جاءت الرياح بما تشتهي مصر.. دوافع وتبعات تأخر «سد النهضة»
الإثنين 27/أغسطس/2018 - 11:34 ص

سد النهضة
محمد الدابولي
في سابقة هي الأولى من نوعها، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي «أبي أحمد علي» خلال مؤتمر صحفي تأخر اكتمال مشروع «سد النهضة» المزمع افتتاحه خلال العام الحالي؛ نظرًا لتأخر الشركة المحلية (Metals and Engineering Corporation (METEC «شركة ميتيك»، في تنفيذ الإنشاءات المطلوبة منها.
في الوقت نفسه تطالب «شركة ساليني» الإيطالية تعويضات من الحكومة الإثيوبية؛ بسبب تأخر الشركة المحلية عن تنفيذ المطلوب منها، مضيفًا أن السد قد لا يرى النور بسبب المشكلات الفنية والمالية؛ لأن الشركة المحلية العاملة في المشروع ليس لها أي خبرة في بناء السدود.

أبي أحمد
أوجدت تصريحات «أبي أحمد» مشاعر متضاربة بين دول حوض النيل، فمن ناحيةٍ شَعَرَ الشعب الإثيوبي بنذير شؤم حول عدم إمكانية اكتمال السد الذي عُدَّ لسنوات طويلة من الزمن «حُلمًا قوميًّا» روَّجه الإعلام الإثيوبي، ومن ناحية أخرى تنفس الشعب المصري الصعداء الذي كان يَعْتبر مشروع سد النهضة خطرًا على الأمن القومي المصري، لخصمه جزءًا من حصة مياه مصر، في الوقت الذي دخلت فيه القاهرة حالة العجز المائي الشديد.
ما بين المشاعر المتضاربة بين شعوب حوض النيل، تدور في الكواليس العديد من التحليلات والتفسيرات حول الأسباب الحقيقية لتعطل أو توقف مشروع سد النهضة، وما التبعات التي سيحملها هذا التطور، خاصة في ظلِّ الأنباء المتواترة عن زيارة وزير الخارجية المصري «سامح شكري»، ورئيس جهاز المخابرات المصرية «اللواء عباس كامل» اليوم الإثنين 27 أغسطس 2018، إلى إثيوبيا، أي بعد 48 ساعة فقط من تصريحات «أبي أحمد» حول سد النهضة.

سد النهضة
في حديثه، حاول «أبي أحمد» الربط بين تأخر اكتمال السد، وما يجري على الساحة السياسية في البلاد، موضحًا أن الاضطرابات الإثنية التي تشهدها البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية (اضطرابات الأوجادين) من شأنها عرقلة عملية التنمية والتقدم في البلاد، كاشفًا عزمه الشديد على اكتمال تجربة الإصلاح السياسي بإجراء الانتخابات البرلمانية 2020 بكل حيادية ونزاهة، متعهدًا بالاستقالة في حال عدم نجاحه في الانتخابات.
أولًا.. دوافع أخرى
بعيدًا عن التبريرات التي يسوقها «أبي أحمد» حول عدم اكتمال السد، يمكن قراءة العديد من الأسباب والدوافع الأخرى غير المرئية، التي حالت دون إتمام بناء السد، ومنها على سبيل المثال:
تفاقم الاضطرابات الإثنية
كشف تأخر «شركة ميتيك» في تنفيذ المطلوب منها، حجم الحرب الاقتصادية التي تشنُّها الجماعات الإثنية الإثيوبية ضد بعضها البعض، فخلال العقدين الماضيين حاولت «جبهة تحرير التيجراي» (TPLF) السيطرة على الاقتصاد الإثيوبي من خلال السيطرة على الشركات الحكومية، مثل شركة ميتيك أو إنشاء صندوق إعادة تأهيل التيجراي (EFFORT) Endowment Fund for the Rehabilitation of Tigray الذي يضم عددًا من الشركات المحتكرة للسوق الاقتصادية الإثيوبية.
