«تكيف وبراجماتية».. موقف الأحزاب الإسلامية المغربية من قضية الخلافة
الأربعاء 18/يوليو/2018 - 04:20 م

أبوالفضل الإسناوي - خبير دراسات دول الشمال المغربي
أدى وجود أحزاب الإسلام السياسي في دول الشمال المغربي (تونس والمغرب والجزائر) كشريك أساسي في السلطة منذ عام 2011، إلى استبدال مشروع الخلافة الإسلامية، بمطالب وأهداف سياسية محددة ذات طبيعة عملية، مثل الديمقراطية، والحرية، والمواطنة، والمسؤولية والعدالة الاجتماعية، والحفاظ على كينونة الدولة ومقوماتها وثوابت الأمة وهويتها.

ومَثَّل هذا التحرك -وفقًا للعديد من المتخصصين-
اتجاهًا مغايرًا لمشروع الخلافة، الذي تبنته الحركات الأم، التي انبثقت عنها تلك
الأحزاب (النهضة التونسية، والإصلاح والتوحيد المغربية، ومجتمع السلم الجزائرية).
وقبل إجابة الدراسة عن سؤالها المركزي، وهو: ما موقف
الأحزاب الإسلامية المغربية التي تُعد جزءًا من النظام السياسي في دولها من قضية
الخلافة الإسلامية، ومن الخلافة التي تبناها تنظيم «داعش»؟ يجب الإشارة إلى أن
موقف الأحزاب الإسلامية المغربية من الخلافة الإسلامية اختلف كثيرًا عن موقف قوى
إسلامية أخرى، مثل فروع حزب التحرير الإسلامي في مختلف دول العالم، الذي أسس في
القدس بداية عام 1953؛ حيث تتبنى مشروع اعتماد الخلافة كنظام للحكم، لكن بطريقة
مختلفة عن خلافة «أبوبكر البغدادي» زعيم تنظيم «داعش».
وتتمثل إشكالية هذه الدراسة في محاولة تحديد رؤية
الأحزاب الإسلامية المغربية لمشروع الخلافة الإسلامية، والخلافة التي تبناها تنظيم
الدولة، وكذلك التطور التنظيمي والاجتماعي الذي نال تلك الأحزاب، وغيّر موقفها،
حتى من مفهوم الخلافة الذي حدده مؤسس الجماعة الأم (الإخوان في مصر)، على اعتبار
أنه من الصعوبة تحقيق الخلافة بشكلها المعلن في ظلِّ ظروف مختلفة ومتغيرة، ومن ثم
فإن الإشكالية الرئيسية تتمثل في الإجابة عن تساؤل، فحواه: لماذا وكيف تغير موقف
الأحزاب المغربية المشاركة في السلطة من مشروع الخلافة الإسلامية منذ 2011، وما
موقفها من الخلافة التي تبناها تنظيم «داعش»؟
وتنقسم الورقة إلى ثلاثة محاور، يتناول المحور الأول
رؤية الأحزاب الإسلامية المغربية المشاركة في السلطة للخلافة، ويرصد الثاني موقف
الأحزاب الإسلامية من خلافة داعش، والتباين في رؤى إسلاميي السلطة وداعش للخلافة،
ويتطرق المحور الثالث إلى التحولات المحتملة في موقف الأحزاب الإسلامية المغربية
من قضية الخلافة، في ظلِّ دوافع التكيف والبراجماتية عند تلك الأحزاب، وكذلك حدوث
تغير في السياق الداخلي أو الإقليمي.

حسن البنا
أولًا- رؤية الأحزاب الإسلامية للخلافة:
ما طرحه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان(1928) عن الخلافة
الإسلامية في مؤتمر الجماعة الخامس سنة 1938، والذي تضمن أن الدولة لا تكون
إسلامية إلا بتحكيم الشريعة وإقامة دولة الخلافة، وجد ضالته عند الأحزاب الإسلامية
المغربية منذ صعودها السياسي في عام 2011.
ولقد أعلنت الأحزاب الإسلامية المغربية (العدالة
والتنمية المغربي، والنهضة التونسية، ومجتمع السلم الجزائري في مؤتمره الاستثنائي
السابع) منذ صعودها سياسيًّا، ووصولها الحكم في دولها بعد ما عرف بالربيع العربي
في 2011، عن سعيها لدولة مدنية ديمقراطية، وأنه ليس في أدبياتها ولا من طرحها
إقامة دولة إسلامية (خلافة على منهاج النبوة)، والتزمت بالقوانين التي تصدرها
المؤسسات التشريعية المدنية في دولها[1].
