الخلافة الإسلامية في الدراما التركية.. «قيامة أرطغرل» نموذجًا
السبت 14/يوليو/2018 - 11:03 ص
محمد الدابولي
في الوقت الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط، باضطراب سياسي، أنتجت تركيا «مسلسل قيامة أرطغرل» الذي يحمل العديد من الإسقاطات السياسية المعبرة عن التوجهات التركية بإحياء ما يسمى بـ«الخلافة العثمانية»، وحظي المسلسل بعناية خاصة من قبل الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»؛ حيث زار موقع تصوير المسلسل في نوفمبر 2016، فضلًا عن اصطحاب فريق عمل المسلسل في زيارته للكويت في مايو 2017.
وتعد الدراما التركية إحدى أدوات التغلغل التركي في شؤون الدول العربية، فمن الترويج للبضائع والسياحة التركية، إلى التبشير بعودة الخلافة العثمانية على أنقاض الصراعات الدموية التي تشهدها سوريا، ورغم أن المسلسل يدور في حقبة نشأة الدولة العثمانية في القرن الثالث عشر ميلاديًّا، فإن له إسقاطات على أرض الواقع، فيمهد لترسيخ الهيمنة الجيوسياسية التركية على الدول العربية، تحت ستار عودة الخلافة الإسلامية «العثمانية».
مسلسل أرطغرل
مركزية حلب
دائمًا تحتل «حلب» دورًا مركزيًّا في الفكر الداعي إلى إقامة أي خلافة إسلامية، فالأمويون والعباسيون حرصا على الاستيلاء عليها من أجل تقوية خلافتهما، وفي الوقت الحاضر سعت الدول والجماعات التي تروج لمفهوم الخلافة إلى السيطرة على المدينة، فـ«داعش» لجأ إلى بسط سيطرته على «دابق ـ تتبع محافظة حلب»، وفي المقابل حرصت تركيا على السيطرة على «حلب»، سواء في الواقع الافتراضي «مسلسل أرطغرل»، أو على أرض الواقع.
مهّد الواقع الافتراضي إلى ما آلت إليه الأوضاع حاليًّا في حلب وريفها، ففي أحداث المسلسل، روج صانعوه أن المدينة تعيش في حالة من الاضطراب والحصار؛ ما دفع قبيلة الكايي المسلمة «تركيا» إلى تقديم الغوث للمدينة، وإنقاذها من الحصار والمؤامرات.
وتتطابق رواية المسلسل مع واقع الأحداث حاليًّا في شمال سوريا، فالمسلسل جعل المُشاهد التركي والعربي يبرر التدخل التركي في «منبج» و«عفرين» (عملية غصن الزيتون ـ يناير 2018)، كنوع من تقديم النجدة والغوث لأهالي حلب، مثلما فعل «أرطغرل» في السابق، حتى بات الشمال السوري خاضعًا بدرجة شبه كاملة للسيطرة التركية، وكأن عملية زحزحة للحدود التركية قد تمت جنوبًا باتجاه مدينة «حلب».
قبيلة «الكايي» التركية
احتكار البطولة
وفي سبيل الترويج التركي لمفهوم الخلافة الإسلامية تزعم تركيا احتكارها للإسلام والدفاع عنه، فالجماعات الإسلاموية مثل «الإخوان»، تروج أن النموذج التركي هو النموذج الأمثل للنظام الإسلامي، وأن «أردوغان» هو المثل الأعلى للقيادة الإسلامية في العصر الحديث، وعزز المسلسل هذا التوجه من خلال تصوير قبيلة «الكايي» التركية، على أنها المدافعة عن الإسلام دون غيرها، وأن قائدها «أرطغرل» هو بطل الأمة الإسلامية وحامل لوائها.
بعيدًا عن التوظيف السياسي للمسلسل، نجده تعامل مع المرأة من المنظور الإسلاموي، فالدراما التاريخية والدينية العربية كانت محط اعتراض من الجماعات الإسلاموية؛ نظرًا لصورة المرأة بها المغايرة لوجهة نظر تلك الجماعات.