لذا يمكن استنتاج أن إثيوبيا تواجه تمردًا اقتصاديًّا تشنُّه الجماعات غير المتوافقة مع النظام السياسي، عبر تعطيل الإنشاءات الحيوية المهمة؛ الأمر الذي قد يسبب الإحراج السياسي لرئيس الوزراء الجديد «أبي أحمد» الذي كان ينتظر قطف ثمار مشروع سد النهضة خلال عامه الأول من الحكم.
وما يعزز أيضًا فرضية تعطيل المشروع لإحراج النظام السياسي ما حدث خلال الشهور الماضية من محاولات تعطيل إكمال مشروع سد النهضة، مثل اغتيال مدير مشروع سد النهضة «سيمجنيو بيكلي» في ميدان مسكل، وسط أديس أبابا، في يوليو 2018، وقبل اغتيال «بيكلي» تم اغتيال «ديب كمارا» في مايو 2018، الذي يمتلك «مصنع دانجوت للأسمنت» المورد الأول للأسمنت الخاص بالمشروع، ولم تكشف التحقيقات الإثيوبية دوافع وملابسات اغتيال الشخصيتين المذكورتين.
إضافة إلى ذلك، مرَّت الشركة بحالة من الاضطراب الإداري منذ بداية عام 2018؛ ما عكس حالة الاضطراب السياسي الذي مرت به الدولة خلال الفترة الماضية، ففي يناير 2018 تم تعيين Demeke Mekonnen رئيسًا جديدًا لمجلس إدارة الشركة، وفي أبريل 2018 قدم مدير عام الشركة Major-General Kinfe Dagnew استقالته إلى رئيس الوزراء الجديد «أبي أحمد»، وتم تعيين وزير التجارة السابق «بيكيلي بولادو» مديرًا عامًّا جديدًا، كما تم إجراء عملية تغيير واسعة في مجلس إدارة الشركة في نهاية مايو 2018 عبر تعيين وزير الصناعة Ambachew Mekonnen رئيسًا لمجلس الإدارة، ورغب أبي أحمد وقتها إلى محاربة ما يسمى المحسوبية والفساد في الشركة، فإضافة إلى التغييرات الهيكلية في الشركة تم إلغاء عقد مصنع السكر، ومراجعة عقد إنشاء مجمع للأسمدة تابع للشركة؛ لذا قد يأتي تأخر الشركة في تنفيذ السد ردًّا على تقويض أبي أحمد لأذرع الفساد داخل الشركة.
تنويع الأولويات القومية
يمكن إرجاع تأخر إثيوبيا في إكمال مشروع سد النهضة إلى بروز أولويات جديدة في منظومة الأولويات القومية الإثيوبية، ظهرت نتيجة تحركات وسياسات «أبي أحمد»، مثل إجراء مصالحة سياسية مع كل الجماعات الإثنية في البلاد، والقضاء على الفساد والمحسوبية، فضلًا عن تصفير المشكلات مع دول الجوار كإريتريا والصومال، وضمان دخول إثيوبيا إلى موانئ الصومال وإريتريا بكل سهولة ويسر، وعودة الأسطول البحري الإثيوبي من جديد، فإثيوبيا في عهد أبي أحمد نجحت في تنويع أولوياتها القومية، وعدم الاقتصار فقط على إنجاز مشروع سد النهضة.
تفاهمات إقليمية
يمكن القول: إن مسألة تأخر إثيوبيا في إتمام السد لأي اعتبارات (اعتبارات فنية ومالية)، تخدم التفاهمات والترتيبات السياسية في منطقتي القرن الأفريقي وحوض النيل، فمن المعروف أن هناك تفاهمًا وترتيبًا إقليميًّا برعاية إماراتية يشمل تكوين تحالف سياسي يضم «مصر وإثيوبيا وإريتريا» هدفه مواجهة النفوذ «القطري والتركي» في منطقة القرن الأفريقي، وهو ما يمكن تفسيره بسِرِّ زيارة وزير الخارجية ورئيس المخابرات المصريين إلى أديس أبابا، رغم نفي وزارة الخارجية الارتباط بين الزيارة وتصريحات أبي أحمد.