ومن خلال قراءة برامج وأهداف تلك الأحزاب، التي تم
تنقيحها بعد مؤتمراتها الأخيرة التي تلت عام 2015، تبين أن تلك الأحزاب تخلت عن
كثير من أفكارها في السابق، حيث إن الحركات الأم التي تُمَثِّل تلك الأحزاب أذرعها
السياسية، قد قامت بهدف إنهاض المجتمع، وإعادة الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة
الإسلامية في كل نواحي الحياة، ولكن منذ وصولها السلطة أصبحت تنادي بقيام دولة
مدنية ديمقراطية، وتؤكد على حدود الدول الوطنية، وتلتزم بقوانينها من منطلق التكيف
مع تحديات اللحظة الراهنة، وفي ظلِّ موازين القوى السائدة والنافذة في مجتمعاتها التي
تغيرت، بعد سقوط تنظيم الإخوان في مصر منتصف عام 2013 [2].
ويمكن التطرق إلى رؤية الأحزاب المغربية الإسلامية
المشاركة في السلطة بدولها على النحو التالي:(*)
حركة النهضة التونسية: من منطلق قيام الحركة بإجراء
تغيرات في أسلوب عملها، وهيكلها الحزبي على أساس الفصل بين مؤسسات الدعوة وغيرها
من النشاطات الاجتماعية، وبين الحزب السياسي الذي يعمل ويتحرك في نطاق اللعبة
السياسية والصراع السياسي منذ 2011، خلا النظام الأساسي للحركة بعد تنقيحه من
المؤتمر العاشر المنعقد في مايو 2016، من إعلان صريح عن مشروع الخلافة الإسلامية،
مقتصرًا فقط على أنه من أهداف الحزب الرئيسية النضال من أجل وحدة المغرب العربي،
كخطوة باتجاه تحقيق الوحدة العربية، فالوحدة الإسلامية[3].
وقد تضمن النظام الأساسي للحركة التأكيد الصريح على
ترسيخ المواطنة والحرية والمسؤولية، كبدائل عملية عن مشروع الخلافة الإسلامية،
ونصت ديباجة المؤتمر على أن حركة النهضة حزب سياسي وطني ذو مرجعية إسلامية، يعمل
في إطار الدستور والقانون، وفي إطار النظام الجمهوري على الإسهام في بناء تونس
الحديثة[4].
من السابق، يمكن القول: إن حركة النهضة تخلت تمامًا عن
قضية الخلافة الإسلامية بمفهومها التقليدي في مشرعها الإصلاحي، الذي تبنته منذ
مايو 2016؛ حيث تلاحظ في كتابات راشد الغنوشي زعيم الحركة، بعد المؤتمر العاشر،
غياب أي تفصيل شرعي لإقامة الدولة الإسلامية، بل ذهب إلى نحو مقاربة مختلفة تعتمد
مبدأ الضرورة الاجتماعية لا الوجوب الشرعي المؤسس للنص[5].
واعتبر الغنوشي أيضًا أن القول بواجب الأحزاب الدينية
بفرض رؤيتها على المجتمع، يعد تأويلًا فاسدًا للدين، على اعتبار أن الإسلام لا
يفرض كل نصوص الدين، وأنه ليس من مهمة الدولة فرض عقيدة ما على شعب، ومهمتها تقديم
الخدمات للناس[6].
وقال الغنوشي في حوار لصحيفة لوموند الفرنسية، نشرته
صُحف عربية بعدها في مايو 2016: إن "الإسلام يتعايش مع الدولة، والدولة -وكما
هو مذكور في دستورنا- تحمي الإسلام، والمسلمون ومجتمعنا الحر يحمي الإسلام؛ إذ
الإسلام لا يحتاج إلى حزب واحد يحميه"[7].
