لماذا تصر «طالبان» على ملاحقة العسكريين الأفغان السابقين؟

لا يزال الشعب الأفغاني يتذكر تلك الصورة، التي بدأت فيها حركة طالبان في ظهورها العلني في البلاد عام 1996م، وتحديدًا في شهر سبتمبر بعد اقتحام مقر الأمم المتحدة في العاصمة كابول واعتقال الرئيس الأفغاني الأسبق نجيب الله، وتعذيبه والتنكيل به، ثم قتله والتمثيل بجثته، وتعليقه في عمود إنارة قرب القصر الرئاسي لعدة أيام، ورفض دفن جثته ثم تسليمها لهيئة الصليب الأحمر الدولي.
ومع الصعود الثاني لحركة طالبان وقعت الحركة أيضًا في حالة من التناقض بين شعارات منح الأمان لقيادات نظام الرئيس السابق أشرف غني، خاصة العسكريين منهم، وملاحقتهم والتنكيل بهم إلى اليوم.
عامان من التنكيل
خلال عامين من حكم طالبان الثاني لأفغانستان منذ أغسطس 2021، ارتكبت الحركة العديد من الجرائم تجاه عسكريين وقيادات من النظام السابق، الذين أعلنت الحركة، قبل وصولها للسلطة عن العفو عنهم، وبعد ذلك السماح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية، التي اعتبرها البعض منهم فخًا نصبته الحركة له، وسرعان ما صدقت توقعاتهم.
وكشف مكتب بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان في تقرير نشره بالتزامن مع مرور عامين على وصول طالبان للسلطة، أكد خلاله تسجيل 800 حالة انتهاك لحقوق الإنسان من قبل طالبان، ضمنها عمليات قتل خارج إطار القانون واعتقالات تعسفية وتعذيب وسوء معاملة ضد قوات الأمن السابقين والمسؤولين الحكوميين في النظام السابق.
وأوضح التقرير وقوع أكثر من 220 حالة قتل خارج القضاء بحق جنود سابقين على يد طالبان في 34 مقاطعة، معظمهم في كابول وقندهار وبلخ، إضافة إلى عشرات الحالات من الاختفاء القسري و424 حالة اعتقال تعسفي ضد عسكريين ومسؤولين سابقين.
وشمل التقرير بعض الأسماء، بينهم نساء، منهن علياء عزيزي رئيسة سجن هرات للنساء، مؤكدًأ أنها اختفت من مكان عملها في الثاني من أكتوبر 2021م ولا توجد أي معلومات عن مكان وجودها منذ أغسطس 2022م.
وأشار التقرير إلى أن أغلب المعتقلين من العسكريين التابعين للنظام السابق محرومون من الاتصال بذويهم أو محاميهم.
طالبان تعترض
وردت حركة طالبان على التقرير الأممي بالاعتراض، إذ قال ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم الحركة إن هذا التقرير لا أساس له من الصحة، وأشار إلى أن المنظمة الأممية تسعى لتشويه حركة طالبان.
ورغم نفي طالبان ما ورد في التقرير الأممي فإن الواقع يؤكد تورط الحركة في الكثير من حالات انتهاك حقوق الإنسان بحق مسؤولين وعسكريين سابقين، بينهم ضباط في مقاطعة بغلان التي أثارت حالة من الغضب بين المواطنين ضمنهم الضابط السابق بوزارة الداخلية محمد حارث أندارابي الذي اقتادته الحركة إلى مكان مهجور ولم تسمح لأفراد أسرته برؤيته.
مبررات طالبان
يقول الدكتور محمد عبدالرازق، الخبير في الشؤون الأسيوية، إنه لم يكن متوقعًا من حركة طالبان أن تتصرف مع المسؤولين السابقين خاصة العسكريين منهم بغير تلك الصورة، وما تفعله بحقهم ليس بمستغرب، فهي تنظر بعين الريبة إلى كل من ينتمي للنظام السابق، فالأصل فيهم لديها أنهم متهمون بالخيانة إلى أن يثبت العكس.
وأضاف في تصريح لـ"المرجع" أن الحركة لم ولن تنسى أنها انتزعت السلطة من بين أيديهم وبالتالي تحاول تقليم مخالبهم مبكرًا قبل أن ينقضوا عليها وينتقموا منها، خاصة أن الحركة حتى بعد مرور عامين من وصولها إلى السلطة لم تصل إلى التمكين الكامل الذي يمكنها من الهيمنة الآمنة على البلاد.