ad a b
ad ad ad

الصوفية التركية.. احتفالات بطعم السياسة

الإثنين 30/يوليو/2018 - 10:56 م
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
مصطفى صلاح
طباعة
لم ينقطع وجود الطرق الصوفية في تركيا، حتى بعد قيام الدولة العلمانية، التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك 1923، بل إن أتباعه من «الكماليين»، تعاملوا بالود والاحترام مع الطرق الصوفية التي ساعدته في حرب الاستقلال بتعبئة الجماهير للجهاد ضد الخلافة العثمانية.

الصوفية التركية..
الدستور التركي الذي وضع في 1924، نص كذلك على حرية حركة الطرق الصوفية، لدورها في تغيير نمط التدين الإسلامي السائد، كما شغل مشايخ من هذه الطرق عددًا من المقاعد البرلمانية، فانتخب عبدالحليم أفندي، شيخ تكيّة قونيا، المنتسب للطريقة المولوية، وجمال الدين أفندي، شيخ التكيّة البكتاشية في مدينة كرشهير، بالإضافة إلى عدد كبير من الشيوخ والصوفيين الذين كانوا في المجلس الأول للبرلمان.

في حين جاءت المجابهة بين النظام الكمالي والطرق الصوفية، بعد سن قانون جديد فى 1925 بإغلاق التكايا، وحظر هذه الجماعات وإغلاق مقراتها ومنعها من ممارسة أنشطتها، بعدما حاول الشيخ سعيد بيران، القيام بثورة في محافظات الشرق والجنوب الشرقى. وعلى ذلك قامت الجماعات الصوفية بالعمل سرًا بعد أن كانت تتمتع بهامش كبير من الحركة داخل المجتمع، ولعل هذا التحول شكل بدوره اللبنة الأولى، لدخول العديد من هذه الطرق الحياة السياسية.

وكان للطرق والجماعات الصوفية دور مهم في السياسة والمجتمع، منذ الحقبة العثمانية حيث ترجع جذورها إلى القرن الثالث الهجرى، وظلت محافظة على وجودها بين أفراد المجتمع، رغم محاولات القضاء عليها.

وسبب الانتشار الكبير للتصوف هناك أن الإسلام وصل إلى الأتراك على أيدي الصوفيين، لا سيما أن مبادئهم التي تقوم على الروحانيات، والحب الصافي للذات الإلهية والزهد في الحياة، تلاقت مع الأخلاق العامة للمجتمع التركي.
الصوفية التركية..
أنشطة متعددة
الطرق الصوفية التركية بدأت بنزعات فردية تدعو إلى الزهد وكثرة العبادة للوصول إلى معرفة الله، وكانت رسالتها حفظ الثقافة الإسلامية، كالطريقة المولوية التى جاءت رد فعل على ظهور العديد من الفرق والمذاهب المختلفة.

تبنت المولوية التي تأسست 1207، قبيل تأسيس الدولة العثمانية نفسها، للحفاظ على الإسلام في النفوس، وحث المسلمين على التماسك والحفاظ على وحدتهم، حيث كون محمد جلال الدين محمد بن حسين بهاء الدين البلخي القونوي (مؤسس الجماعة المولوية)، مسار التوحيد الصوفي مع الاحتفاظ بالثقافة الشرعية. 

إلى جانب النشاط الدعوي والروحاني برزت الطرق والحركات الصوفية التركية، فاعلًا سياسيًّا في المعادلة التركية، فالطريقة النقشبندية والتي تعتبر كبرى الطوائف الصوفية عددًا، لعبت دورًا مهمًا في صياغة دستور عام 1982، كما كانت محل اهتمام الحكومات التركية المتعاقبة لتمرير قراراتها السياسية، كما لعبت دورًا مهمًا في مواجهة المد الشيعي، ودافعت عن المذهب السني إبان انهيار الدولة العثمانية.
 
وتنتشر الطريقة النقشبندية عن طريق العديد من التكايا في تركيا، ودول أخرى مثل: سوريا والعراق وشمال القوقاز وآسيا الوسطى.

 بديع الزمان سعيد
بديع الزمان سعيد النورسي
مواجهة العلمانية
إلى جانب النشاط السياسي للطرق الصوفية، ظهرت جماعات لمواجهة علمنة المجتمع، منها «النور» التي أسسها فعليًّا، بديع الزمان سعيد النورسي، وأشهرها رسميًا، فتح الله جولن في 1977، والجماعة السليمانية التي أسسها، سليمان حلمي تونهان، التي ظهرت كجماعة صوفية 1888، وتشكلت رسميًا بهيكل إداري 1959. وهدفت هذه الجماعات إلى تأسيس مدارس تربوية وتعليمية، لخدمة المجتمع والحفاظ على القيم الإسلامية، كما أنشأت مراكز ثقافية موازية للمؤسسات الرسمية عن طريق الوقف الخيري.