ما ذكره الغنوشي حول الخلافة والدولة المدنية، قد يشير
إلى حدوث تحولات كبرى في مفهوم الخلافة الإسلامية عند حركة النهضة وزعيمها راشد
الغنوشي، وإن كان من منطلق براجماتي.(*)
حركة مجتمع السلم الجزائرية: اتبعت حركة مجتمع السلم
الجزائرية (حمس) التدرج في التنازل عن مشروع الخلافة الإسلامية، الذي كان يبرر
وجودها كغيرها من الحركات الإسلامية لفترة طويلة من الزمن؛ حيث اختفت رواسب حلم
الخلافة الإسلامية عند الحركة تدريجيًّا خلال الفترة من 1976 التي شهدت اعتقالات
في فترة حكم الرئيس الجزائري هواري بومدين، مرورًا بأزمة العشرية السوداء والصدام
الدموي بين جبهة الإنقاذ الإسلامية والسلطة في الجزائر عام 1992، حتى سقوط الإخوان
في مصر في يونيو 2013، وعقد الحركة لمؤتمرها الخامس في مايو 2015، الذي صاحبه
تنازل كامل عن مشروع الخلافة واستبداله بمصطلح الدولة المدنية، والدعوة إلى الوحدة
الوطنية الجزائرية ترابًا وشعبًا في ظلِّ نظام جمهوري يقوم على التعددية الحزبية
والتداول السلمي للسلطة[8].
قراءة الديباجة النهائية التي خرجت عن المؤتمر
السابع الاستثنائي للحركة في مايو 2018، ومن قبله المؤتمر الخامس في 2015، يشير
إلى أن الحركة تجاهلت مفهوم ومشروع الدولة الإسلامية، ولم تتطرق لها وتحدثت عن
تفعيل اتحاد المغرب العربي، وتنشيط المنطقة العربية الحرة الكبرى، وتعزيز
المبادلات الاقتصادية مع دول العالم الإسلامي في إطار منظمة التعاون الإسلامي[9].
التنازل المتدرج الذي اتبعته حركة مجتمع السلم في موضوع
الخلافة عبر عشرات السنين، يظهر تبني الحركة في مشروعها السياسي عبر مؤتمراتها
المختلفة لمركزية إقامة الدين على مستوى خط المجتمع عبر الوظيفة الدعوية والوظيفة
الاجتماعية، ومركزية إقامة الدولة على مستوى المؤسسات الرسمية لها عبر الوظيفة
السياسية من خلال الحزب السياسي[10].
من ثم يمكن القول: إن حركة مجتمع السلم تجاوزت عن فكرة
الدولة الإسلامية من منطلق براجماتي، يتمثل في التعايش السلمي مع النظام الحاكم؛
حيث تجاوزت الحركة الحكم العدمي تجاه الدولة الوطنية، واعترفت بها، وتعاونت مع
أطرافها، باعتبار أن الدولة الحديثة ليست كفرًا أو مرتدةً عن الإسلام، حتى يتم إقامة
دولة إسلامية على أنقاضها[11].
وقد أكد هذا الاتجاه لائحة السياسة العامة للحركة؛ حيث
تضمنت الديباجة النهائية للمؤتمر الخامس، الحفاظ على كينونة الدولة الجزائرية
ومقوماتها، وأن الحركة تنطلق من معطيات محددة منها الدستور الجزائري وقوانين
الجمهورية، ويقوم عملها على أساس الوحدة الوطنية والنظام الجمهوري والتعددية
الحزبية والتداول السلمي للسلطة، في سبيل تحقيق أهداف عدّة، منها بناء الدولة
الديمقراطية الجزائرية ذات السيادة، من خلال ممارسة السياسة بأشكالها كافة، وفق
تحالفات وعلاقات وتكتلات سياسية[12].
(*) حزب العدالة والتنمية المغربي:
انطلاقًا من الطبيعة البراجماتية لأغلب حركات الإسلام
السياسي، فإن حزب العدالة والتنمية المغربي أخذ مسارًا مختلفًا عن الحركة الأم
(الإصلاح والتوحيد) فيما يتعلق بمشروع الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية، خاصةً
أن الحركة تقدِّم نفسها منذ تأسيسها على أنها تقوم على المطالبة بإقامة شرع الله،
والحكم بما أنزل الله، واعتماد الدين كأساس للحياة العامة[13].
فمنذ عام 2011 والحزب يظهر من خلال برامجه ومؤتمراته
وتبنيه للدولة المدنية الملتزمة بثوابت الدين الإسلامي، التي تتنافى مع دولة
الخلافة، فقد قال سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب في حوار مع صحيفة
«مراسلون» الإلكترونية الموريتانية في يناير 2016: "نحن لم يكن عندنا قط على
الطاولة موضوع الخلافة الإسلامية، ولا إنشاء الدولة الإسلامية الآن بالمغرب»،
وأضاف: «ليس هناك مشروع إسلامي في رأي الحركات الإسلامية اليوم، فهي تُسهم
سياسيًّا عندما تتحول إلى أحزاب سياسية، فهي تنافس على مشروعات سياسية اجتهادية،
تصوغها على حسب واقعها، وليس بالضرورة على أمور دينية»[14].
