مصادر التمويل الصوفي.. عطايا ونفحات في حب الطريقة
الأربعاء 22/أغسطس/2018 - 10:40 ص
محمود رشدي
في حلقة ذكر يتمايل الهائمون ناطقين بأذكار في حب الله ورسوله، زاهدين في الدنيا وممتلكاتها، يتجمع حولها عدد كبير من العامة يستمعون بكل إنصات لذكر النبي، مستشفعًا الأولياء إذا أذنب، داعيًا الله في حضرتهم أن يقيل عثراته.
في الآونة الأخيرة خرجت الصوفية من صومعتها الروحانية، لتشارك الناس حياتهم عن طريق داعميها ومريديها، ولأن للطرق الصوفية مكانة خاصة لدى قلوب العامة، فهى تلمس الوجدان وتنحو بعيدًا عن الغلو والتطرف، فقد حُملت إليها الهدايا والتبرعات، وهنا يثار تساؤل حول مصادر الدعم المادي للطرق الصوفية، وهل هو طريق التبرعات فقط أم أن هناك طرقًا أخرى؟.
تتعدد مصادر تمويل الطرق الصوفية، من الاشتراكات الشهرية لمريديها، وعطايا ونفحات محبيها، إلى تلقي التبرعات الخارجية، بالإضافة إلى حصتها من صناديق النذور التي توجد في المساجد الكائنة بجوار الأضرحة، ولهذا يشترك باحثو الملف الصوفي في صعوبة التوصل لأية معلومات دقيقة بأرقام تفصيلية فيما يخص مصادر التمويل، إذ يعتبرها أمير الطريقة جزءًا من أسرار الصوفية ومشايخها، لا يجوز البوح بها.
صناديق النذور
تعتبر صناديق نذور المساجد من أهم القنوات المالية التي تحصل بها الطرق على الدعم المالي، وتوضع غالبًا بجوار الأضرحة، ويعتقد العامة أن تلك الأموال ستقضي حاجتهم أيًا كانت سواء شفاء مريض، أو الرزق بمولود، أو تيسير أمر ما، وبالنسبة لمصر، تنشر صناديق النذور على مستوى الجمهورية وتخضع لإشراف وزارة الأوقاف، وفي تقديرات غير رسمية تضم مصر ما يقرب من 6 آلاف ضريح.
وتضم القاهرة وحدها نحو 90% من أضرحة آل البيت(1)، ومعظم الأضرحة في مصر(2)، غير مصرح بها من قبل وزارة الأوقاف، وتنتشر في القرى والأقاليم، ولا تراقبها الوزارة ولا تعرف عنها شيئًا، ووفقًا للقرار رقم 52 لسنة 1998 تُفتح صناديق النذور التابعة لوزارة الأوقاف كل أسبوع أو شهر أو سنة، حسب المسجد عن طريق مديريات الأوقاف(3).
وتتوزع أموال النذر على جهات عدة من بينها: وزارة الاوقاف،، والأزهر، ووزارة الثقافة، إضافة إلى المجلس الأعلى للطرق الصوفية الذي يحصل على 10% من حصيلة تلك الأموال، وتقدر حصيلة تلك الأموال بما يتراوح ما بين 20-40 مليون جنيه سنويًا، ومنها تخرج حصة المجلس الأعلى للطرق والتي تصل لمتوسط 4 ملايين (10% من الحصيلة).
مسجد السيدة زينب
وبحسب شهرة المسجد وحب مريدينه، تأتي حصيلة الصناديق ومعها عدد مرات الفتح في العام، فهناك مساجد تدر أكبر نسبة من صناديق النذور وعلى رأسها «الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة بالقاهرة، والمرسي أبو العباس بالإسكندرية، والفولي بالمنيا، وأحمد البدوي بطنطا»، وعدد كبير من صناديق نذور تلك المساجد يفتح كل أسبوع أو أسبوعين، أو شهر، وخلال الموالد (4)، والمناسبات الرسمية كشهر رمضان المبارك يكون موعد فتحها بشكل أسرع، فعلى سبيل المثال، يفتح صندوق مسجد الحسين كل أسبوع عقب صلاة الجمعة(5).
