يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

تركيا والأكراد.. تاريخ إقصائي ومستقبل يرسمه العنف والسلاح

الأربعاء 04/يوليو/2018 - 10:52 م
المرجع
مصطفى صلاح
طباعة
تتباين المواقف التركيَّة تجاه العديد من القضايا، إلا أن ملف الأكراد وقضيتهم ومستقبلهم في المنطقة، يحتل الجانب الأكبر في توجهات تركيا الداخلية والخارجية، بل إن هذا الملف يعتبر أحد الثوابت التي يمكن من خلالها تحليل السياسة التركيَّة وأهم محدداتها، خاصة تجاه الدول التي يمثل المكون الكردي أحد روافدها الداخلية مثل: سوريا والعراق وإيران.

وتمثل السياسة التركيَّة الخارجية انعكاسًا لمحصلة من التفاعلات والسياسات الداخلية تجاه الأكراد؛ حيث تتبع تركيا استراتيجية من شأنها مقاومة وتطويق الأكراد في الداخل والخارج، رغم أنهم يمثلون أكبر أقلية عرقية داخل تركيا بنسبة 20%، فتركيا تفتقر -حتى الآن-إلى دستور يكرس مبدأ المواطنة ويراعي التنوع الثقافي والعرقي والإثني في البلاد. 
تركيا والأكراد..
الأكراد والحق المفقود
لعب الأكراد دورًا مهمًا في حرب التحرير التي قادها «مصطفى كمال أتاتورك» – مؤسس الجمهورية الحديثة –عام 1922، والتي نجحت في إقامة دولة تركيا على أنقاض الدولة العثمانيَّة، ورغم مشاركتهم لكنهم حرموا من فرصة إقامة دولة مستقلة خاصة بهم، وذلك بعد أن رأى «أتاتورك» أن أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط الدولة العثمانيَّة هو وجود العديد من العرقيات والإثنيات المختلفة، مما دفعه إلى تبني سياسة إقصائية كان من شأنها الوقوف أمام هدف الأكراد المتعلق بإقامة دولة لهم في الجنوب التركي بنظامها الجديد، ذلك لتجنب مصير الإمبراطورية السابقة نفسه.

لم يقف الأمر عند «أتاتورك» وحده، بل امتد إلى خلفائه من الرؤساء، بأساليب أخرى قد تكون أكثر تشددًا وإجحافًا، وعليه؛ تعددت مظاهر الاضطهاد من قِبل السلطات التركيَّة تجاه الأكراد؛ ولعل أبرز تلك المظاهر تتمثل في التالي: (التضييق على تعلم اللغة الكردية، التمييز في فرص العمل، وكذلك القبول بالجامعات، التهميش الذي تتميز به مناطق الأكراد في معظمها بغياب عمليات التنمية والتأهيل، فضلًا عن المواجهة المسلحة ضدهم وأحزابهم السياسيَّة).

الأكراد والمواجهة العسكرية
في الـــ 27 من نوفمبر 1978، تم إنشاء حزب «العمال الكردستاني» الكردي في «ديار بكر»، بطريقة سرية على يد عدد من الطلاب الماركسيين الأكراد، بينهم «عبد الله أوجلان»، الذي اختير رئيسًا للحزب وتم استهدافه من جانب الحكومة التركيَّة، وفي عام 1984، بدأ حزب العمال نشاطه العسكري في مواجهة الحكومات التركية المتتالية، واعتقل زعيمه «أوجلان»، في 1999، وفي عام 2010، وعلى الرغم من الصدامات العسكرية بين الجانبين، فقد عُقدت مفاوضات سريَّة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية في العاصمة النرويجية «أوسلو»، لكنها لم تسفر عن نتائج إيجابية.

الداخل التركي
في ظل سيطرة حزب «العدالة والتنمية» على الحكم، عقدت الحكومة التركيَّة اتفاقًا مع الأكراد بوقف إطلاق بعد مطالبة «أوجلان»، بوقف إطلاق النار من جانب واحد لإنهاء النزاع المسلح من أجل حكم ذاتي للأكراد، واستمر وقف إطلاق النار إلى عام 2004؛ حيث أعلن الحزب العودة إلى العمليات العسكريَّة ضد تركيا.

وعلى ذلك، شهد عام 2012، تصاعدًا للقتال بين الجانبين، واعتقلت الحكومة التركيَّة العديد من الناشطين الأكراد، وفي أكتوبر من العام نفسه، أجريت جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة التركية والحزب الكردستاني.