استكمالًا لما سبق، يمكن القول: إن حزب العدالة والتنمية
يقوم بتغير تكتيكي في موقفه من الدولة الإسلامية، وإيمانه بالدولة المدنية التي
تتنافى مع دعائم دولة الخلافة، ويظهر الحزب وفقًا لبرامجه ومؤتمرات قادته أنهم
يقبلون بالقوانين المدنية المعمول بها في الدولة المغربية، وهنا الحزب يحاول أن
يظهر حتى ولو من منطلق براجماتي الولاء للوطن، وليس للتنظيم أو الجماعة، وأنه يحرص
على الدولة المدنية التي لا تستخدم مصطلحات الدولة الإسلامية، التي تتنافى مع دولة
الخلافة.
ولتأكيد هذا نشير إلى تصرح أمين عام الحزب سعد الدين
العثماني لبعض وسائل الإعلام؛ حيث قال، «إنه منذ بداية تأسيس الحزب نستعمل لفظ
الديمقراطية ولا نستعمل لفظ الشورى، ونتبنى الديمقراطية كلية، ونعتبر الديمقراطية
مبدأ، بينما الشورى نظامًا»، وأضاف: «كل دولة تخضع لنموذج حسب سياقها التاريخي
الخاص، مثلًا نحن في المغرب، الملك تقليديًّا، ومنذ قرون هو أمير المؤمنين فهذا
واقع، لكن هذا لا يحيل الدولة إلى دولة دينية، بل دولة مدنية حديثة»[15].

أبوبكر البغدادي
ثانيًا- موقف الأحزاب الإسلامية من خلافة «داعش»
والتباين في الرؤى:
حسمت أغلب قوى الإسلام السياسي، خصوصًا الأحزاب
الإسلامية المغربية المشاركة في السلطة، موقفها بالرفض لخلافة تنظيم «داعش» وتنصيب
«أبوبكر البغدادي» زعيم التنظيم خليفةً للمسلمين، انطلاقًا، وتبعية لموقف ما يعرف
بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تلك المؤسسة التي أسست عام 2004 برئاسة يوسف
القرضاوي، الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين في كل دول العالم؛ حيث تماشى
موقف كل من حركة النهضة التونسية وحزب العدالة والتنمية المغربي، وحركة مجتمع
السلم الجزائرية، مع البيان الذي أصدره «الاتحاد» ردًّا على خلافة داعش في بداية
يوليو 2014، الذي اعتبر أن «إعلان تنظيم الدولة عما سماه بالخلافة ما هو إلا
افتقار لفقه الواقع، وأشبه بالانقضاض على ثورة الشعب التي يشارك فيها أهل السنة
بكل قواهم»[16]، و«أن انفصال التنظيم عن الجماعة وإعلانه خلافة إسلامية وتنصيب
خليفة للمسلمين، ومطالبهم بمبايعته والانصياع لأوامره، لا تستند إلى معايير شرعية
ولا واقعية، بل ضرره أكثر من نفعه»[17].
فقد رفضت حركة النهضة التونسية خلافة «أبوبكر البغدادي»،
وعبر عن موقف الحركة ما صرح به زعيمها راشد الغنوشي في أغسطس 2014؛ حيث قال: إن
"ما قيل عن قيام دولة الخلافة، هو عمل طائش يعطي رسائل خادعة للناس»، معتبرًا
أن الدول لا تنشأ بهذه الطريقة[18].
وبرر الغنوشي موقفه بأن ربط مفهوم الخلافة الإسلامية
بتنظيم بعينه اشتهر بين الناس بالتشدد، لا يخدم المشروع الإسلامي، ويشوه مفهوم
الخلافة؛ لما أدت إليه من ظلم كبير وردود فعل غير موزونة وسقوط العديد من الضحايا،
ونشرت صحيفة الشروق التونسية في يوليو 2014 تصريحات للغنوشي تعقيبًا على خلافة
«أبوبكر البغدادي»، قال فيها: إن «دولة المدينة المنورة التي أنشأها النبي صلى
الله عليه وسلم قامت على أساس المواطنة والتعايش بين الأديان والأعراق المختلفة،
منكرًا أشكال الحكم الطائفية لخلافة داعش»[19].