وتدور صورة المرأة في المنظور الإسلاموي على أنها المرأة المطيعة لزوجها التي تقتصر مهامها على خدمة زوجها والإمعان التام في طاعته، وهو ما حققه المسلسل؛ حيث جرى تصوير المرأة على هذا النمط، فالزوجة في المسلسل تخاطب زوجها بكلمة «سيدي» للإمعان في الطاعة والخضوع، وهو ما يفسر الإقبال الشديد على مشاهدة المسلسل من قبل الجماعات الإسلاموية.
صلاح الدين الأيوبي
رؤية مغايرة
مجّد المسلسل القومية التركية، وألغى دور القوميات الإسلامية الأخرى، فمن المؤكد أن الفترة التي عاشها «أرطغرل» كانت قبيلته تخضع فيها لحكم الخلافة العباسية، وهو الأمر الذي لم تشر إليه أحداث المسلسل، كما عمل المسلسل على ادعاء تصدي قبيلة «أرطغرل» للهجمات الصليبية، إلا أنه في الحقيقة الدولة الأيوبية (خلفاء صلاح الدين الأيوبي) هي من تصدى لتلك الحملات.
ولعل تصوير قبيلة «الكايي»، بأنها من تصدت للحملات الصليبية، يحمل إسقاطًا سياسيًّا؛ حيث يجري تمثيل الخلافات التركية الأوروبية على أنها جزء من الحملات الصليبية كمحاولة لإضفاء بُعد ديني على تلك الخلافات.
إضافة إلى إنكار الدولة الأيوبية في مواجهة الصليبيين، ولم يُشِرِ المسلسل إلى دور الدولة الخوارزمية التي صمدت لفترة طويلة من الزمن أمام هجمات المغول، وعطلت اجتياحهم للخلافة العباسية.
إنكار المسلسل لدور الدول الإسلامية في ذلك الوقت يتطابق مع السياسة التركية الحالية التي تروج إلى اهتمامها هي وحدها فقط بالقضايا الإسلامية، مثل قضية «القدس» وقطاع «غزة»، وإنكار أي جهود أخرى تقوم بها الدول الإقليمية في سبيل رفع الحصار عن قطاع غزة، وحل قضية القدس.
أردوغان
نظرة للداخل
مثلما روج المسلسل لفكرة عودة الخلافة العثمانية، عمل أيضًا على ترسيخ دعائم النظام التركي الذي تعرض لهزة في أعقاب الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، ففي نوفمبر من العام ذاته زار «أردوغان» وأسرته موقع تصوير المسلسل، ومدح وأثنى على أسرة العمل، في محاولة للربط بين الانقلاب الفاشل والمؤامرات التي تحاك ضد «أرطغرل»، فأردوغان هو أرطغرل العصر، ومؤسس الخلافة العثمانية الجديدة، أي أن المسلسل يعمل على تأمين الشرعية السياسية للنظام السياسي، وأنه إحدى وسائل التعبئة الشعبوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
وأخيرًا.. يجب الأخذ في الاعتبار أن نجاح المسلسل يعود إلى حالة الإحباط الحضاري التي يعاني منها المسلمون، وعمل المسلسل على تغذية حاجة الجماهير المسلمة من البطولات التاريخية التي تبرز مجد المسلمين في وقت من الأوقات؛ لذا يجب أن تبرز الدراما العربية العديد من البطولات الحضارية للمسلمين.
ويتبقى القول: إن المسلسل يعمل على تغيير الصورة الذهنية عن الخلافة العثمانية لدى المسلمين في مصر والشام، إلا أن أذهان الشاميين لاتزال تتذكر مجازر ومذابح «جمال باشا»، كما لم ينس المصريون حالة التبوير الحضاري الذي مارسته الخلافة العثمانية من نقل المَهَرَة والصناع إلى الأستانة، وترك القاهرة خاوية بعد أن كانت عامرة زاهرة.





