عودة اللاجئين السوريين.. طريق وعر تمهده روسيا لزيادة نفوذها

منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011، وتحولها إلى حرب بين الفصائل المسلحة والمعارضة والجيش السوري، تقف المنظمات الدولية إلى جانب التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة واشنطن وتسعى لحلها سياسيًّا وعسكريًّا، وحسب الأرقام الرسمية هناك أكثر من 8 ملايين لاجئ ونازح سوري، كما أن هناك نحو 13.5 مليون شخص في سوريا حاليًا ممن هم بحاجة للمساعدة الإنسانية، من بينهم نحو 3 ملايين شخص يعيشون في مواقع محاصرة ومناطق يصعب الوصول إليها، ورغم عودة نحو 600،000 نازح داخليًا وأكثر من 30،000 لاجئ تلقائيًّا إلى منازلهم في النصف الأول من عام 2017، فإن ظروف العودة الآمنة التي تضمن الكرامة ليست متوافرة بعد.

وفي إطار توهج الدور الروسي لتغيير قواعد اللعبة على الأرض السورية منذ أكتوبر 2015، أصبحت موسكو هي المحرك الرئيسي والفاعل الأساسي لكل ما يتم داخل سوريا؛ حيث أمسك بوتين بين أصابعه بكل بخيوط اللعبة، منذ أن حلقت مقاتلات السلاح الجوي للجيش الروسي في سماء سوريا، وقصفت عناصر تنظيم داعش الإرهابي؛ ما جعل الرئيس السوري بشار الأسد لا يتخذ أي قرارات دون التنسيق مع الرئيس الروسي، وهو ما برز في كثير من الأحداث والقرارات التي انعكست في زيادة نفوذ دمشق على الأراضي السورية كافة؛ حيث أسهمت الضربات الروسية في هيمنة حكومة دمشق على أكثر من 80% من الأراضي السورية، بعد أن كانت 40% فقط قبل أكتوبر 2015.

وعلى الجانب الخارجي دعمت موسكو النظام السوري دوليًّا، فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية ترفض تمامًا أي تفاهمات أو مفاوضات مع الأسد، مطالبةً بإيجاد بديل له، أصبح للنظام السوري رقم رئيسيّ وفاعل في المعادلة، وواقع لا يمكن استبعاده من أي تفاهمات بخصوص مستقبل سوريا، وهو ما بدا في كل المفاوضات التي دعت إليها الأمم المتحدة؛ من أجل إيجاد حل للأزمة السورية، وكذلك مفاوضات خروج المعارضة المسلحة- حسب وصف الأمم المتحدة- إلى مناطق آمنة، وكلها تمت بالتنسيق مع الأسد وحكومته.

وفي قمة هلسنكي، والتي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في أول قمة رسمية بينهما، اهتم الطرفان بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والبدء مع دول الجوار في مفاوضات لإنجاز هذه المهمة، والبدء في استعادة اللاجئين من الأردن ولبنان على أن تبحث مسألة عودة اللاجئين من تركيا أيضًا خلال الفترة المقبلة.

وتراهن موسكو على الدعم الغربي لدعوتها، في إطار البحث عن إعمار سوريا ما بعد الحرب، خاصةً أنه من مصلحة الدول الغربية والعربية عودة ملايين السوريين لبلادهم، وتخفيف الضغط على كاهل هذه الحكومات، ففي ألمانيا هناك محاولات جادة تتم منذ شهور لتحفيز اللاجئين السوريين الذين تم رفض طلبات اللجوء الخاصة بهم على الأراضي الألمانية فى العودة لبلادهم مع برنامج تحفيزي يشمل ألف يورو شهريًّا ولمدة عام؛ لضمان توفير حياة كريمة لهم ولآسرهم، ووفقًا للأرقام الرسمية الألمانية يبلغ عدد المستفيدين من برنامج دعم عودة اللاجئين، بلغ 8639 شخصًا فقط في الفترة بين فبراير وأكتوبر 2017، خاصةً أن هناك 115 ألف طالب لجوء تم رفض طلباتهم، يعيشون في ألمانيا حاليًّا، من بينهم نحو 80 ألف حصلوا على حق إقامة مؤقت لحين البت في طلباتهم مرة أخرى، إضافة إلى 35 ألف قرار ترحيل، وتقوم السلطات الألمانية منذ سنوات بدعم من يقرر طواعية العودة لبلاده.

كذلك يخوض حزب «البديل من أجل ألمانيا» (أحد أهم الأحزاب اليمنية والممثلة حاليًّا في البرلمان الألماني) حربًا شرسة؛ من أجل إبعاد اللاجئين السوريين، باعتبارهم مصدر الخطر الأكبر على المواطنين الألمان؛ نتيجة وجود عناصر من تنظيم داعش بين صفوفهم، كذلك يمثل اللاجئون السوريون عبئًا كبيرًا على كل من الأردن ولبنان، وتسبب وجودهم في أزمات اقتصادية طاحنة لكلا البلدين، وجاءت الدعوة الروسية بمثابة قارب إنقاذ للجميع، دولًا ولاجئين.

