛ نتيجة أنشطته المزعزعة لاستقرار العديد من الدول العربية، وأبرزها خلية العبدلي التي كشفت في الكويت في أغسطس 2015، وتخابر أفرادها مع عناصر من الحزب والحرس الثوري الإيراني؛ بهدف القيام بأنشطة إرهابية داخل الكويت، من شأنها زعزعة الاستقرار العام وتكدير أمن المواطنين.

ورغم أن الولايات المتحدة تقود تحالفًا دوليًّا، منذ سبتمبر عام 2014، لمحاربة تنظيم داعش في سوريا والعراق؛ نظرًا لما يمثله من تهديد على الأمن والسلم الدوليين، فإن طائراتها لم تستهدف عناصر الحزب المقاتلة في سوريا، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب، أهمها: رغبة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، في تحقيق إنجاز شخصي من خلال تسوية الملف النووي مع إيران بشكل سلمي من خلال التفاوض، ما كان يعني (في ذلك الوقت) أن استهداف عناصر الحزب في سوريا سوف يزيد من تصلب الموقف الإيراني الرافض لتقديم أي تنازلات، فيما يتعلق بإكمال برنامجها النووي الذي ترى فيه نقلة نوعية في إمكاناتها العسكرية.

الجيش السوري الحر
الجيش السوري الحر
علاوة على ذلك، أفضت سياسة «تعميق الفوضى» التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه الحرب في سوريا منذ بدء الأزمة، والهادفة إلى «استمرارية الحرب» لأطول فترة ممكنة طالما فقدت أمريكا القدرة على التأثير في مخرجات الحرب أو توجيهها بما يخدم مصالحها الخاصة، إلى وجوب مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري؛ لتحقيق نوع من التوازن العسكري مع المعارضة المسلحة التي كانت قد اقتربت من الحسم العسكري ضد النظام في أواخر 2012 وأوائل 2013. وقد كان من المعلوم آنذاك أن تركيا تملك النفوذ الأكبر على ما يسمى بـ«الجيش السوري الحر».

وهناك أسباب فرعية لا يمكن تجاهلها؛ بسبب تأثيرها في مسار القرار الأمريكي تجاه حزب الله، فقد كان بإمكان الولايات المتحدة أن تقوم بقصف مقرات الحزب في سوريا بين الحين والآخر؛ لتظهر الخط المستقيم الذي تتعامل به مع المنظمات الإرهابية دون تفرقة، علاوة على إظهارها مدى أخلاقية سياساتها الخارجية، وإبراز اتساق أفعالها مع رغبات حلفائها الإقليميين في الشرق الأوسط، ناهيك عن تمكين أدواتها الإعلاميَّة الخارجيَّة من الرد على أي اتهامات تتعلق بتراخي الولايات المتحدة عن مواجهة الإرهاب أو سعيها للانتفاع من وجوده.
الرئيس الأمريكي ترامب
الرئيس الأمريكي ترامب

إلا أن اندماج عناصر حزب الله مع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية جعل من استهدافه أمرًا صعبًا، دون أن يمتد الأذي ليصيب عناصر النظام السوري والقوات الإيرانية المرافقة له؛ ما يعني تجاوزًا أمريكيًّا على الخطوط العريضة التي حددتها إدارة أوباما بتجنب التعرض لإيران في سوريا؛ سعيًا لإنجاز الإتفاق النووي، خصوصًا أن إيران تدعي أن وجودها في سوريا جاء بناء على طلب من النظام السوري الذي أعلن مع إيران تكوين حلف دفاعي مشترك في 16 فبراير من العام 2005[5]؛ بهدف مواجهة التهديدات الخارجية المشتركة بعدما تم توجيه اتهامات لسوريا بالتورط في تنفيذ عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، التي وقعت في 14 فبراير من العام 2005.  

إضافة إلى ذلك، اعتبرت الولايات المتحدة أن أي اعتداء على قوات النظام دون تفويض من مجلس الأمن، قد يدفع حزب الله وحلفاءه (إيران) للرد بشكل يمثل تقويضًا للأمن الإقليمي للمنطقة.
السلاح الكيميائي
السلاح الكيميائي في سوريا

ولا يمكننا أن نغفل عن سياسة «تركيز النشاط» التي تنتهجها الولايات المتحدة في تعاملها مع التهديدات الإرهابية الخارجية.، ويقصد بذلك، أن الولايات المتحدة لم ترد أن تدفع فاتورة مواجهة الإرهاب الدولي (داعش) في سوريا بمفردها، بل أرادت الحفاظ على وحدة «التحالف الدولي لمحاربة داعش» الذي ربما قد تتقلص فعّاليته نتيجة قيام الولايات المتحدة بمغامرة عسكرية غير محسومة العواقب في المنطقة.

ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن المملكة المتحدة (حليف الولايات المتحدة الوثيق) قد عارض مجلس عمومها توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري في العام 2013، على إثر دعاوى استخدامه للسلاح الكيميائي؛ ما يكشف عدم اعتزامها إجراء أي مغامرة عسكرية في سوريا بصورة قد تؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنيَّة في المنطقة بطريقة لا يمكن السيطرة عليها.

كما اعتقدت الولايات المتحدة أن مشاركة حزب الله في مغامرة عسكرية خارج حدود أرضه للمرة الأولى منذ نشأته في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ستُسهم في استنزافه بشريًّا ومعنويًّا؛ خاصةً مع إطالة أمد الحرب لفترة لم يتوقعها الحزب.


[1]  أحمد سلوم، اتحاد الديمقراطيين السوريين، مدينة الزبداني وأهميتها الاستراتيجية، http://sdusyria.org/?p=14315

[2] USA Department of State, Foreign terrorist organizations, https://www.state.gov/j/ct/rls/other/des/123085.htm

[3]  سكاي نيوز عربية، أوروبا: حزب الله على قائمة الإرهاب، https://www.skynewsarabia.com/middle-east/351286-%D8%A7%D9%94%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%82%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%95%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8

[4]  رويترز، جامعة الدول العربية تصنف حزب الله منظمة إرهابية، https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKCN0WD1MR

 

[5] The Guardians, Iran and Syria confront US with defense Pact, https://www.theguardian.com/world/2005/feb/17/usa.syria

 
"