ad a b
ad ad ad

التغيرات المناخية وتأثيرها على استقرار الشرق الأوسط

الخميس 23/أغسطس/2018 - 04:48 م
التغيرات المناخية
التغيرات المناخية
محمد عمر
طباعة
يعيش العالم حاليًا حالة من التغيرات المناخية خاصة الاحتباس الحراري، وهو ما أثر بشكل كبير على البيئة محدثًا الكثير من الكوارث والمخاطر، مثل انتشار الجفاف وارتفاع درجة حرارة الأرض وقلة المياه، فمثلًا ضربت موجة من التغيرات المناخية القارة الأوروبية هذا العام، التي نادرًا ما تشهد هذه الظواهر من انتشار للجفاف واندلاع الحرائق نتيجة ارتفاع درجة الحرارة، أما منطقة الشرق الأوسط فهي أكثر المناطق عرضة للتغيرات المناخية.

وسيتسبب ذلك في وجود حالة من الصراع مستقبلًا على الموارد خاصة المياه نظرًا لمحدوديتها مقارنة بأوروبا، فمعظم المنطقة العربية تعيش حالة فقر مائي، وقد حذرت الكثير من التقارير إلى الأزمات التي تنتظر الشرق الأوسط نتيجة للتغيرات المناخية.
التغيرات المناخية

لماذا الشرق الأوسط الأكثر تضررًا من التغيرات المناخية؟
أعادت موجة التغيرات المناخية التي ضربت القارة الأوروبية مؤخرًا، النقاش حول التهديدات التي تنتظر مناطق أخرى من العالم هي بطبيعتها مناطق أكثر جفافًا وتعاني ندرة في الموارد المائية وارتفاع درجات الحرارة. 

فالدول الأوروبية التي يكسوها الثلج معظم أيام السنة ولديها وفرة في المياه، شهدت كوارث متعددة مثل الجفاف الذي تسبب في خسائر فادحة في الثروة الحيوانية والزراعية، قدرت بالمليارات كما في ألمانيا واليونان وبريطانيا وأستراليا، فكيف يكون الحال بمنطقة مثل الشرق الأوسط التي تشهد بالفعل منذ سنوات الصراع على الموارد المائية المتمثلة في بعض الأنهار الدولية المشتركة، بخلاف قلة الأمطار والمراعي.

وسبق أن حذرت العديد من التقارير الدولية المتخصصة من التغيرات المناخية التي سيتعرض لها الشرق الأوسط خاصة الدول العربية، ففي تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2015، حذر من أن منطقة الشرق الأوسط ستكون أكثر الأماكن تضررًا من التغيرات المناخية، الناتجة عن عمليات التطور الصناعي المتسارعة خلال العقود السابقة، ما تسبب في زيادة الاحتباس الحراري ورفع درجة حرارة الأرض 1.2 درجة مئوية(1).

ونتيجة استمرار الانبعاثات الغازية حول العالم، سيشهد كوكب الأرض المزيد من التغيرات المناخية، فيما تعتبر الدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين أكبر المتسببين في هذه الانبعاثات، بينما ستكون المنطقة العربية هى المتضرر الأكبر رغم أن معدل الانبعاثات الكربونية بالمنطقة لا تتجاوز 5% من انبعاثات الغازات في العالم، ونتيجة ذلك تعيش المنطقة حالة من ارتفاع درجات الحرارة، تسببت في اتساع موجات الجفاف والتصحر.
التغيرات المناخية

ومن ناحية أخرى حدوث فيضانات وسيول مفاجئة نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر بسبب ذوبان الجليد من المحيط القطبي، ومن المتوقع أن تزيد درجات الحرارة في فصل الصيف بمعظم الدول العربية 8 درجات مئوية في مناطق من الجزائر والسعودية والعراق في نهاية القرن الحالي.

