إشكالية الفقر والدين.. الأسباب الحقيقية وراء انضمام الشباب الأفريقي للجماعات الإرهابية
الأربعاء 29/مارس/2023 - 08:24 م

محمود محمدي
يتفق المجتمع البحثي على أن الإرهاب ليس أحادي السببية؛ حيث إن هناك العديد من العناصر التي تسمح للتطرف بالانتشار والترعرع، وعلى رأسها الفروق بين الطبقات والبطالة بين الشباب وانحسار النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تراخي الدول في التعامل مع الجماعات الإرهابية.
الأسباب السابقة، وغيرها من الأسباب، قد تُطرح كعوامل نجاح الجماعات الإرهابية في ضم عناصر جديدة لصفها، ولكن بالنظر إلى طبيعة الوضع في القارة السمراء، سنجد أن الوزن النسبي لهذه العوامل يختلف بشكل كبير.
المعتقد الديني
في حين قد يعتقد الأغلبية أن المعتقدات الدينية هي أبرز الأسباب وراء انضمام الشباب للتنظيمات المتطرفة؛ فإن الوضع في القارة الأفريقية مختلف تمامًا، وتنمو أسباب أخرى للانضمام والاجتذاب للجماعات الإرهابية، مثل الرغبة في تحسين الوضع المالي والاقتصادي سواء للفرد أو لعائلته.
وفي عام 2021 عقد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لقاءات مع أكثر من ألفي شخص في ثمانية بلدان مختلفة كلها في أفريقيا: «بوركينا فاسو، الكاميرون، تشاد، مالي، النيجر، نيجيريا، الصومال، والسودان».
نحو 1200 شخص من المشاركين في اللقاءات كانوا أعضاء سابقين في تنظيمات مصنفة إرهابية، و900 منهم قرروا الانضمام لتلك التنظيمات بدافع الحصول على رواتب أفضل من التي يحصلون عليها في أعمالهم الأخرى.
إلى ذلك يقول مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي «أكيم شتاينر»، إن اغتنام الفرص هو الدافع الرئيس وراء الانضمام لتلك التنظيمات؛ حيث إن الواقع الاقتصادي صعب جدًّا في كثير من البلدان، وبالطبع الإرهابيون يقدمون إغراءات مالية كبيرة من الأموال التي يحصلون عليها جراء جرائمهم.
وأوضح أن منطقة الساحل في القارة السمراء باتت خلال السنوات القليلة الماضية مقرًّا وبؤرة عالمية للتنظيمات الإرهابية؛ حيث غفل العالم عن محاربة الإرهاب ويرجع ذلك إلى الانشغال في مواجهة جائحة كورونا التي تفشّت بكل دول العالم، وكذلك مواجهة تداعيات التغيّر المناخي على كوكب الأرض، فضلًا عن الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها نصيب الأسد من الاهتمام الدولي سواء على المستوى الإعلامي أو على مستوى التحركات لإيقاف المواجهات على الأرض والبحث عن حل سلمي للنزاع.
تعريفات وحلول
بدوره، الدكتور ألكسندر لي، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة روتشستر، قال في كتابه «نظام كارتل الدول: نظرية اقتصادية للسياسة الدولية»، إن هناك قضايا منفصلة: ما الذي يجلب النشاط الإرهابي إلى دولة ما؟ وكيف يحدث ذلك في الدول التي تعيش في سلام مقابل الدول التي يحدث فيها تمرد أو حرب أهلية؟ وضمن ذلك ما الذي يجذب الأشخاص إلى التجنيد؟
رغم أن هذه الأمور ذات صلة ببعضها بعضًا، فإن الأدبيات التي تناقشها بصورة مترابطة تبدو نادرة، وتتمثل إحدى المشكلات المهمة في أن المنظمات التي تستخدم الإرهاب تتطلب أعدادًا صغيرة جدًّا من الأشخاص لجذب الانتباه إليها، مقارنة بحزبٍ سياسي أو جيشٍ متمرد، ما يعني أن الأدبيات تحاول استخلاص معنى أوسع من حوادث نادرة، ومن ثمَّ، فإن أي عوامل اجتماعية واقتصادية أو غيرها من العوامل التي تلعب دورًا هنا فهي -بحكم تعريفها- شاذة.
وتعاني هذه الأدبيات أيضًا من مشكلةٍ عميقة في التعريفات: هناك عددٌ محدود من الحالات التي يمكن فيها الاتفاق على مستوى الحدث؛ هل الحادث يُعتبر عملًا إرهابيًّا، يمتد هذا الأمر إلى قضايا أكثر إشكالية، ما هي الجماعة الإرهابية؟ وكيف نفرق بين الإرهاب والأعمال السياسية العنيفة الأخرى؟
أما الدكتور باراك مندلسون، أستاذ العلوم السياسية في كلية هافرفورد بالولايات المتحدة الأمريكية، قال في كتابه «وضع الجماعات الجهادية في حجمها الصحيح: حدود الحركة الجهادية العابرة للحدود الوطنية وما تعنيه لمكافحة الإرهاب»، أن تعريف الإرهاب صعب للغاية، ولا يوجد اتفاق، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأننا سنتوصل إلى اتفاق، الأمر الذي يخلق مشكلة فورية في إنشاء حقائق تجريبية، التي بدورها تجعل التحليل والاستنتاجات للسياسة صعبةً للغاية ومتباينة.
وأشار إلى أنه لا يوجد خط متفق عليه عالميًا بين النشاط الإرهابي ونشاط المتمردين، لأسبابٍ ليس أقلها أن جميع المتمردين تقريبًا سيستخدمون الإرهاب في وقتٍ أو آخر، وإنما يرجع ذلك إلى الدوافع المختلفة التي أدت إلى الانضمام للجماعة الإرهابية، حيث تختلف الدوافع من مادية إلى دينية، والبعض قد ينجذب لأسباب أخرى.
في السياق ذاته، قالت نيراينا كيبلاجات، مسؤول مكافحة التطرف في العالم، في فيلم تسجيلي عرضه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن من يقرر النسحاب من التنظيمات المتطرفة أقل عرضة للانضمام مجددًا أو تجنيد الآخرين، ولا بد من تقديم تحفيزات حتى لا يعود المنسحبون إلى تلك التنظيمات مرة أخرى.