جدير بالذكر أن علاقة الحكومات التركيَّة بالأكراد شهدت مراحل عدة بين التوتر والتصعيد والتوافق، وإن كان أبرز مظاهرها المواجهات المسلحة، إلا أنها شهدت سلسلة من المفاوضات حول تسوية الأزمة سلميًا؛ ففي 28 ديسمبر 2012، أعلن رئيس الوزراء التركي –آنذاك- رجب طيب أردوغان، عن محادثات مع رئيس حزب العمال «أوجلان»، في السجن، من أجل التوصل إلى سلام، ولايزال «أوجلان»- المسجون حاليًا في تركيا- يتزعم الحزب، وكانت مفاوضات السلام تجري معه في محبسه رغم صدور حكم بالإعدام عليه.

وفي 21 مارس 2013، شهدت الأزمة الطردية مفاوضات جديدة بين «أوجلان» -في سجنه بجزيرة «أميرالي» في بحر مرمرة- ومسؤولين في الاستخبارات التركيَّة، وعليه أعلن حزب العمال رسميًا وقف إطلاق النار مع تركيا، وذلك في أعقاب الدعوة التي وجهها رئيس الحزب لإنهاء النزاع المسلح، ووقف القتال وإعلان بداية عهد جديد، مضيفًا: «الآن وصلنا إلى مرحلة يتعين فيها على العناصر المسلحة الانسحاب إلى خارج حدود تركيا».

وعلى الرغم من تهدئة التوترات بين الطرفين، فإن العلاقات بينهم تشهد مزيدًا من التعقيد، ظهرت بشكل واضح بعدما أعلن الحزب في أغسطس 2015، 16 منطقة في جنوب شرق تركيا مناطق حكم ذاتي خاضعة له، وحفر الخنادق وتحصن في هذه المناطق، تلا ذلك عمليات عسكرية تركية نجحت في إعادة السيطرة على هذه المناطق، وتم القضاء على 2544 مقاتلًا من حزب العمال الكردستاني في العمليات، في حين قتل 465 جنديًّا ورجل أمن من الجانب التركي، وذلك بعد انهيار الهدنة بين «أردوغان» وحزب العمال في يونيو 2015. 
تركيا والأكراد..
الخارج التركي
على المستوى الخارجي، اتبعت تركيا سياسة خارجية تجاه الأكراد لا يمكن أن تنفصل عن توجهاتها الداخلية تجاههم؛ حيث استمرت تركيا في قتالهم في الدول المجاورة، خاصة في سوريا والعراق، بل وعملت على حصارهم وتقديم سياسة خارجية مرتكزة على الحلول العسكريَّة الاستباقية دون غيرها من الوسائل.
ففي العراق اتبع «أردوغان» سياسة التدخلات العسكرية وغيرها من الوسائل الأخرى، ظهر ذلك بشكل واضح خلال الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق، في 25 سبتمبر 2017، حيث دعا مجلس الأمن القومي التركي للانعقاد في 22 سبتمبر 2017، قبل الموعد المحدد للاستفتاء بأيام قليلة، لإرسال رسالة قوية للأكراد في العراق خشية انتقال الأحداث للداخل التركي، ومن قبل في 21 أغسطس 2017، أعلن «أردوغان» أن أنقرة وطهران ناقشتا إمكانية القيام بتحرك عسكري مشترك ضد الجماعات الكردية المسلحة.

وقبل ذلك أيضًا، نفذ الجيش التركي، في 25 أبريل 2017، ضربات جويَّة على أهداف لمسلحي حزب العمال الكردستاني قرب جبال سنجار بالعراق، وفي شمال شرق سوريا، لمنع الجماعة من إرسال أسلحة ومتفجرات لشن هجمات داخل تركيا. 

كما شهد يوم الـــ 11 من يونيو 2018، قيام الجيش التركي بالعديد من الضربات الجويَّة، مستهدفًا قواعد حزب العمال الكردستانيّ في جبال قنديل شمال العراق.

لم تكن هذه السياسات وليدة الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، فهي امتداد لسياسات عسكرية ضد الأكراد، على مر السنوات الماضية؛ ففي شهر فبراير2008، قام الجيش التركي بتنفيذ عملية «شمس» البرية، مع دعم جوي، في شمال العراق، حيث شارك في العملية -التي استمرت أسبوعًا واحدًا- عشرة آلاف جندي تركي.