أما بالنسبة للمناطق الواقعة على سواحل البحر المتوسط، فإنها معرضة للاختفاء نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار، مثل مدن نواكشوط بموريتانيا، وبنغازي في ليبيا، فمنسوب المياه في البحر المتوسط يزيد ثمانية ميللتر سنويًّا.

وبخلاف تسبب زيادة درجات الحرارة في انتشار الجفاف والتصحر، سيؤدي أيضًا لانتشار الأوبئة والأمراض التي تنتج عن ارتفاع درجة حرارة الجو مثل حمى الضنك والملاريا والكوليرا كما حدث مؤخرًا في اليمن، وبعض الدول الأخرى، وما تلبث أن تختفى هذه الأمراض حتى تعود مجددًا، لأن سببها الرئيسي بقي دون تغير بل يتجه نحو الأسوأ.

ونتيجة لقلة سقوط الأمطار والصراع على مياه الأنهار الآخذة في التناقص مقابل زيادة عدد السكان، ستشهد دول المنطقة نقصًا غذائيًّا حادًا خلال السنوات المقبلة مثل الأردن وليبيا والمغرب، فمن المرجح أن تنخفض المحاصيل الزراعية بنحو 30% بحلول عام 2050 إذا وصلت درجات حرارة الأرض ما بين 1.5 و 2 درجة مئوية، بسبب قلة المياه وزيادة ملوحة الأراضي نتيجة اختلاط مياه البحر بالأراضي الزراعية مثلما يحدث في دلتا مصر ودول الشمال الأفريقي، فالدلتا معرضة نحو 25% من مساحتها للغرق نتيجة التغيرات المناخية، بخلاف تقليل خصوبة الأراضي المتبقية الصالحة للزراعة(2).
التغيرات المناخية

التغيرات المناخية ودورها في زيادة التوتر بالشرق الأوسط:
نظرًا لحالة الجفاف وقلة المياه التي دخلت فيها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، شهدت المنطقة توترات واسعة في هذا الشأن سواء داخل الدولة الواحدة أو بين الدول التي تشترك في نهر واحد، مثل العراق وتركيا وإيران، فقد استغلت أنقرة الظروف التي تمر بها العراق حاليًا، للسطو على مياه نهر دجلة، عبر حجز كميات ضخمة من المياه خلف سد «إليسو» الذي أنشئ على نهر دجلة، في يونيو 2018 مما أدى إلى انخفاض كميات المياه المتدفقة بنسبة 50 %، والتسبب في جفاف الكثير من الأراضي العراقية(3).

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فإيران بدورها حولت مسار أنهار وجداول مائية تتدفق باتجاه العراق لتحصرها داخل أراضيها فقط، لتوقف تدفق المياه التي تغذي نهر الزاب المتجه للعراق، الذي يعتبر أحد ثلاثة روافد رئيسية لنهر دجلة، ما أثر على أهم المناطق بجنوب العراق.

ونظرًا لاعتماد بلاد الرافدين على نحو 70% من مياهها من خارج حدودها، فإنها ستواجه حالة من الصراع مستقبلًا مع جيرانها رغم النفوذ الإيراني الآن داخلها، بخلاف التدخلات التركية وحالة الضعف التي يمر بها العراق بشكل عام، فنحو ربع مليون هكتار من الأراضي العراقية تصحرت بسبب الجفاف وقلة المياه، بجانب هجرة الكثير من العراقيين في الجنوب لقراهم نتيجة الشح المائي.

وبجانب العراق، استغلت تركيا أيضًا الأوضاع التي تمر بها سوريا لتخصم من حصصها المائية، فقد خفضت أنقرة في فبراير 2018، مياه نهر الفرات عن الأراضي السورية، ما أثر على شمالي البلاد التي تسعى تركيا للسيطرة عليها بزعم محاربة الجماعات الكردية المسلحة.

وسيهدد هذا الانخفاض مليوني نسمة من سكان محافظة حلب التي تعتمد على نهر الفرات في الشرب أو الري، بجانب التأثير على انقطاع الطاقة الكهربائية، بخلاف محافظات أخرى مثل دير الزور والرقة(4).