أما حزب العدالة والتنمية المغربي فقد نفى صلته
بأيديولوجية تنظيم داعش، ورفض خلافته من منطلق المخالفة الشرعية لشروط الخلافة، مستغلًّا
تكفير التنظيم لبعض عناصره، وتوجيه التنظيم الانتقادات له، ووصف عناصره بالمقصرين
والزائفين وحتى الكفار، إضافةً إلى تهديد داعش لدولة المغرب[20].
ولم يظهر موقف صريح من حركة مجتمع السلم الجزائرية تجاه
خلافة تنظيم الدولة، لكنها اعتبرت «داعش» من التنظيمات الخطرة على المجتمع
الجزائري، وطالبت الحكومة بوضع خطة لاستيعاب الشباب الجزائري العائد من معاقل
التنظيم في سوريا والعراق[21].
إجمالًا يمكن القول: إن بعض قوى الإسلام السياسي
المغربية توخت الحذر في موقفها من خلافة «داعش» من منطلق أن صمتها أو تأييدها -حتى
غير المباشر لخلافة التنظيم- كان سيضعها في تناقض مع التحولات التنظيمية والداخلية
التي تجريها منذ 2014، والتي من أهم الفصل بين الدعوي والسياسي، ودعمها للدولة
المدنية في مواجهة الدولة الإسلامية، كما أن عدم الوضوح في موقفها كان سيفقدها
علاقاتها مع أطراف دولية؛ لذلك رفضت أغلب الأحزاب الإسلامية المغربية المشاركة في
السلطة خلافة داعش؛ لمخالفتها الشرعية لشروط الخلافة[22].

الغنوشي
ثالثًا- التحولات المحتملة في موقف الأحزاب
الإسلامية من قضية الخلافة:
رفض الأحزاب الإسلامية لخلافة «أبوبكر البغدادي»، على
اعتبار عدم إتاحة الفرصة لتحقيق الخلافة في الوقت الراهن، وأن هناك عوامل ظرفية لم
تمس مبدأ وجوهر رؤيتها للمشروع[23]، يكشف أن موقف أغلب التيارات الإسلامية من
الخلافة الإسلامية، والدولة المدنية الحديثة، منذ منتصف عام 2013، كان من منطلق
براجماتي، خاصةً أن حلم الخلافة يظل الغاية الأبعد لتلك الأحزاب المغربية وغيرها،
لإدراكها أن التنازل عن الخلافة ولو مستقبلًا يتناقض مع الأسس العقائدية
والأيديولوجية التي قامت عليها، والتي تظل بمثابة مصيدة للشباب والجماهير.
توضيحًا لما سبق، يمكن القول: إن موقف الأحزاب الإسلامية
المعلن من الخلافة، وفكرة الدولة الإسلامية الذي يتشكل منذ الثورات العربية 2011،
قد يتغير مستقبلًا، وأن تراجع تلك الأحزاب عن مشروع الخلافة قد يكون ظرفيًّا
ومؤقتًا، خاصةً أن الظروف في الوقت الراهن تعد غير مواتية لفكرة الخلافة
الإسلامية، وإن تغيرت تلك الظروف واستطاعت الأحزاب الإسلامية السيطرة على السلطة
في بلادها، قد يتغير موقفها، وترجع مرة أخرى إلى الترويج لمفهوم الخلافة.
واقع الأحزاب المغربية، وتحركات الغنوشي لتدوير نموذج
حركة النهضة في دول عربية أخرى، يشير إلى أن فكرة الخلافة مازالت قائمة عند تلك
الأحزاب، وأنها تعيش الآن في وضع كمون مؤقت حتى تتهيأ الظروف، فما تضمنه بيان
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الصادر في الثالث من يوليو 2014 -الذي بادر برفضه
خلافة داعش، ولم يلغ فكرة الخلافة من الأصل، بل أكد وجودها، فقد قال البيان: «إننا
كلنا نحلم بالخلافة على منهاج النبوة، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تقوم اليوم قبل
الغد»[24].
