أحاديث التطبيع بوساطة عراقية..هل تروض مصر التوجهات الإيرانية؟

تعيش منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية، محاولات لإعادة تشكيل العلاقات من جديد، ويدخل الطرف الإيراني لاعبًا أساسيًّا في تلك الحركة التي زاد نشاطها مع مطلع العام الجاري، بدأتها طهران باتخاذ خطوات نحو تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، خلال شهر رمضان الماضي.
وخلال انعقاد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في ديسمبر 2022، بدأ الحديث عن رغبة في إجراء مباحثات مصرية ــ إيرانية على المستويين الأمني والسياسي، والملاحظ خلال هذا الطرح أنه يأتي عبر وساطات إقليمية أو دولية، سواء كان العراق، أو كانت الصين، ويبرز هنا التساؤل، هل يحدث التطبيع بين القاهرة وطهران؟ وكيف ستكون ملامحه؟ وهل تقبل به القاهرة في ظل توجهات إيران الأيديولوجية؟
رغبة إيرانية
بدأ الحديث حول الرغبة في إجراء مباحثات مصرية ــ إيرانية على المستويين الأمني والسياسي، بشكل معلن خلال اللقاء الذي عقد بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي عقد في العاصمة العراقية خلال ديسمبر 2022 ، والذي أكد خلاله "عبد اللهيان" أن رئيس الوزراء العراقي سيواصل السعي في هذا الموضوع، تماشيًا مع دور العراق الإقليمي للمساعدة في تعزيز الحوار والتعاون.
ولم يكن ذلك اللقاء، الأول الذي طرحت فيه تلك القضية، ففي شهر يوليو 2022 أكد "عبد اللهيان" في تصريحات صحفية أن تعزيز العلاقات بين طهران والقاهرة يصب في صالح دول المنطقة وشعبي البلدين.
تاريخ العلاقات بين القاهرة وطهران
تعود العلاقة بين مصر وإيران إلى عام 1928، حيث شهدت منذ ذلك التاريخ محطات متباينة وصلت حد المصاهرة بين الأسرتين الحاكمتين في البلدين، بعد زواج الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق حاكم مصر (حكم 16 عامًا إلى أن أطاح به الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو 1952)، من شاه إيران محمد رضا بهلوي (آخر شاه يحكم إيران قبل قيام الثورة الإسلامية).
وانتهت مصاهرة فاروق بالشاه بطلاق الأميرة فوزية من محمد رضا بهلوي، بعد أقل من 7 سنوات على الزواج، ما كان له تأثير على توتر العلاقات بين القاهرة وطهران آنذاك، ثم جاءت ثورة 23 يوليو وزادت الخلافات بين البلدين بعد دعم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، رئيس الوزراء الإيراني آنذاك محمد مصدق ضد نظام الشاه، وفي عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات تباينت العلاقات بين الطرفين إلى أن قطعت طهران العلاقة مع القاهرة كليًّا، بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لتحتفي طهران باغتيال الرئيس السادات وتطلق اسم قاتله على أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة طهران.
عوائق سياسية وأيديولوجية
تقف مجموعة من العوائق السياسية والأيديولوجية في وجه عودة العلاقات، بين كل من مصر وإيران، ظهرت في خطابات مختلفة على مدى السنوات الماضية تجعل الحديث عن العودة من الأمور المعقدة، وسط تباين المواقف الإيرانية مع مصر منذ التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن، ليعود الحديث مؤخرًا عن إمكانية عقد لقاء بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والإيراني إبراهيم رئيسي بعد جولات من المحادثات مخفضة المستوى بين مسؤولين من البلدين في العاصمة العراقية بغداد.
إمكانية التقارب
حول التقارب المصري الإيراني في هذه المرحلة، يقول حازم العبيدي، الخبير العراقي في العلاقات الدولية والعربية، إنها خطوة جيدة وحساسة في آن واحد، ومصر تدرك كل خطوة تتخذها في هذا الإطار.
وأكد العبيدي في تصريحات خاصة لـ"المرجع" أن المفاوض المصري لديه قدرة فائقة في تقدير ما يريده، في مثل هذه الخطوات، ومصر دولة مستقلة ذات سيادة لا تخضع لإملاءات من الخارج، فهي كبيرة بحجمها وثقلها الإقليمي، ولذلك يُسعى إليها ولا تسعى لأحد.
وأشار إلى أن المفاوض المصري يدرك جيدًا طريقة تفكير الجانب المقابل، ويعلم أن علاقات هذا الجانب الخارجية خاصة في المنطقة العربية مبنية على الانتهازية وتسير وفقًا لأيديولوجيته، وهو ما يجعله قادرًا على التعامل مع هذه الطريقة وتحجيمها فيما يصب في صالح القاهرة دون السماح لتأثير المنهج النفعي الذي يسير عليه نظام الملالي.
ترويض التوجهات الإيرانية
أوضح حازم العبيدي، الخبير العراقي في العلاقات الدولية والعربية، أن السياسة المصرية معروف عنها الهدوء وعدم اتخاذ أي خطوات متسرعة قبل دراستها بصورة جيدة، وتستطيع بكل سهولة ترويض التوجهات الإيرانية وإعادة تشكيلها بعيدًا عن منهج طهران مع الدول الأخرى الذي يعتمد على زرع العملاء وليس تبادل المصالح، مضيفًا أن توسيع علاقات إيران في المنطقة العربية حاليًا يعتبر طوق نجاة لنظام الملالى الذي يواجه مشكلات داخلية وخارجية خطيرة، مشيرًا إلى أنه لا يتوقع أن يحدث تطبيع للعلاقات بين القاهرة وطهران بشكل سريع.