التخوفات التركية
تأتي التخوفات التركيَّة من حالة القلق تجاه قيام الأكراد بتوحيد المناطق ذات الكثافات الكرديَّة معًا، مما أصاب النظام التركي بحالة من الارتباك في التعامل معهم داخليًّا وخارجيًّا، وضعته لأول مرة في موقع دفاعي.

كما أن تركيا تتعامل مع الأكراد وحزبهم الأكثر شعبية، حزب «العمال الكردستاني» (PKK)، على أنه منظمة إرهابيَّة بما تحمله الكلمة من معنى، مما أدى إلى استمرار المواجهات المسلحة بينهم على امتداد أكثر من 40 عامًا. وبرغم فترات توقف الحروب بينهم، فإن هذا لم يدفع بهم إلى تحسن يذكر في العلاقات، خاصة في ظل إنكار السلطات التركية للحقوق الكردية، مما أوجد مناخًا ملبدًا بالتوترات، كما أن المطالب الكردية لا يمكن التعامل معها في إطار الحل الأمني والعسكري بعدما فشلت تلك السياسة في تحقيق ما تصبو إليه في ظل حالة الاعتدال التي اتسم بها حزب العمال الكردستاني في الفترة الأخيرة.

على الصعيد السوري؛ استمرت تركيا في نهجها العسكري تجاه الأكراد، خاصة بعد نجاح قوات حماية الشعب الكردية، بفرعه السوري (pyd)، في إقامة 3 مناطق حكم إداري في «الحسكة، كوباني، وعفرين»، وهي مناطق ذات أغلبية كردية في سوريا.

وعليه تحركت تركيا للتأثير في العديد من مجريات الأحداث في سوريا، خاصة المناطق التي سيطر عليها الأكراد؛ حيث قامت باحتلال منطقة عفرين في سوريا بإعلانها عملية «غصن الزيتون»، في 20 يناير 2018، ومن قبلها عملية «درع الفرات»، في أغسطس 2016، وعليه فإن تركيا تحاول مواجهة الأكراد بكل السبل لمنع تحقيق هدفهم بإقامة دولة كردية.

كما انعكست المواجهات التركية الكردية على مسار العلاقات الأمريكية التركية بسبب تقديم الدعم العسكري الأمريكي للأكراد، حليفهم الأهم في سوريا، وعلى الرغم من وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره التركي أردوغان، في 22 ديسمبر 2017، بوقف إمداد وحدات حماية الشعب الكردية (القوات الكردية في سوريا) بالأسلحة الأمريكية، فإن تركيا لم تتوقف عن سياساتها تجاه الأكراد، خوفًا من توجيه السلاح الذي ترسله إلى «ب ي د/بي كا كا» ضدها مستقبلًا.

وعليه؛ تم توقيع اتفاق أمريكي– تركي، بين وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو ونظيره التركي مولود شاويش أوغلو، في 4 يونيو 2018، حيث أحدثت المفاوضات تقدمًا ملحوظًا فيما يتعلق بملف الأكراد.
ووفق هذا الاتفاق، أعلن وزير الخارجية التركي، في 5 يونيو 2018، أن خطة العمل التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الأمريكي تقضي بسحب الأسلحة من المقاتلين الأكراد في مدينة منبج.

تركيا واستمرار الاستهداف
بعد نجاح «أردوغان»، وحزبه «العدالة والتنمية»، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي أجريت في 24 يونيو 2018، بتحالفه مع حزب «الحركة القومية»، بقيادة «دولت بهتشلي»، الذي يشترك مع التوجهات نفسها التي يعتنقها حزب «العدالة والتنمية» تجاه الأكراد، بات مستقبل الأكراد واضحًا، فهذا التوافق بين حزبي «العدالة والتنمية، والحركة القومية» يعكس سيناريو مستقبليًا حول استمرار التوجهات التركيَّة بقيادة «أردوغان»، تجاه المكون الكردي سواء في الداخل التركي أو في الخارج، خاصة في سوريا والعراق.

ويؤكد استمرار «أردوغان» في السلطة، بتحالفه مع القوميين، على استمرار السياسة العسكريَّة التي تبنتها تركيا منذ 40 عامًا تجاه الأكراد، كما يعد مؤشرًا لاستمرار التدخلات العسكرية الخارجية، والمزيد من التصادم بينهم من جديد. 
"