«الصحوة الصوفية».. مبادرة شبابية تعيد التصوف إلى سيرته الأولى
يذكر أنه كان يلتصق بذراع والده ليعلمه حب الله، وقتها كان في السادسة
من عمره، كبر في بيت ريفي بقرية «إخناواي»، بمحافظة الغربية (دلتا مصر)، تحت أعين أب
صوفي منتمٍ للطريقة «الرفاعية» (كبرى الطرق الصوفية بمصر).
هو مصطفى الأقرع ذو الـ 39 عامًا، يعمل مستشارًا دينيًّا للطريقة «البيومية» (إحدى الطرق الصوفية المصرية)، عرف الصوفية في عامه السادس على يد والده، وتوّج معرفته بدراسة علم التصوف بالمعاهد الأزهرية، لينتهي جهده إلى مبادرة حديثة تحت اسم «الصحوة الصوفية».
لأسباب تتعلق بالهجوم الشديد على التصوف وتلخيصه من قبل معارضيه في «انحرافات مدسوسة على الصوفية» بحسب رأيه، قال «الأقرع»، في تصريح لـ«المرجع»: إنه فكر في تأسيس المبادرة، مضيفًا: «أشفقنا على الشباب الذي وصل له بالخطأ أن الصوفية انحراف ديني، وفكرنا في أن تصحيح الخطأ أمر ضروري ».
من هم الذين أشفقوا وفكروا؟ يقول «الأقرع»:
تبدأ القصة من قبل 2015، وكنت قائمًا على صفحة على موقع «فيس بوك» خاصة بتوضيح التصوف
الصحيح، وقتها نجحت الصفحة في جذب أكثر من 13 ألف متابع، بعضهم من جنسيات عربية.
ويضيف أن الصفحة انتهى بها الحال إلى الغلق بعدما سرقت من أحد عناصر الإخوان، بحسب قوله؛ ليفكر هو وصديق صوفي آخر اسمه إبراهيم سعيد، طالب جامعي (22 عامًا) في 2017، في تكرار التجربة، ولكن هذه المرة تحت اسم «الصحوة الصوفية».
سريعًا ضمت «الصحوة» شبابًا متصوفة، بعضهم
أساتذة بجامعة الأزهر قادمون من خلفيات صوفية، وآخرون باحثون في قضايا التصوف بدرجات
الماجستير والدكتوراه، لا سيما هؤلاء المتصوفة المنضمين من جنسيات أخرى (سورية، جزائرية،
يمنية).
ويتلخص جهد الفريق المكون من 19 شخصًا، أغلبهم من دارسي التصوف بشكل أكاديمي، في صفحة على موقع «فيس بوك»، حملت اسم «شباب الصحوة
الصوفية لتوضيح التصوف»، وتتركز منشوراتها للرد على المشككين في الصوفية.
وتقدم الصفحة مضمونًا صوفيًا يبدو مختلفًا
في بعض الأحيان عن تلك القواعد الشائعة عن التصوف، كأن يبيح أفراد الفريق الاختلاف
مع الشيخ إذا كان الصوفي متيقنًا من أن شيخه ليس على الحق، وهي عكس القاعدة المنسوبة للصوفية
التي تقول إن المُريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله، ما يشير إلى شدة الطاعة والاستجابة.
كما يهتم الفريق بتناول القضايا المثارة
منذ قرون حول التصوف، من شرعية التوسل بالأولياء في الدعاء، وزيارة المقابر وتقديس
الأضرحة، بحيث يهتم أفراد الفريق في عملهم بتوفير الأسانيد الشرعية الداعمة لهذه
المفاهيم الصوفية من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وهدفهم في ذلك حسم هذه القضايا الخلافية
في عقل من يسمعون عن التصوف ولا يقرؤون فيه، بل الهدف الأكبر هو إثبات أن التصوف علم
شرعي وليس دخيلًا على الدين.
ويكشف «الأقرع» عن نيته في تقديم مبادرته
للمجلس الأعلى للطرق الصوفية (أعلى جهة صوفية في مصر)، بحيث يتم تحويلها إلى كيان رسمي
يحمل اسم «رابطة» ويعمل تحت مظلة المجلس، مفسرًا دوافعه إلى ذلك بأن المبادرة تحمل
هدفًا مهمًا في الفترة الراهنة ويستحق دعمه من قبل الجهات الرسمية.
مبادرة الشباب الصوفي المائلة للعمل الأكاديمي، ليست وحدها، إذ تعيش الصوفية المصرية حالة انتعاشة يعتبرها البعض صحوة حقيقية للتصوف، وهدفها إحياء الصوفية السليمة الملتزمة بالشرع وأحكام الدين لا الصاعد عليها، ويسمى هذا بـ «التصوف المتشّرع».
أبرز ملامح هذا التصوف هو تقديس قيمة الدرس
العلمي، حتى إنه يُقدّم على الحضرة الصوفية (جلسات الذكر الديني)، والموالد (احتفالات
صوفية تجذب الآلاف، وجرت العادة على حرص المتصوفة على حضورها)، ويظهر ذلك في الدروس
العلمية التي يعكف مشايخ أزاهرة متصوفة على تقديمها بشكل أسبوعي ويشرحون فيها كتب تقدم
التصوف بشكل مبسّط.
مثل كتاب «أبجديات التصوف» لرائد العشيرة المحمدية الدكتور الأزهري، محمد زكي الدين إبراهيم، الذي يشرحه الدكتور مجدي عاشور، الصوفي والمستشار العلمى لمفتى الجمهورية بمسجد طريقة العشيرة المحمدية بالقاهرة القديمة، وكتاب «قواعد التصوف»، للصوفي المغربي أحمد زروق، الذي يشرحه الدكتور محمد مهنّا، مستشار شيخ الأزهر كل أربعاء بالرواق الأزهري (ساحة الجامع الأزهر ويقدم فيها الدروس العلمية منذ تأسيس الأزهر قبل 1000 عام).
ويقول «الأقرع»: إن «التصوف لا يقاس بالمشاركة في حضرة، ولا بأن يقتطع الصوفي من مال بيته ووقت عمله ليقضي أيامًا كاملة في السفر لزيارة ضريح أو حضور مولد»، موضحًا «أن الأهم هو أن يفهم الصوفي التصوف بشكل سليم، ولو احتاج بيته لمال سفره وجب توفيره».