وحسب العائد الذي تدره تلك الصناديق قسمتها وزارة الاوقاف لفئتين: الفئة "أ" والتي تضم المساجد الأعلى عائدًا وعلى رأسها المساجد سالفة الذكر، أما الفئة "ب" فتضم المساجد الأقل عائد من الفئة الأولى، وتزداد عوائد تلك الصناديق في الموالد الخاصة بها، مثل مولد الحسين في شهر ربيع الثاني من التقويم الهجري، ومولد السيدة زينب من شهر جمادى الأول. وعلى سبيل المثال أدر مولد السيدة زينب من هذا العام ما يقرب من المليوني جنيه(6).
الدعم الداخلي
تأتي التبرعات والتمويل الداخلي لمريدي الطرق الصوفية من أولي القنوات لدعم أنشطة الصوفية، إذ اعتمدت الصوفية بالأساس على الاكتفاء الذاتي لأفرادها في البداية، وأن يقوم المتصوف بإعانة نفسه من المأكل والمشرب، وبعد ان انتشرت الصوفية وكثُر عدد مريديها، والتي يصعب تحديد أعدادهم، إذ لا توجد أرقام رسمية تحدد أعداد المتصوفين، بالإضافة لكون المريد ممكن أن ينضم لأكثر من طريقة في ذات الوقت، وتتعرض الطرق للزيادة والنقصان باستمرار.
ولكن هناك إحصاءات لعدد الطرق نفسها تنحصر في 74 طريقة، منها 41 طريقة في القاهرة، وأشهرها الطريقة الرفاعية والشاذلية، ويقدر أعداد مريدي الطريقة العزمية على سبيل المثال بأكثر من 500 ألف مريد(7). وكثير من المريدين يخصصون جزءًا من أرباح مشروعاتهم للطريقة التي يتبعون لها وتتراوح ما بين 100 جنيه للمتصوف العادي و1000 للأثرياء من محبي الطريقة.
بجانب دعم المريدين لطرقهم ومشايخهم، توسع الأمر ليشمل محبي الطرق من رجال الأعمال والأثرياء في تمويل مقاراتهم واحتفالاتهم وانتقالات المشايخ وطرقهم في الداخل المصري وخارجه، واعتاد محبو الطرق من الأثرياء إقامة الحفلات الدورية مصحوبة بإعانات مادية ونقدية لشيخ الطريق المنتمي لها(8).
النفحات
مصطلح تتداوله بكثرة الطرق الصوفية وخاصة في الموالد المقامة عن الأضرحة أو على قبور الأولياء، فقد تكون النفحة طعامًا كرغيف خبز وقطعة لحم، وقد تكون عبارة عن سبحة أو جلباب، وقد تكون مبلغًا بسيطًا من المال يعطى للحاضرين، أو يعطى لشيخ الطريقة، وتختلف الطرق في نفحاتها، والتي قد تتضمن عطرًا يوضع على اليد، أو لمسة للضريح، وقد يكون نظرة من الشيخ (9).
وتختلف طبيعة النفحة، فقد تكون مرئية وغير مرئية، ملموسة أو غير ملموسة، والنفحة قد تكون بمقابل مادى أي مشتراة، وقد تكون على شكل هدية بدون مقابل، وباختصار فإن النفحة الصوفية وجدت لها مكانة ما بين الهدية والسلعة؛ إذ أن الهدية تعطى بدون مقابل، عكس السلعة، فالهدية تجمع ما بين الإهداء بدون مقابل، وما بين اتخاذها كسلعة، وقد تكون هدية من الولى (صاحب الضريح) ولكنها مبيعة من شيخ الطريقة القائم على المقام، فقد تكون هدية في وقت، وسلعة في وقت آخر.
