الموالد.. حج من لم يستطع إلى مكة سبيلًا
الثلاثاء 14/أغسطس/2018 - 02:17 م
الموالد
سارة رشاد
ليس الحج وحده الحشد الديني لدى المسلمين؛ فإلى جانب الفرض الذي يتهافت المسلمون على تأديته هذه الأيام، ويجذب ما يزيد على المليونين سنويًّا، بحسب التقديرات الرسمية السعودية كل عام، توجد حشود دينية ربما تكون أقل أهمية، لكنها تبقى محتفظة بمكانتها، هي «الموالد الصوفية».
«موالد الصوفية»
و«المولد»، حدث ديني يقام كل عام في التوقيت نفسه حول ضريح ولي صوفي، أو أحد المنحدرين من نسل الرسول؛ لإحياء ذكرى ترتبط بحياته؛ طلبًا لمدد أو تفريغ روحي.
و«المولد» لغويًّا، هو ميلاد شخص، لكن العادة جرت على أن تمتد «موالد الصوفية» للإشارة إلى ذكرى قدوم «ولي» إلى مكان ما، أو حتى ذكرى وفاته، وللمولد تسمية شعبية هو «الفرح»، فيُقال عن صاحب المولد «صاحب الفرح».
الحج إلى حميثرة
القطب الصوفي ذو الأصول المغربية، أبو الحسن الشاذلي (1196: 1258م)، ربما يكون مولده الأقرب إلى هذا المعني؛ إذ يعتقد بعض المتصوفة أن احتفاله الذي يستعدون لإحيائه هذه الأيام في «وادي حميثرة»، بمحافظة البحر الأحمر (شرق مصر)، حجًّا صوفيًّا يوازي فريضة الحج، ومبررهم في ذلك التزامن بين مولد الشاذلي، والحج.
وتعود قصة «حج الصوفية» أو مولد الشاذلي، إلى تاريخ وفاة القطب الصوفي عام 1258؛ إذ مات وهو في طريقه إلى الحج، فدفن في مكانه، وبني له مقام تحول بمرور الوقت إلى مسجد يجذب مليوني صوفي (لا توجد تقديرات رسمية بالعدد).
ولتزامن وفاته مع موسم الحج، يحيي بعض المتصوفة مولده بطقوس تتشابه مع فريضة الحج من طواف وسعي وصعود لجبل حميثرة.
ورغم الانتقادات التي تتلقاها الصوفية على خلفية هذه الطقوس، فإن بعض الصوفية يزعمون أنهم يرون جبل عرفة من فوق قبل حميثرة في غروب شمس يوم عرفة.
مولد الإمام الحسين
رؤية مكة
ياقوت إبراهيم، رجل سبعيني قادم من محافظة الإسماعيلية، أوضح أنه لا يراعي أي اهتمام للانتقادات الموجهة للطقوس الصوفية في مولد الشاذلي، مجزمًا لـ«المرجع» بأنه رأى مرارًا مكة من حميثرة.
ويقول: إن هذه الرؤية تتوفر للصوفي حسب صدقه ومدى صفاء نفسه، مشيرًا إلى أن بعض المتصوفة يتاح لهم الرؤية، والبعض الآخر يعجز عنها، لكنه يوجد ليمني نفسه بذلك.
وتابع أن الانتقادات التي توجه لهم كمشاركين في مولد الشاذلي لا تهمهم، مبررًا بعبارة «من لم يذق لم يعرف»، في إشارة إلى أن حكمة هذه الطقوس لا يفهمها إلا الذي عرفها وآمن بها.
ولفت إلى أنه كفرد من محدودي الدخل، لا يملك إلا ما يكفى احتياجاته، ولا يتوفر لديه المال ليؤدي فريضة الحج، مستطردًا: «أعرف الفرق الشاسع بين مولد الشاذلي والحج، إلا أن الله رحيم».
ومن هذا المنطق يرى «ياقوت»، أنه لا ضرر إذا ما ذهب إلى حميثرة بمنطق الاستعاضة عن الحج بزيارة ولي من أولياء الله، وهو «الشاذلي».
خلوة صوفية
على جانب آخر، أكد سيد حنفي (58 عامًا)، أنه يزور «حميثرة» كل عام، ويفسر لـ«المرجع» حرصه على الحضور هناك، بأنه يبحث عن «خلوة صوفية» لا تتوافر في تلك الموالد التي تقام في قلب العاصمة؛ إذ يقام مولد الشاذلي في قلب الصحراء.
ويرفض «حنفي»، أن يساوي بين الحج وحميثرة، لكنه في الوقت نفسه يقر بأن تزامن المولد مع وقفة عرفة تمنحه نوع من الروحانية التي تساعده على استحضار الله في نفسه، لافتًا إلى أنه يقضي يوم عرفة على جبل حميثرة في ذكر الله، وقراءة أوراد الشاذلي.
مكانة المولد الروحية
وإن كان مولد الشاذلي أبرز مظاهر التقارب بين الموالد والحج، فهناك موالد أخرى ربما تكون أقل، لكنها تحتفظ بمكانتها الروحية، باعتبارها طقسًا دينيًّا تهيم فيها الأرواح في صيغة جمعية.
من بينها مولد الإمام الحسين الذي يقام في الثلاثاء الأخير من شهر ربيع ثاني الهجري (يوافق تقريبًا يناير من كل عام)، ويحييه ما يقرب من مليوني مُحب وصوفي، وفقًا لتقديرات المتصوفة أنفسهم، وكذلك مولد السيدة زينب (حفيدة الرسول)، ويعتبر هو الآخر أحد أهم موالد القاهرة، ويجذب نحو مليوني مُحب أيضًا، ويقام لإحياء ذكرى قدوم السيدة زينب إلى مصر.
وإلى جانب مصر، تنتشر الموالد في دول المغرب العربي بمسميات أخرى تتعلق بكونها مناسبة للإطعام بالمجان، أما في السودان والعراق فيطلق على الموالد نفس المسمى الموجود في مصر «مولد».