ولذلك دأب الأتراك منذ بداية عهدهم بالدين على حماية التصوف، الذي كان بمثابة الحصن المنيع الذي يحتمي به الدين والبلاد معًا، من شتى الهجمات وسائر المخاطر وأولها العلمانية، إلى جانب المساهمة في دفع بعض من مريدي هذه الطرق، ليكونوا بين أبرز الوجوه السياسية في تركيا الحديثة، مثل نجم الدين أربكان، الذي شجعه شيخ جماعته على تأسيس حزبه ودعمه بأعضاء من الطريقة النقشبندية.
الدكتور أبو الفضل
الدكتور أبو الفضل الإسناوي
الإخوان والصوفية التركية
الدكتور أبو الفضل الإسناوي المتخصص فى الطرق الصوفية والحركات الإسلامية، ونائب مدير تحرير مجلة السياسة الدولية، في تصريح خاص لـ«المرجع»، أشار إلى أن الحالة الصوفية في تركيا اتجهت نحو العمل السياسي وتحولت إلى أحزاب، وهي بذلك تختلف عن مثيلاتها فى البلاد الإسلامية الأخرى، التي ترتكز على فكرة الطرق والموالد الإنشادية مع الابتعاد عن العمل السياسي، فتتبنى فكرة الولاء لآل البيت، والارتباط بموالدهم الشعبية.

وأعزت دراسة أعدها معهد «هدسون» الأمريكي في عام 2015، ظهور الإسلام السياسي في تركيا إلى الطريقة النقشبندية الخالدية، وذكرت الدراسة أن جذور هذه الطريقة السنية العميقة، الملتزمة بالشريعة الإسلامية؛ جعلها على توافق كبير مع وجهات نظر حركات الإسلام السياسي، لا سيما جماعة الإخوان.

وتشير الدراسة إلى أن «أربكان» أسس اتصالاته مع منظمات الإخوان، في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، حيث بدأت تظهر قيادات إخوانية في احتفالات حزب الرفاه في مطلع التسعينيات. كما أشارت إلى ما جرى أثناء جنازة أربكان عام 2011، التي شهدت حضورًا كبيرًا من قيادات الإخوان، حول العالم بمن فيهم خالد مشعل زعيم حركة حماس، والمرشد السابق للإخوان في مصر، محمد مهدي عاكف. 
الباحث مصطفى زهران
الباحث مصطفى زهران
الاحتفالات الدينية
خلافًا لمنهج الطرق الصوفية المشرقية، تحتفل مثيلاتها التركية بطريقتها الخاصة، من خلال الأنشطة التي تبدأ بقراءة القرآن الكريم، ثم بتبادل التهاني والتبريكات بين الأصدقاء والأقارب سواء بالهاتف أو البريد الإلكتروني أو الزيارة المنزلية. 

وفي هذا الصدد أكد الباحث مصطفى زهران، الخبير في الحركات الإسلامية والطرق الصوفية في تصريحات خاصة لـ«المرجع»، أن احتفالات الطرق الصوفية في تركيا تختلف كثيرًا عن الحالة المشرقية فيما يتعلق بمظاهر التعبير، كما أن هذه الاحتفالات مقصورة على المساجد ولا تنسحب على الطابع الشهير لدى الطرق الصوفية المشرقية.

وتابع «زهران» أن هذه الاحتفالات مرتبطة دائمًا بالعديد من أنواع الطعام التركي، والذي ارتبط وجوده بذكرى الهجرة النبوية والمولد النبوي الشريف. وأوضح «زهران» أن الحالة المشرقية تتجاوز هذا المشهد لإقامة السرادقات والحفلات وكثرة الزائرين.

الصوفية التركية..
احتفال ميلادي بتقويم هجري
على خلاف الطرق الصوفية في العالم الإسلامي، تحتفل الطرق الصوفية التركية بذكرى المولد النبوي وفق التقويم الميلادي، حيث تنتشر الفعاليات والأنشطة العامة، لمدة أسبوع كامل من يوم 20 أبريل ليوم 27 أبريل من كل عام، في حين تحتفل نظيرتها في أغلب الدول الإسلامية بهذه المناسبة في 12 من ربيع الأول من السنة الهجرية.

وفي هذه المناسبة تزدحم مساجد تركيا بالمصلين بعد صلاة العشاء، والذين يحضرون للاستماع إلى سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، في ذكرى مولده. ويتم اختيار اسم مختلف كل عام لهذا الأسبوع، ليعبر عن معنى من معاني سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم).

عملية التسمية هذه تهدف إلى تجمع مكونات المجتمع التركى كافة، وابتعاث القيم الإسلامية التي أرساها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كما تقوم العديد من الجمعيات الصوفية بتوزيع الكتب والمذكرات التي تتحدث عن سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتقديم الطعام والحلوى إلى المارة.

يذكر أن الاحتفال بالمولد النبوي وفق التقويم الميلادي، تقليد قديم يعود بالزمن إلى عهد الملك مظفر الدين التركماني، حاكم ولاية أربيل بالعراق، بعد سقوط الدولة السلجوقية 1190، واستمر هذا التقليد بعد وفاته مرورًا بالعهدين العباسي والعثماني.
"