من يقف وراء انقلاب الجابون؟ وما هي انعكاساته المحتملة؟

الكثير من علامات الإستفهام، تحيط بانقلاب مجموعة من ضباط الجيش في الجابون، عشية يوم 30 أغسطس الماضي، وقيامهم بالإطاحة بالرئيس علي بونجو أونديمبا، الذي فاز بفترة ولاية ثالثة، وإغلاق الحدود وحل كافة مؤسسات الدولة.
إدانة دولية
أثار الانقلاب العسكري في الجابون، الذي وضع حدًّا لحكم أسرة آل بونجو التي تهيمن على السلطة في البلاد منذ عام 1967، إدانة دولية وأممية واسعة، إذ أدانته الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، كما أعلن مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن الانقلاب يزيد من حالة عدم الاستقرار في القارة الإفريقية، كما أعلنت روسيا والصين عن تطلعاتهما لعودة الاستقرار، بينما عبرت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء التطورات الجارية.
دور روسي محتمل
يؤكد الخبير في العلاقات الدولية، جمال عبد الحميد، أن التقديرات وردود الأفعال تباينت على انقلاب الجابون؛ حيث اتهمت بعضها روسيا بدعم الانقلاب، وإن كان بصورة غير معلنة، بسبب تصاعد حدة التنافس بين موسكو والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح فى حديث لـ"المرجع" أن الواقع العملي يؤكد عدم وجود دور روسي حقيقي في انقلاب الجابون، في ظل التأثير الروسي المحدود للغاية داخل الجابون، فضلاً عن عدم إبداء قادة الانقلاب العسكري، حتى الآن، أي مؤشرات تتعلق برغبتهم في تعزيز التعاون مع موسكو.
وأضاف الخبير في الشؤون الدولية، أنه من المحتمل أن يكون لبريطانيا دور في الانقلاب العسكري في الجابون، في ظل مساعي لندن تعزيز نفوذها في هذه المنطقة، خاصة أن الانقلاب الأخير يعكس أحد ملامح صراع النفوذ الأنجلوفرانكفوني في القارة الإفريقية، مشيرًا إلى أن المملكة المتحدة قد تكون راغبة في استعادة أمجاد الأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
بصمة أمريكية
لم يستبعد الخبير الدولي، وجود بصمة الولايات المتحدة الأمريكية في الانقلاب، إذ تسعى مؤخرًا لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، وتقويض النفوذ الفرنسي في غرب ووسط إفريقيا مقابل تعزيز النفوذ الأمريكي هناك؛ حيث ترى أن روسيا باتت تسحب البساط من تحت أقدام دول أوروبا وخاصة فرنسا في إفريقيا، إذ إن الموجة الحالية المتزايدة والمؤيدة لروسيا في هذه المنطقة ما هي إلا انعكاس للسخط الإفريقي من الدور الفرنسي، لذا أصبحت على قناعة تامة بضروة انتهاء دور باريس في المنطقة، والعمل على إعادة هيكلتها من جديد.
وأشار إلى وجود بعض التقديرات تتهم فرنسا بالضلوع في الانقلاب، الذي قاده، الجنرال بريس أوليجي نجويما، بسبب التوترات الأخيرة التي شهدت العلاقات بين الرئيس على بونجو وباريس وأكبر دليل على ذلك استخدام الرئيس المعزول، اللغة الإنجليزية في الفيديو الذي نشره من مقر إقامته الجبرية وطلب خلاله الدعم من حلفائه الخارجيين، بدلاً من اللغة الفرنسية الرسمية في البلاد، وهو ما قد يدعم فكرة أن فرنسا مرتبطة بقادة الانقلاب العسكري في الجابون، خاصةً أن رئيس المجلس العسكري الجديد في البلاد هو ابن عم الرئيس المعزول علي بونجو، فضلًا عن صفقة التسليح التي جرت بين الجابون وفرنسا، نهاية يوليو 2023، والتي بموجبها تم تسليح الحرس الجمهوري الجابوني بأربع مدرعات فرنسية من طراز "AML-90"، وهو ما جعل الحرس الجمهوري القوة الأكبر والأكثر تجهيزًا في البلاد.
والحديث للباحث، فضلًا عن قيام حكومة علي بونغو بحظر محطات الإعلام الفرنسية في البلاد بشكل مُؤقت، في 27 أغسطس 2023، بدعوى افتقارها للموضوعية في تحليلاتها المُتعلقة بالانتخابات، وهو ما قد يُعزز الرؤية التي تتبنى فكرة وجود خلافات قائمة بين نظام بونغو وباريس ربما يكون قد دفع الأخيرة لاتخاذ خطوات استباقية من خلال الدفع نحو استبدال نظام بونغو بنظام جديد أكثر مُوالاة لفرنسا، خاصةً في ظل قلق باريس من الموجات الانقلابية في مناطق نفوذها التقليدية في القارة الإفريقية.
تداعيات وسيناريوهات
أضاف الخبير الدولي الدكتور جمال عبد الحميد، أن انقلاب الجابون سيكون له العديد من التداعيات والسيناريوهات فقد يمكن أن يحدث تقارب بين المجلس العسكري الجابوني ورسيا، على حساب المصالح الفرنسية، وذلك في ظل التحركات الروسية التي تستهدف توسيع نفوذها في وسط إفريقيا، ينطلق من جمهورية إفريقيا الوسطى والغابون ليمتد خلال الفترة المقبلة نحو مزيد من دول المنطقة، متوقعًا أن يحافظ النظام الجابوني الجديد على علاقاته مع الغرب، ويؤكد ذلك تصريحات قادة الانقلاب العسكري والتي عكست وجود مساعٍ لطمأنة الغرب وتجنب أي توترات مع القوى الغربية.