ad a b
ad ad ad

المشهد الحسيني.. مُزاحِم «الأزهر» على قلوب المصريين

الأربعاء 01/أغسطس/2018 - 12:31 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة
في أربعينيات القرن الماضي، قضى الأديب المؤرخ المغربي عبدالكريم غلاب (المتوفى في 2017 عن عمر يناهز 98 عامًا) دراسته الجامعية بالقاهرة، وفي سنة 2000 نشر شهادته عن حياته بين أهلها، فقال عن المصريين في كتاب «القاهرة تبوح بأسرارها» الصادر عن دار الهلال: إنهم شعب عاشق للمبالغة فيقولون عن بلدهم «أم الدنيا»، وعن شعبهم «أحسن ناس».
مسجد الإمام الحسين
مسجد الإمام الحسين
هذه الشهادة التي تبدو شديدة القُرب من الواقع، تنسحب على كثير من اعتقاد المصريين عن أنفسهم، فلا يجدون أزمة في الاقتناع بحب معين خصهم الله به دون غيرهم لآل بيت الرسول.

تلك القناعة لا تقتصر على معتقدي الصوفية ولا حتى على المستوى الشعبي، فالأمر امتد لأبعد من ذلك عندما تعاملت الجهات الرسمية والدراسات العلمية مع الأمر كحقيقة، ساعية للتفتيش عن «سر العلاقة بين المصريين وآل البيت». 

الحسين.. أكثر من مسجد
مسجد الإمام الحسين حفيد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكائن بقلب القاهرة -ويؤمن بعض المصريين بدفن رأس الإمام فيه- هو أبرز الشواهد على قناعة المصريين بحبِّهم الخاص لآل البيت.

فلا يُعتبر المسجد مجرد قِبْلة للمتصوفة العاشقين، ولا حتى ملجأ الفقير الذي يهرب من همومه إلى أناس من نسل الرسول، بل يعتبر وجهة الدولة والشعب معًا، ففيه تقام الاحتفالات الدينية والوطنية كافة، إلى جوار جامع الأزهر (المسجد الأول في مصر).
 عمر أحمد عبدالمغيث
عمر أحمد عبدالمغيث
ويشهد «الحسين» كل عام سبع احتفالات دينية ورسمية، بحسب حديث إمام المسجد، عمر أحمد عبدالمغيث لـ«المرجع»، بخلاف التوافد اليومي الذي يشهده من مُريدي الصوفية، قادمين من بلدانهم محبين وزائرين.

تبدأ هذه الاحتفالات بـ«ليلة الإسراء والمعراج» التي حلت هذا العام في 13 من أبريل الموافق 27 من شهر رجب، وتقام طقوس الاحتفال التي تنقلها في العادة «إذاعة القرآن الكريم» (إذاعة دينية رسمية)، عبر دروس تتناول سبب الاحتفال بعد كل صلاة، لاسيما اجتماع المصلين في المسجد للذكر والتسبيح.

والإسراء والمعراج، هي معجزة منحها الله لرسوله محمد، عندما أُسْرِى به من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بفلسطين، ثم انتقل منه إلى السماء عبر دابة سميت «البُرَاق».

واختلفت التقديرات حول توقيت المعجزة،؛ إذ قيل إنها تمت قبل الهجرة من مكة إلى المدينة بـ3 سنوات، وفي مواقع أخرى قبل الهجرة بسنة واحدة، ويعود تاريخ الهجرة وفقًا للتقويم الميلادي إلى القرن السادس.

وورد ذكر المعجزة بالقرآن في سورة الإسراء، فيقول تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير».

إلى جانب الإسراء والمعراج، تأتي احتفالات شهر رمضان، الذي حلَّ هذا العام في 15 من مايو، وتمتد هذه الاحتفالات لشهر كامل يتوافد فيه المصلون على المسجد للإفطار، وأداء صلاة التراويح.

وكذلك «ليلة النصف من شعبان» أو كما تُعرف بـ«احتفال تحويل القبلة»، وكانت في الأول من مايو الماضي هي الأخرى، وتبدأ في العادة بعد صلاة المغرب وحتى فجر اليوم التالي.

