ad a b
ad ad ad

عمر بن عبدالعزيز.. أول المُجددين وخامس الخلفاء الراشدين

الجمعة 29/يونيو/2018 - 03:48 م
المرجع
محمود محمدي
طباعة
«المُجدد» رجل مرحلة زمنية -قد تصل لقرن من الزمن أو تقصر قليلًا- لذلك لابد أن يكون منارة يستضيء بها الناس، ويسترشدون بهداها، حتى مبعث المجدد الجديد على الأقل، وهذا يقتضي أن يعم علم المجدد ونفعه أهل عصره، وأن تترك جهوده الإصلاحية أثرًا بينًا في فكر الناس وسلوكهم.

ويعتبر عمر بن عبدالعزيز، خامس الخلفاء الراشدين، هو المجدد الأول في الإسلام؛ حيث تميز عصره بالعدل والرخاء الاقتصادي؛ حتى إن بيت مال المسلمين لم يجد من يستحق أموال الزكاة ليدفعها له بعد تزويج الشباب وتسديد الديون عن الفقراء، وبجانب ذلك تبنى منهجًا إصلاحيًّا في الحكم، فنجح في إدارة البلاد، وأسس لنموذج حكم عصري يراعي تطورات الزمن، ولا يصطدم بالثوابت الدينية، كما اهتم بالعلوم الشرعية، وأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف والتجديد والإصلاح في أمور الدين الإسلامي، وذلك وفق أسس ومنهج اتبعه؛ ليصبح بهذا المنهج المجدد الأول في الإسلام.

وكان «بن عبدالعزيز»، صافيًا نقيًّا، ومن السائرين على منهج الرسول (صلى الله عليه وسلم)، متمسكًا بما كان عليه الرسول وأصحابه في عقيدته ومنهجه وتصوراته، حتى قال عنه عمر بن ميمون، أحد رواة الحديث: «كان العلماء مع عمر بن عبدالعزيز تلامذة، وكان لسلامة دينه وصدق عقيدته الأثر البالغ في تجديده وإصلاحاته، فقد حارب الأهواء والبدع، وشدد النكير على أهلها».

وفي كتابه «الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبدالعزيز.. معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة»، ألقى الدكتور علي محمد الصلابي، الضوء على أهم ما ميّز خامس الخلفاء الراشدين، وسر تلقيبه بـ«المجدد الأول»، وجعل من منهجه التجديدي الإصلاحي منارة للعاملين على مجد الإسلام، ومن أهم صفاته، خوفه الشديد من الله تعالى وزهده في الدنيا، فضلًا عن تواضعه الشديد وورعه وعفوه، وكذلك الصبر والحزم والعدل.

وأكد الكاتب أن «بن عبدالعزيز» من المجددين الأوائل في الإسلام، وأن منهجه التجديدي الإصلاحي يعد منارة للعاملين على مجد الإسلام؛ إذ نقل أقوال العلماء والمؤرخين والمهتمين بدراسة الحركة التجديدية، وإجماعهم التام على أن «خامس الخلفاء الراشدين» هو المجدد الأول في الإسلام، وكان أول من أطلق عليه ذلك الإمام محمد بن شهاب الزهري، ثم تبعه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل، فقال: يروى في الحديث «أن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة أمر دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبدالعزيز».

منهج «بن عبدالعزيز» في التجديد
كان عمر بن عبدالعزيز عالمًا مجتهدًا، فقد واجه المشكلات التي تولدت في عصره، واجتهد في وضع الحلول الشرعية لها، وساعده في ذلك إحاطته بعلوم النحو واللغة والبلاغة، وعلوم الشريعة من تفسير وحديث وأصول فقه وعلوم قرآن ومصطلح حديث وسيرة، وكذلك بعلمي المنطق وعلم الكلام؛ ما جعله عالمًا بمدارك الشرع، قادرًا على الفهم والاستنباط، مطّلعًا على أحوال عصره، فقيهًا بواقعه.

وأوضح «الصلابي»، أن «بن عبدالعزيز» لم يكن همه نفسه فقط -بل تجاوز ذلك- وكان يعيش لهذه الأمة، فهو صاحب عزيمة وهمة يعيش هموم أمته ويبذل قصارى جهده، مواصلًا عمل النهار بالليل؛ لينقذ هذه الأمة من وهدتها، ويعيد لها ثقتها بدينها، ويردها إلى المنهج الصحيح، مصابرًا على ما يعترض سبيله من عقبات ومغالبًا كل المشقات والتحديات؛ ليصل إلى رفعة هذه الأمة، وعودة مجدها.

وكان «بن عبدالعزيز» يرى في اتباع الكتاب والسنة، النجاة والكرامة والرفعة في الدنيا والآخرة؛ إذ قال بعد أن تولى الخلافة: «يا أيها الناس: إني أوصيكم بتقوى الله ولزوم كتابه والاقتداء بسنة نبيه وهديه.. ولعمري لأن تموت نفسي، أحب إلي من أن أحملهم على غير اتباع كتاب ربهم وسنة نبيهم، التي عاش عليها من عاش، وتوفاه الله عليها حين توفاه ـ إلا أن يأتي علي وأنا حريص على اتباعه، وإن أهون الناس علي تلفًا وحزنًا لمن عسى أن يريد خلاف شيء من تلك السنة».

كما قال خامس الخلفاء الراشدين: «إن الله فرض فرائض وسنّ سننًا، من أخذ بها لحق ومن تركها محق»، وقال: «يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملت به، فكلما عملت فيكم بسنة وقع مني عضو، حتى يكون آخر شيء منها، خروج نفسي»، وهذه الآثار توضح اتباع «عمر» الكتاب والسنة ولزومهما، وبذل الجهد، والطاقة في تطبيقها، وإن أدى ذلك إلى قطع الأعضاء، وإزهاق النفس.

وشدد «الصلابي»، على أن ما ذهب إليه «عمر»، هو أصل الدين وأساسه، مستشهدًا بقول الله تعالى في سورة النساء: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»، كما استشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا؛ كتاب الله وسنتي».
"