وتراهن موسكو على مشاركة المجتمع الدولي في إعمار سوريا، وعلاج ما خلفته الحرب هناك طيلة السنوات الماضية، وهو ما كان محل ترحيب من العواصم الغربية، ووعدت كل من ألمانيا وفرنسا بتقديم المساعدات للنازحين داخليًّا واللاجئين العائدين لمناطق إقامتهم الدائمة.

في الوقت الذي فضل فيه عدد من الدول استمرار نهج الدمج الذى تتبعه على أراضيها في احتضان اللاجئين السوريين، وخاصةً في السويد التي تعمل منذ سنوات على دمج السوريين في المجتمع السويدي، وهو النهج الذي تتبعه أيضًا الحكومة النمساوية عقب الحصول على صفة لاجئ؛ حيث سيحصل اللاجئ على حق العمل والضمانات الاجتماعية، كما تواصل موسكو اتصالاتها بدول اللجوء الأوروبية الأخرى؛ حيث يقيم اللاجئون السوريون لبحث مسألة عودتهم طواعية لبلادهم، في حين يظل موقف اليونان غير واضح، وكذلك موقف المجر، الذي تعاني من تنامي التيارات اليمنية التي تتخذ موقفًا سلبيًّا من اللاجئين والمهاجرين.

تماشيًا مع هذه الخطوة الروسية توجّه فريق عمل روسي إلى كل من لبنان والأردن وتركيا؛ لبحث عودة النازحين إلى سوريا، وبحث كيفية إنشاء مراكز مشتركة لعودة النازحين السوريين، والتي ستعمل على مدار الساعة، واستهداف عودة 1.7 لاجئ خلال عامين، من خلال توفير ممرات آمنة سواء في لبنان أو الاردن تسمح بتسجيل اللاجئين قبل عودتهم، ومتابعة وجودهم في الأماكن المخصصة التي سيتم توفيرها؛ لضمان عدم معاناة هؤلاء من أي أزمات أخرى تفشل هذه الخطوة؛ حتى يتم ضمان تحقيق ما ترجو إليه روسيا من جانب، ودعوة اللاجئين الذين اندمجوا في مجتمعات غربية للعود في حل ظهور بوادر استقرار داخل بلادهم، وسهولة عودة أقرانهم لقراهم.

وتتجه الأنظار إلى شهر سبتمبر المقبل؛ من أجل انتظار ما ستسفر عنه قمة الدول الضامنة بمشاركة روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا بشأن عودة اللاجئين السوريين، خاصةً أن الحكومة السورية قد أعلنت استعدادها الكامل لحل جميع المشكلات العالقة التي تعيق عودة اللاجئين إلى سوريا، وبالرغم من ظهور الفكرة منذ أيام قليلة، فإن موسكو قد نجحت حتى الآن في افتتاح 10 مراكز جديدة لاستقبال اللاجئين العائدين إلى سوريا.

وبالرغم من عدم وضوح الموقف الأمريكي من عودة اللاجئين السوريين، ومدى مشاركتها في هذه القمة، فإن هناك تقارير إعلامية تشير إلى أن موسكو فتحت خط اتصال مع الجنرال جوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة؛ لتقترح تعاون خصمَي الحرب الباردة السابقَين في إعادة إعمار سوريا، وإعادة اللاجئين إلى البلاد، والتأكيد على أن واشنطن يمكن بشرط التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 7 سنوات، بما في ذلك إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.

الرهان الآن على كيفية استمرار الدعوات الروسية للدول الغربية بكيفية دعم برامج إعمار سوريا، ومساعدة اللاجئين الراغبين في العودة لبلادهم، وإقناع اللاجئين أنفسهم بأن بلادهم على أهبة الاستعداد لاحتضانهم من جديد بعد زوال خطر داعش والجماعات المسلحة، وبدء بناء القرى المتضررة، وتوفير فرص عمل لهم، ولم شمل مع أسرهم الذين يوجدون داخل الأراضي السورية حتى الآن.

نجاح هذه الخطوة مرتبط بمدى تبني الأمم المتحدة لها، وقيام واشنطن بدور إيجابي في هذا الشأن، حتى تنضم للمبادرة عدد من الدول الأجنبية إلى جانب ألمانيا وفرنسا، ومن ثم توفير مزيد من المال لإعمار سوريا من جانب، ومساعدة الحكومة السورية في بسط نفوذها، وأن تكون ممثلة في المرحلة المقبلة، وعدم استبعادها كما كان ترغب واشنطن وبعض الحكومات الغربية الأخرى، وهو ما يعني استمرار النفوذ الروسي في البحر المتوسط من خلال الوجود القوي داخل سوريا، والحفاظ على القاعدة البحرية في طرطوس، بل ووجود ظهير قوي داخل سوريا في المرحلة المقبلة أكبر مما كان قبل 2011، وهو ما يصب في الرؤية التي يتبناها الرئيس فلاديمير بوتين في استعادة البريق الذي كانت عليه بلاده قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.