سد النهضة
ثانيًّا.. تبعات محتملة
من المؤكد أن تصريحات «أبي أحمد» الأخيرة حول تأخر افتتاح سد النهضة واحتمالية فشل المشروع ستحمل العديد من التبعات سواء كانت داخلية أو إقليمية، منها على سبيل المثال:
كشف الزيف الإثيوبي
كشفت تصريحات «أبي أحمد» الأخيرة، زيف التصريحات الإثيوبية فيما يتعلق بسد النهضة، فخلال العامين الماضيين يمكن ملاحظة تضارب التصريحات الرسمية حول نسبة اكتمال السد، فمثلًا في مايو 2016 أعلن وزير الاتصالات والإعلام الإثيوبي «جيتاشو رضا»، أن بلاده أوشكت على إكمال 70% من بناء السد، وفي نوفمبر 2017 أعلن وزير الري الإثيوبي «سيليشي بيكلي» أن بلاده أتمت 63% من حجم السد، فيما أعلن بنك التنمية الإثيوبي في مايو 2018 أنه تم إكمال بناء السد بنسبة بلغت 66%، التضارب السابق يكشف تعمد أديس أبابا تصدير معلومات مغلوطة عن السد ودوره في عملية التنمية.
إضعاف التسويق السياسي
منذ تدشين المشروع عام 2011 في عهد ميليس زيناوي، وتعمد الحكومة على استغلاله في التسويق السياسي لها باعتباره القاطرة الذهبية التي ستقود التنمية والنمو في البلاد، ومن المؤكد أن «أبي أحمد» كان يطمح لافتتاح المشروع أملًا في مزيد من التسويق السياسي لحكومته وتحركاته سواء في داخل إثيوبيا أو في منطقة القرن الأفريقي، لكن بعد التصريحات الأخيرة سيفتقد «أبي أحمد» رافعة سياسية واقتصادية مهمة يمكن استغلالها في الترويج لسياساته وتحركاته الداخلية والإقليمية.
تخفيف الأزمة مع القاهرة
في هذه المرة تأتي الرياح بما تشتهي السفن، فخلال الفترة الماضية أغلب التحليلات ذهبت إلى وجود ورطة دبلوماسية وسياسية يعاني منها المفاوض المصري في مفاوضات سد النهضة، وأن الموقف التفاوضي الإثيوبي أفضل بكثير من نظيره المصري؛ لذا قد يأتي الموقف الأخير لتحسين موقف المفاوض المصري، ويدفع نحو تعزيز التعاون بين القاهرة وأديس أبابا.
كما سيؤثر تأخر بناء السد على المشهد السياسي الداخلي في مصر بالإيجاب، فمن ناحية سيعمل على تطمين الشعب -ولو مؤقتًا- من المخاطر المحتملة للسد، ومن ناحية أخرى سيمثل ضربة للتيارات الراديكالية المصنفة إرهابية كـ«جماعة الإخوان» التي تحاول أجهزتها الإعلامية الترويج إلى فشل الحكومة في التعامل مع الأزمة، واتهام الرئيس عبدالفتاح السيسي بالموافقة على بناء السد من خلال توقيعه على اتفاقية إعلان المبادئ بين مصر وإثيوبيا في مارس 2015 وتقليل حصة مصر من مياه النيل.
الحصول على التمويل الدولي
قد يؤدي تأخر بناء السد مع مصاحبته لتوافق مع مصر إلى تعزيز فرص إثيوبيا في الحصول على مزيد القروض والمعونات المالية من الجهات المانحة الدولية، مثل البنك الدولي الذي وافق أخيرًا على منح إثيوبيا قرضًا قيمته مليار دولار.