في النهاية، يمكن ترجيح حدوث تغير في موقف الأحزاب
الإسلامية المشاركة في السلطة من الخلافة في المستقبل، وقد تسعى تلك الأحزاب في
حال سيطرتها على الحكم إلى الإعلان عن حلم الاتحاد الكونفدرالي للدولة الإسلامية،
الذي تحدث عنه يوسف القرضاوي أخيرًا، والقائم على أسلوب التدرج في الوصول إلى
الهدف؛ تلبية لنداء مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، "بضرورة تقوية الروابط بين
الأقطار الإسلامية جميعا، وبخاصة العربية كمراحل أولوية في تكوين دولة الخلافة
الإسلامية»[25].
[1]
صحيفة العرب اللندنية، «تراجع الإسلام السياسي من الانحراف الفكري إلى فشل تجربة السلطة»، على الرابط http:cutt.usd3eTE
[2]
الموقع الرسمي لحركة مجتمع السلم الجزائرية، «قراءة الباحث للديباجة النهائية- البرنامج السياسي لحركة مجتمع السلم»، المؤتمر الخامس، مايو 2015، على الرابط http:www.hmsalgeria.netportalpolitique_generale.html
[3]
الموقع الرسمي لحركة النهضة التونسية، «ديباجة النظام الأساسي للحركة بعد تنقيحه من المؤتمر العاشر مايو 2016»، على الرابط http:cutt.usicUZI
[4]
المرجع السابق.
[5]
برنامج لعبة الأمم، قناة الميادين الفضائية، «الخلافة الإسلامية من الدولة إلى الدمار والدموع.. من المسؤول»، على الرابط http:cutt.usPfPO1
[6]
برنامج لعبة الأمم، قناة الميادين الفضائية، «الخلافة الإسلامية من الدولة إلى الدمار والدموع.. من المسؤول»، المرجع السابق، على نفس الرابط.
[7]
انتصار تاريخي، «تجربة النهضة في فصل السياسة عن الدين: تغير تاريخي أم لعبة خطرة؟»، على الرابط http:cutt.usesTBo
[8]
الموقع الرسمي لحركة مجتمع السلم الجزائرية، مرجع سابق.
[9]
المرجع السابق.
[10]
الموقع الرسمي لحركة مجتمع السلم، «الحركة.. وسؤال المنهج التغييري»، على الرابط http:cutt.usnbyXe
[11]
المرجع السابق.
[12]
الموقع الرسمي لحركة مجتمع السلم الجزائرية، «قراءة الباحث للديباجة النهائية- البرنامج السياسي لحركة مجتمع السلم»، المؤتمر الخامس، مايو 2015، مرجع سابق.
[13]
وديع جعواني، «حزب العدالة والتنمية من الدولة الدينية إلى الدولة المدنية سياسيًّا»، على الرابط http:cutt.usCduyQ
[14]
موقع مراسلون الموريتاني، «العثماني لمراسلون: القرآن والسنة لم يأتيا بنظام إسلامي أسنه الشورى» على الرابطhttp:cutt.usXKbvv
[15]
الموقع الرسمي للدكتور سعد الدين العثماني، على الرابط http:cutt.ushoBHL
[16]
. CNN بالعربية، «القرضاوي: خلافة «داعش» باطلة وتهدد سنة العراق والثورة في العراق»، على الرابطhttp:cutt.usLsijz
[17]
برنامج لعبة الأمم، قناة الميادين الفضائية، «الخلافة الإسلامية من الدولة إلى الدمار والدموع.. من المسؤول»، مرجع سابق.
[18]
صحيفة العرب اللندنية، «إعلان الخلافة: التيارات الإسلامية والاختبار المر»، على الرابطhttp:cutt.ushckAh
[19]
إسماعيل دبارة، «راشد الغنوشي: إعلان دولة الخلافة عمل طائش»، على الرابط http:cutt.usK3fwB
[20]
فيش سكثيفيل، «الدولة الإسلامية تلاحق إسلامي المغرب»، على الرابط http:cutt.uskjnjz
[21]
أصوات مغاربية، «ما الذي ينتظر الدواعش العائدين إلى الجزائر»، على الرابط http:cutt.us3YEm
[22]
صحيفة العرب اللندنية، «إعلان الخلافة: التيارات الإسلامية والاختبار المر»، مرجع سابق.
[23]
المرجع السابق.
[24]
أحمد الريسوني، «الخلافة في مناج النبوة والخلافة في منهاج داعش»، على الرابط http:cutt.usQR9du
[25]
كتاب، رسائل الإمام حسن البنا، دار الشهاب، 1980: رسالة المؤتمر الخامس، ص ص 147-187.