ad a b
ad ad ad

صراع الشافعية والأحناف يكشف «الجيتو المذهبي» داخل الأزهر

السبت 11/أغسطس/2018 - 02:00 م
المرجع
دعاء إمام
طباعة
في عام 1709، شهد الجامع الأزهر، أولى الفتن التي عصفت به، إذ تُوفي محمد النشرتي، شيخ الأزهر، وتنافس العلماء من بعده على المنصب الذي أصبح شاغرًا، فانقسم الطلاب والأساتذة إلى فريقين: أحدهما يؤيد تنصيب الشيخ عبد الباقي القليني، والأخر يناصر الشيخ أحمد النفراوي.

الشيخ أحمد النفراوي
الشيخ أحمد النفراوي
الفتنة الأولى 
كان الصراع (وقتذاك) عبارة عن خلاف في الرؤى، وليس صراعًا مذهبيًّا؛ لاسيما أن «القليني»، «النفراوي»، وثالثهم «النشرتي» ينتمون للمذهب المالكي، لكن الانقسامات تسببت في حدوث مشاحنات بالبنادق بين أنصار الشيخين، إذ احتشد مؤيدو «النفراوي» وأطلقوا الأعيرة النارية صوب الجامع الأزهر، وأخرجوا أنصار «القليني» وأجلسوا شيخهم بدلًا من الإمام الراحل.

وبحسب كتاب «الأزهر.. الشيخ والمشيخة»، للدكتور حلمي النمنم، وزير الثقافة الأسبق، فإن الوالي العثماني حسم الأمر، وحدد إقامة «النفراوي»، ووافق على تولية «القليني» مشيخة الأزهر، واحتكر المالكية منصب شيخ الأزهر لمدة نصف قرن متصل. 
 الشيخ الشافعي أحمد
الشيخ الشافعي أحمد الدمنهوري
الجيتو «الشافعي»
أما الصراع المذهبي بين علماء الأزهر، فقد بدأ قبل وفاة الشيخ الشافعي أحمد الدمنهوري، شيخ الجامع الأزهر (1776:1768)، حين طمح عبدالرحمن بن عمر العريشي، شيخ الحنفية في تولي المنصب، وزعم أن «الدمنهوري» عيّنه وكيلًا عنه، دون أن يملك حجة تثبت صحة حديثه.
للمزيد:
وبعد تلك الواقعة بأيام توفي «الدمنهوري»، ودنا «العريشي» من تحقيق مراده، إلا أن الشافعية رفضوا أن يُسلب منهم المنصب، الذي استأثر به المالكية في بداية ظهور منصب شيخ الأزهر، ثم انتقل إليهم، ولم يكن أحد من الأحناف فاز به حتى ذاك الوقت؛ مما تسبب في انتفاضة قادها علماء المذهب الشافعي ضد «العريشي» (الحنفي المذهب).

وأورد «النمنم»، في كتابه السالف ذكره، أن الشافعية ثاروا لعدة أسباب، منها أن الحنفية لم يكن لهم قديم عهد في المنصب، وأن الانتماء المذهبي لـ«العريشي» يمثل أزمة، لاسيما أن الشافعية لم تتراجع علميًا أو فقهيًا، ومازال فيهم من لديه من العمل والفقه ما يؤهله لخلافة «الدمنهوري».

 ضريح الإمام الشافعي
ضريح الإمام الشافعي
ليلة في ضريح «الإمام»
تصاعدت حالة التمرد والرفض الجماعي عند الشافعية، واعتبروا المذهب الحنفي ليس الشائع في البلاد، وإنما هو مذهب الدولة العليّة، فاتخذ الصراع عدة أوجه منها السياسي والمذهبي؛ على أثر هذا، احتشد طلاب الأزهر وأساتذته وشيوخه من المذهب الشافعي، وتوجهوا إلى ضريح الإمام الشافعي، بزعامة أحمد بن الحسن بن عبد الكريم الجوهري.

وكان العامة من المصريين يتوافدون صباح كل جمعة على الضريح، للصلاة والتبرك والدعاء، وحين رأوا علماء الأزهر وقد باتوا ليلتهم في الجامع والضريح، أخذوا في التوافد، ولم يدخر «الجوهري» جهدًا في الدفاع عن قضيته، حتى أنه وصف مصر بـ«بلد الإمام الشافعي»، وإن مخالفة رغبتهم سينتج عنها عدم رضا من أولياء الله وغضب على المماليك.

وبعد مفاوضات تم الاعتراف بـ«العروسي» رسميًا، بعدما لبس الفروة (الزي الرسمي للمشيخة) داخل ضريح الإمام الشافعي، وتم تنصيبه شيخًا للأزهر.

ويذهب البعض إلى أن فكرة الخلافات المذهبية لم يكن لها محل داخل الأزهر، وأن فترة الصراعات بين الشافعية والأحناف عُطلت فيها المشيخة؛ لحين الوصول لحل مرض، وهو تعيين «العروسي» شيخًا للأزهر. 
الإمام الشافعي
الإمام الشافعي
الصراع ينتقل إلى الطلاب
لم ينته الأمر عند كبار المشايخ المتعصبين لمذهبهم، بل انتقل منهم إلى الطلاب. فقد أعقب خلافات «العروسي» و«العريشي»، واقعة مشابهة بين طلاب رواق الشوام، الذي يضم الطلاب المغاربة معتنقي المذهب الحنفي، ورواق الأتراك أصحاب المذهب الشافعي، وحدثت مناوشات بين كليهما، انتهت بمقتل طالب من الأتراك ووقوع إصابات.

وكشف الحادث عن تورط «العريشي» في تحريض الطلاب الشوّام؛ ما أدى إلى تجريده من منصبه «مفتي الحنفية» وتعيين بديل له، ثم إلقاء القبض عليه وإصدار قرار بنفيه خارج البلاد، ثم خففت العقوبة إلى البقاء في مصر مع تحديد إقامته، وعدم تدخله في أي أمور تخص الأزهر.

ويُشار إلى أن بعض الشافعية حرموا الزواج من الحنفية، ورفض الأحناف الصلاة خلف الشافعية، إذ لم يكن الصراع بين المذهبين قاصرًا على الجامع والمشيخة فقط، بل شهدته العراق وخراسان والكثير من الأماكن التي تنافس فيها أنصار المذهبين.
للمزيد:
"