ولذا اعتبرت النفحة جزءًا من مصادر التمويل الصوفي، تلك النفحات التي تدر مبالغ من المال لشيوخ الطرق، والتي لايعلم عن مقدراها سوى شيخ الطريقة فقط، ويعتبر افشاؤها مفسدة للجانب الروحاني للنفحة(10).
العطايا
على الرغم من نشأة الطرق الصوفية بمعزل عن العالم، والصراعات الدنيوية حول السلطة وحيازة ممتلكات، ونأت بنفسها عن كل تلك الملذات لعالم آخر روحاني، يزهد فيه المتصوف كل متاع الدنيا متعبدًا لله، مما جعل للطرق الصوفية مكانة مرموقة لدى مريديها ولدى العامة، وبالتالي جلبت لهم رعاية تامة من المواطنين والأنظمة الحاكمة، ملقيًا في نفوسهم حب وتبجيل لتلك الطرق والرجوع إليهم في شوؤن دينهم خاصة في الأزمات المجتمعية والصراعات السياسية(11).
الدعم الخارجى
على امتداد سنوات العقد الماضي ركزت الإدارة الأمريكية على الجماعات الصوفية بمنطقة الشرق الأوسط، ودول أوروبا وأمريكا، ومبعث هذا الاهتمام هو حرص الولايات المتحدة على استبدال التيار المتشدد متمثلًا في الإخوان والسلفيين، بتيار آخر معتدل يمكن أن يمثل الإسلام ويخضع لمرونة السلطات السياسية في فصل الدين عن الدولة، والقبول بآلية الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة بعيدًا عن منهجية التغيير بالعنف التي تنتهجها التيارات المتشددة.
وعليه، فقد خصصت الإدارة الأمريكية صندوقًا لدعم الطرق الصوفية في المنطقة ويسمي «صندوق السفراء الأمريكيين لصيانة الثقافة»، ومن خلاله تقدم منحًا مالية لترميم بعض المعالم التاريخية الثقافية، من بينها مساجد قديمة وأضرحة لشخصيات من التيار الصوفي(12).
وهناك آليات لتمويل التيار الصوفي والتي جاءت ضمن مبادرات وصناديق تحت عنوان نشر الديمقراطية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وتم تخصيص تلك المشاريع لدعم التيار الصوفي وأنشطته، وعلى سبيل المثال مبادرة الشرق الأوسط، وبرنامج الوقف الوطني للديمقراطية «برنامج ديمقراطية المسلمين» (13).
أنشطة اقتصادية
تعتمد بعض الطرق الصوفية على الأنشطة الاقتصادية التي تتبع مشايخها، وتتنوع الأنشطة ما بين الزراعة والتجارة، فعلى سبيل المثال تمتلك الطريقة «الدندراوية» فى محافظة قنا، بحسب تقرير نشرته صحفية «الوطن» المصرية، 3000 فدان بصحراء المراشدة يقوم أتباع الطريقة بزراعتها وغيرها من عشرات الأفدنة فى الجبلاو وقرية دندرة، وأن مؤسس الأسرة الشيخ أبوالفضل كان يمتلك شركة لاستصلاح الأراضى، بالإضافة إلى تمويلات تتدفق عليهم من محبيهم في الخارج، خاصة الدول العربية مثل السعودية(14).
كما كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن الأنشطة الاقتصادية والمالية للطريقة «المريدية» بالسنغال، وذلك علي خلفية تقرير أعدته الصحيفة بمناسبة نشاط سنوي تقيمه الطريقة باسم «معقل طوبي»، الذي ينظم كل سنة، ويعتمد مصدرها الأساسي في التمويل على الزراعة، يليها، النشاط التجاري للاحتقال السنوي الذي يوفد إليه سنويًّا ما بين 3 و 5 ملايين زائر (15).
وبالتالى تجمع الطرق الصوفية في مصادر تمويلها ما بين المصادر الرسمية والمصادر غير الرسمية، فتمثلت الأولى في صناديق النذور، وتمثلت غير الرسمية في باقى المصادر من الدعم الداخلى والعطايا، والنفحات، والتبرعات الخارجية.
