ad a b
ad ad ad

الاستراتيجية البريطانية الجديدة لمواجهة الإرهاب

الأحد 12/أغسطس/2018 - 10:24 ص
المرجع
د. مبارك أحمد – خبير فى النظم المقارنة
طباعة

أثار إعلان بريطانيا عن استراتيجية جديدة لمواجهة الإرهاب، العديد من التساؤلات حول ملامح هذه الاستراتيجية  ومدى قدرتها على مواجهة التهديدات الإرهابية في بريطانيا، وما إذا كانت تصلح للتطبيق فى دول أوربية أخرى، فضلًا عن  ماهية التحديات التي تواجه الاستراتيجية الجديدة، لاسيما أن وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد برر بأن الدافع للإعلان عن الاستراتيجية المعدلة لمكافحة الإرهاب والمسماة «كونتيست» يأتي ليتضمن الدروس المستخلصة من الهجمات الإرهابية التي وقعت في لندن ومانشستر العام الماضي (2017) وردود الأفعال البريطانية تجاهها.

ساجد جاويد
ساجد جاويد

ملامح أولية

جاء إعلان وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد في الرابع من يونيو 2018 عن ملامح الاستراتيجية المعدلة لمكافحة الإرهاب؛ للتصدي لما وصفه بتغير طبيعة الإرهابيين، وتشتمل الاستراتيجية على ركائز أساسية، أبرزها: التوجه نحو بناء علاقات أقوى مع شركات التكنولوجيا، والتعاون في تبادل المعلومات بين جهاز الأمن «إم أى 5» والشرطة والسلطات المحلية وكذلك القطاع الخاص حول 20 ألف مواطن بريطاني مشتبه بميلهم إلى الإرهاب.


وذكر وزير الداخلية البريطاني أن من بين التدابير الهادفة إلى تعزيز الأمن في البلاد -وفقًا للاستراتيجية الجديدة ترتبط بزيادة مدة السجن لبعض الجرائم، وتوسيع الإجراءات ضد اليمينيين المتطرفين، باعتبار أنهم يشكلون مع المتطرفين الإسلاميين أكبر تهديد، لاسيما أن المخاطر النابعة من ممارساتهما آخذة في التزايد، خاصةً أن داعش والجناح اليميني المتطرف أكثر تشابهًا مما يعتقد البعض فهم يستغلون المظالم ويشوهون الحقيقية ويقوضون قيم الحرية فى البلاد. 


كما أعلن جاويد تخصيص أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني؛ ليبلغ إجمالي الميزانية الخاصة بمكافحة الإرهاب 750 مليون جنيه إسترليني، وتفعيلًا للاستراتيجية الجديدة فإنها سترتكز على تشريع جديد؛ لتمكين الشرطة والمؤسسات الأمنية من إحباط الهجمات الإرهابية مبكرًا؛ حيث سيتضمن ذلك التشريع تحديث قائمة الجرائم المصنفة إرهابية؛ لتتماشى مع العصر الرقمي وتعكس النماذج الحالية من التطرف، إضافةً إلى تشديد العقوبات على الجرائم الإرهابية، والتمكين من التحقيق في الهجمات الإرهابية التي تقع بالخارج في المحاكم البريطانية.

الاستراتيجية البريطانية
•  دوافع متعدة
تنوعت الدوافع التي أسهمت في اتجاه بريطانيا نحو تبني استراتيجية جديد لمكافحة الإرهاب، ويمكن إبراز أهمها في التالي:
1- انضمام الشباب الأوروبي للتنظيمات الإرهابية: مثلت التجمعات الشبابية ودوائر الأصدقاء آليات لتجنيد الشباب الأوروبي؛ للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، فقد انتشرت عمليات سفر جماعية لمجموعات من الأصدقاء من بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية، للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق ومنها تنظيم داعش الذي نجح في استقطاب الشباب الأوروبي، من خلال وسائل متعددة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال التجمعات الشبابية في أوروبا. ومن أشهر هذه الجماعات «رابطة البريطانيين البنغال»، وهي تضم عددًا من الشباب البريطاني الذين تراوحت أعمارهم بين 19، 24 سنة، وغادروا بريطانيا للانضمام إلى الجماعات المسلحة في سوريا والعراق في أكتوبر 2013 وانتهى بهم الأمر للانضمام إلى ـداعش، وقتلوا في معركة عين العرب كوباني في نهاية 2014.

2- التغير النوعي في تنفيذ العمليات الإرهابية: بينما تركزت هجمات تنظيم «داعش» في مناطق نفوذه الأساسية وفي بعض البلدان العربية على كل من الأهداف العسكرية، مثل مناطق تمركز قوات الجيش والشرطة، والمدنية خصوصًا المساجد الشيعية من خلال التفجيرات الانتحارية، فإن التنظيم يركز هجماته في الدول الأوروبية على ما يمكن أن يطلق عليه الأهداف «الناعمة»، هي أهداف مدنية يسهل إصابتها، لاسيما مناطق التجمعات الجماهيرية التي تكون الإجراءات الأمنية حولها في حدها الأدنى؛ ما يُمكِّن عناصر التنظيم من تنفيذ هجمات متتابعة، وإيقاع أكبر قدر من الضحايا في صفوف المدنيين؛ لذلك لم يمنع نجاح بريطانيا في إحباط العديد من عمليات الإرهاب الفردي لتنظيم داعش، من أن يستهدف الإرهاب الداعشي حفلًا غنائيًّا بعبوة ناسفة في مدينة مانشستر شمال إنجلترا، في مايو 2017؛ ما أدى إلى سقوط 22 قتيلًا بينهم أطفال، وأكثر من 50 جريحًا، ويبدو أن استهداف داعش للحفلات الغنائية عكس أمرين لهما دلالاتهما؛ الأول: توظيف العامل الديني لجذب متطرفين جدد، والثاني: إدراك صعوبة السيطرة الأمنية على هذه الأماكن؛ بسبب وجود جمهور كثيف بها.