و«تحويل القبلة»، يعتبر حدثًا جللًا في تاريخ المسلمين؛ إذ استجاب الله فيه لدعاء النبي بتحويل قبلة الصلاة للمسلمين من المسجد الأقصى بفلسطين إلى المسجد الحرام بمكة، ويقال: إن المسلمين صلوا باتجاه المسجد الأقصى لمدة 16 شهرًا، لينزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام على الرسول خلال إمامته للصلاة، فحول وجهته، ومن ورائه المصلون؛ لينتشر الخبر بعد ذلك بين الناس.

ويعد «المولد النبوي» الذي يحل في 19 نوفمبر القادم، 12 من ربيع أول، من أهم الاحتفالات التي تقام بالمسجد، ويحتفل فيه المسلمون بميلاد الرسول.

أما «رأس السنة الهجرية»، فمقرر لها في 11 سبتمبر، وتقام فيها دروس حول هجرة الرسول من مكة إلى المدينة بالمملكة العربية السعودية، والحكم المستفادة منها.
احتفالات صوفية
احتفالات صوفية
احتفالات صوفية
وإلى جانب هذه الاحتفالات الدينية، هناك احتفالات خاصة بالصوفية، أبرزها مولد الحسين الذي أقيم وانتهى في يناير الماضي، ويحتفل فيها المصريون -وتحديدًا الصوفية- بتاريخ قدوم رأس الإمام الحسين إلى مصر. 

إلى جانب ذلك، يأتي الاحتفال بيوم ميلاد الإمام الحسين، الذي أقيم في 19 أبريل، الموافق 3 شعبان، (أحد الاحتفالات الصوفية الذي يتوافد إليه الآلاف من محبي الإمام من الصوفية وغير الصوفية لإحياء يوم مولده).

«الاحتفالات الوطنية»، تضاف هي الأخرى إلى قائمة الاحتفالات المُقامة بمسجد الحسين؛ إذ تقام فيه احتفالات حرب أكتوبر 1973 الذي انتصر فيه الجيش المصري على نظيره الإسرائيلي، والاحتفال بذكرى ثورة 30 يونيو 2013 التي سقط فيها حكم جماعة الإخوان في مصر (أسسها حسن البنّا عام 1928).

ويقع مسجد الحسين قُرب الجامع الأزهر في قلب القاهرة، وبدأ بناؤه في 1154 ميلاديًّا، في عهد الخليفة الفاطمي «الفائز بنصر الله»، وذلك لنقل رأس الإمام الحسين من عسقلان إلى القاهرة، خوفًا عليها من الحملات المسيحية على فلسطين.

وفي عهد الخديوي إسماعيل (1830: 1895) أمر ببناء المسجد على هيئته الحالية، وبدأ البناء في 1862، واستمر حتى 1873، أما مئذنة المسجد المصممة على الطراز العثماني (ذات السن المدبب) فكان بناؤها في 1878.

و«الحسين»، هو حفيد الرسول من ابنته فاطمة التي تزوجت الإمام علي بن أبي طالب، ابن عم الرسول، وتوفي عام 61 هجريًّا نحو 680 ميلاديًّا، وذلك على خلفية صراع سياسي نشب بينه وبين يزيد بن معاوية (647: 683)، إذ طلب يزيد من الحسين مبايعته فرفض الأخير.

وفي الوقت نفسه، رفض أهل الكوفة بالعراق مبايعة يزيد، وأرسلوا للحسين، معربين له عن رغبتهم في مبايعته، وعندما خرج الحسين في طريقه إلى الكوفة من مكة نشبت حرب تخلى فيها أهل الكوفة عنه، فمات وفصل جيش يزيد رأسه عن جسده.
المشهد الحسيني..
للمزيد: «مقتل عثمان.. بداية التأصيل لفقه الخروج على الحاكم»
وتختلف الروايات حول الرأس؛ إذ يقال إنها دُفنت في عسقلان بفلسطين، ثم نُقلت لمصر، ويعتقد الصوفية المصريون أنها طارت إلى مصر في معجزة لتُدفن في المكان، الذي بُني فيه مقام رأس الإمام اليوم بوسط القاهرة.
"