1- مصطلح اسلامي يشير إلى جماعة من أقرباء النبي محمد ذكرهم القرآن في آية بسورة الاحزاب "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا" سورة الأحزاب.
2- عبدالعظيم أحمد عبدالعظيم، مرقد آل البيت في مدينة القاهرة، كلية آداب، قسم جغرافيا، جامعة دمنهور، دراسة ميدانية متوفرة على الرابط التالي http:www.damanhour.edu.egpdfartsfac%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%AF%20%D8%A2%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA%20%D9%81%D9%89%20%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9.pdf
3- دعاء مهران، صناديق “النذور”.. آخر مسكنات الأزمة الاقتصادية في مصر، إرم نيوز، متوفر على الرابط التالي https:www.eremnews.comnewsarab-worldegypt705498
4- هو مصطلح شعبي يطلق على احتفالية دينية شعبية لإحياء تخليد ذكرى ميلاد شخصية دينية، أو احد أولياء الله، وانتشر المصطلح ضمن مفردات التيار الصوفي في بعض الدول، للتعبير عن الاحتفال بذكرى مولد النبي محمد، أو أحد صحابيه أو تابيعيه، أو آل البيت، وتوسع المفهوم ليصبح ظاهرة فلوكلورية أصبحت ضمن الثقافة الشعبية للمجتمعات العربية التي ينتشر بها التيار الصوفي بالأساس.
5- إيهاب عطا، صناديق النذور...ملايين الجنيهات ومشغولات ذهبية... البوابة نيوز، متوفر على الرابط التالي http:www.albawabhnews.com2016528
6- ايهاب عطا، صناديق النذور، موقع البوابة نيوز، متوفر على الرابط التالي http:www.albawabhnews.com2016528
7- أبو الفضل الإسناوي، الطرق الصوفية في مصر وموقف الشارع المصري منها، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، دراسة منشورة على شبكة الانترنت متوفرة على الرابط التالي https:www.cia.govlibraryabbottabad-compound434365040A22418BD418BEAC917
8- خلود خالد، الطرق الصوفية في مصر: دراسة حالة الطريقة العزمية، مجلة الملف المصري صادرة عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، شهر أغسطس، 2017.
9- صلاح الدين حسن، النفحة.. عندما تتحول "العطية الإلهية" إلى مفسدة، مركز حفريات، منشور على الرابط التالي https:www.hafryat.com%D9%85%D9%86%D8%B4%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%A
10- آلاء عطية، نفحات المولد، مركز حفريات، منشور على الرابط التالي https:www.hafryat.comsitesdefaultfilesmdgwt_nfht_lmwld.pdf
11- عبد الرزاق المجبري، المدينة الإسلامية وتطورها من خلال رحلتي ابن جبير وابن بطوطة، مجمع الأطرش للنشر، كتاب متوفر على شبكة الانترنت على الرابط التالي https:books.google.com.egbooks?id=6aM8DwAAQBAJ&printsec=frontcover&hl=ar#v=onepage&q&f=false
12- العبور الأمريكي عبر الزوايا الصوفي، أعداد مركز الأبحاث والدراسات، مجلة البيان، عدد أغسطس 2013، متوفر على الرابط التالي https:www.muslim-library.comdlbooksar5833.pdf
13- عبارة عن برنامج لوزارة الخارجية الأمريكية لتشجيع وتحفيز التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، عبر دعم أنشطة المجتمع المدني، وتشجيع المشاريع الصغيرة، وتوسيع المشاركة السياسية.
14- الخليج ورجال الأعمال فى خدمة صناديق نذور الطرق الصوفية، الوطن، متوفر على الرابط التالي https:www.elwatannews.comnewsdetails1581957
15- Marion Guénard، Au Sénégal، les réseaux très prospères de la confrérie mouride، LeMonade afrique Disponible sur le lien suivant https:www.lemonde.frafriquearticle20151216au-senegal-les-reseaux-tres-prosperes-de-la-confrerie-mouride_4832986_3212.html