3- معضلة الذئاب المنفردة : تُشكل ظاهرة الذئاب المنفردة إحدى وسائل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في تنفيذ عملياتها الإرهابية، لاسيما أن استراتيجية الذئاب المنفردة تقوم على توظيف الخلايا النائمة أو العائدة من مناطق الصراعات، بما يصعب قدرة الدول على تتبعها في ظل حالة السيولة والأسراب الهائمة من المقاتلين العائدين، ونظرًا لانكماش سيطرة داعش، وتراجع مناطق نفوذه في كلٍّ من سوريا والعراق نتيجة عمليات التحالف الدولي، فقد وجد التنظيم في مساندة وتبني هجمات الذئاب المنفردة متنفسًا جديدًا للادعاء بوجود انتصارات، ورفع الروح المعنوية بين الكوادر الموجودة، وإلهام عناصر جديدة للانضمام إلى التنظيم، وقف التنظيم دائمًا خلف تلك الهجمات، مدعيًا أن من نفذها جند من جنود الخلافة؛ لذلك جاءت الاستراتيجية البريطانية الجديدة لتهدف إلى تطوير نهج بريطانيا في التعامل مع التهديد الإرهابي؛ بحيث يتمثل ذلك النهج في التأكيد على عدم السماح بمساحات آمنة للإرهابيين للعمل، سواء على المستوى العالمي، في المملكة المتحدة، أو من خلال توظيف شبكة الإنترنت. 

4- أزمة العائدين البريطانيين من بؤر الصراعات: بلغت تقديرات المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT)، لإجمالي عدد المقاتلين الأجانب في 23 دولة من اعضاء الاتحاد الأوروبي 3710، غالبيتهم بنحو 2838 من 4 دول فقطـ، هي : بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار أن بلجيكا لديها أعلى معدل من المقاتلين الأجانب، وتشير تقديرات المركز أيضًا إلى أن 30% من هؤلاء المقاتلين عادوا إلى بلدانهم، وأن المقاتلين الأجانب العائدين يمثلون تهديدًا أمنيًّا محتملًا. كما أن 17% من المقاتلين الأجانب هم من الإناث، وغالبية المقاتين الأجانب جاؤوا من مناطق حضرية كبيرة أو الضواحي المحيطه بها، ويلاحظ أن العديد من المقاتلين الأجانب من الأحياء والمناطق نفسها تقريبًا؛ ما يعني وجود شبكات متطرفة تعمل في مناطق محددة، كما أن نحو ما بين 6% و23% من هؤلاء المقاتلين يتسمون بضعف النواحي الاجتماعية؛ إذ إنهم بالأساس أفراد مهمشون، أو مجموعات من الشباب يمرون بمراحل انتقالية في حياتهم، وتم تجنيدهم خلال فترة قصيرة نسبيًّا من الزمن، وتجدر الإشارة إلى أن عناصر «داعش» الذين حاربوا مع التنظيم في سوريا والعراق، اكتسبوا مهارات قتالية، فضلًا عن إدراكهم القدرات التكنولوجية المتقدمة التي تمتلكها بريطانيا في مجال مكافحة الإرهاب، إضافةً إلى معرفتهم بالإجراءات الأمنية المتشددة التي يتم اتباعها، ومن ثم فإنهم سيمثلون مصدر تهديد للأمن البريطاني.

وإذا كانت تقديرات الحكومة البريطانية تشير إلى أن عدد المقاتلين البريطانيين فى بؤر الصراعات المسلحة يبلغ 850، فإن ثمة تصريحات حكومية تؤكد على استعداد السجون البريطانية لاستقبال العائدين المسلحين من داعش. 

الخلاصة 
أن نجاح الاستراتيجية البريطانية الجديدة لمكافحة الإرهاب سيتوقف على تطبيقها على أرض الواقع، لمواجهة التهديدات الارهابية التي تستهدف زعزعة الاستقرار العالمي، وذلك من خلال تصدير الفوضى والتوتر في مناطق متفرقة، سواء من خلال توظيف المقاتلين العائدين من بؤر الصراعات، أو الذئاب المنفردة التي تتبنى الأفكار المتشددة، وهو الأمر الذي يتطلب تعزيز الجهود الأوروبية والبريطانية على وجه التحديد؛ للمساعدة في تجفيف مخاطر الإرهاب في دول الصراعات المسلحة، من خلال تشديد الإجراءات على عبور مقاتلين جدد إلى هذه المناطق الملتهبة، وفرض إجراءات صارمة على تدفق التمويل ومنع وصول أى أسلحة إلى هذه الجماعات المتطرفة، وهو الأمر الذي سيسهم بلاشك في إنجاح الاستراتيجية البريطانية الجديدة التي تقوم بالأساس على 3 ركائز أساسية تقوم على ردع الأفراد عن الإرهاب أو دعمه، وتحقيق الحماية والمتابعة.
"