وتأتي التحركات التركية سواء في العراق أو سوريا ضمن مشروعها المائي «مشروع جنوب شرق الأناضول»، والذي تعمل أنقرة على تنفيذه منذ سنوات، ولم تجد ظروفًا أفضل من تلك التي يعيشها السوريون والعراقيون الآن.

كذلك تسعى إسرائيل لجلب المياه العذبة من الأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا وجنوب لبنان، لأنها تعاني فقرًا مائيًا شديدًا، نتيجة التغيرات المناخية التي تضرب المنطقة منذ سنوات، فإسرائيل تجلب من الأراضي السورية فقط، نحو 813 مليون متر مكعب مياه سنويًا، ويقارب هذه النسبة مسلوب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونظرًا لاستمرار سرقة مياه الدول العربية، أصبح هذا البند مطروحًا بشكل دائم في الاجتماعات العربية، فمثلًا تم طرح هذه القضية في المؤتمر الـ3 للمياه بالكويت وذلك في أبريل 2018(5).

وفي تقرير لمؤسسة الاستشارات الدولية «برايس ووتر هاوس كوبرز» في عام 2008، حددت 11 منطقة تشكل موضع خلاف بسبب المياه قابل لأن يتحول إلى نزاع ومنها، تركيا وسوريا والعراق، والعراق وإيران، ومصر وإثيوبيا والسودان، وبالفعل نجد أن الخلافات منذ وقت صدور التقرير آخذة في التزايد، وأشعل وتيرتها الاضطرابات التي ضربت المنطقة العربية منذ عام 2011(6).
التغيرات المناخية

ختامًا يمكن القول، إن التغيرات المناخية ستؤثر بشكل أساسي على مياه المنطقة العربية العذبة، فمن ناحية ستؤدي لزيادة نسبة التصحر بالمنطقة، والذي يغطّي بالفعل نحو 68% من المساحة الإجماليّة للمنطقة العربية، بخلاف 20% من باقي المساحة مهددة بالتصحر، ومن ناحية أخرى ستؤدي التغيرات المناخية لزيادة حدة الصراعات في المنطقة؛ سواء بين الدول وبعضها البعض، أو داخل الدولة الواحدة نتيجة الضغط على الموارد وهجرة بعض السكان من مناطقهم لمناطق أخرى بالدولة، كما يحدث في السودان وبعض الدول الأفريقية من خلافات على المراعي.

وإلى جانب ذلك ستكون بعض المدن العربية الساحلية مهددة بالاختفاء نتيجة زيادة منسوب مياه البحار، وهذا ليس أقل خطرًا من انتشار حالة الندرة المائية والجفاف الناتجة عن قلة الأمطار بفعل ارتفاع درجات الحرارة في كوكب الأرض، وبالتالي ستكون منطقة الشرق الأوسط أولى المناطق التي ربما تندلع فيها النزاعات وانتشار المجاعات نتيجة التغيرات المناخية التي تسببت فيها الدول الصناعية بالأساس، وإن كان هذا الضرر أصابها هي الأخرى بدرجات متفاوتة.


المصادر:
1- أخفضوا الحرارة في العالم العربي، البنك الدولي، 10\4\2015.
2- بسبب التغيرات المناخية‏:‏مصر مهددة بغرق الدلتا ونقص المياه العذبة، الأهرام، 24\2\2013.
3- تركيا وإيران "تحاصران" الشعب العراقي، سكاي نيوز، 3\6\2018.
4- مواقع كردية: تركيا تخفض معدل مياه نهر الفرات المتدفقة إلى سوريا، روسيا اليوم، 11\2\2018.
5- سرقة إسرائيل للمياه العربية تتصدر أعمال مؤتمر «المياه»، الراي الكويتية، 30\4\2018.
6- الصراع على مياه الشرق الأوسط، الخليج، 6\6\2008.
"