دلالات الاقتراح الروسي بتحويل تركيا إلى مركز إقليمي للغاز
السبت 12/نوفمبر/2022 - 08:26 م
محمود البتاكوشي
مثل اقتراح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الخاص بتحويل تركيا إلى مركز إقليمي للغاز الطبيعي، باعتبارها شريكًا يحظى بثقة الجميع، لتوصيل الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد تعذُّر نقله باستخدام خطوط نورد ستريم من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، مثَّل فرصة كبيرة لأنقرة تساهم بشكل كبير على دعم اقتصادها وتساعده على الخروج من كبوته، وإن كان هذا الاقتراح لم يحظ بالقبول الكافي من دول القارة العجوز التي ترفض شراء الغاز الروسي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
يأتي هذا المقترح في وقت تشهد فيه أسواق الطاقة العالمية، أزمة كبرى نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا، وقرار أوروبا، تقليص الإمدادات الروسية إلى الثلث بنهاية العام الجاري، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز لمستويات قياسية، فضلًا عن المخاطر التي ستواجه أوروبا هذا الشتاء عقب توقف شحنات الغاز الروسي عبر خطي أنابيب نورد ستريم 1 و2 بسبب العملية التخريبية التي تعرضا لها.
وما قد يزيد من تلك الأزمة قرار تحالف أوبك+ في 5 أكتوبر الماضي، بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًّا اعتبارًا من نوفمبر الجاري ، ما يدفع بمزيدٍ من الضغط على أسعار الطاقة.
حلم أردوغان
المقترح الروسي بتحويل تركيا إلى مركز للطاقة، لاقى قبولًا كبيرًا لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وجه، فاتح دونماز، وزير الطاقة في بلاده، بالعمل فورًا على تنفيذ الرأي الروسي ببناء مركز إقليمي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا من دون تأخر، لأن ذلك يحقق حلمه بتحويل تركيا إلى دولة عبور للطاقة.
يحمل المقترح الروسي، في حال انتقاله إلى الحيز العملي، انعكاسات إيجابية على تركيا، التي تستورد أكثر من 70% من احتياجاتها من الطاقة، وترتفع تلك النسبة إلى 99% بالنسبة للغاز الطبيعي، إذ يمنح تنفيذ هذا المقترح مزايا تفضيلية لتركيا في أسعار الغاز، فضلًا عن الاستفادة من عوائد نقل الغاز لأوروبا.
كما تسعى موسكو لاستعادة توجيه إمدادات الغاز إلى أوروبا، وعليه فقد قدم بوتين هذا المقترح، بأن تقوم تركيا بهذا الدور عوضًا عن نقل الغاز عبر خطوط أنابيب نورد ستريم، والذي تعرض لعملية تخريبية، حيث أكد الرئيس الروسي أن إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر خطوط نورد ستريم لن تعود، كما صرّح رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، بأن بلاده بإمكانها تصدير 63 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.
تعزيز فرص أنقرة
ومن الممكن أن يسهم تنفيذ المقترح الروسي في تعزيز فرص أنقرة في لعب دور أكبر في الوساطة بين موسكو والغرب، وعقد مفاوضات بين موسكو وكل من واشنطن ولندن وباريس وبرلين؛ لبحث إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو ما يتزامن مع تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأن المفاوضات بين طرفي الصراع، ضرورية، لإيجاد مخرج لأزمة تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا وتخفيف التوتر بين الجانبين الروسي والغربي.
هذا المقترح يواجه العديد من التحديات، إذ أن تركيا لن تكون قادرة على تنفيذه ما لم يحصل على المباركة الغربية، حتى لا تخسر حلفاءها في أوروبا، ولاسيما بعد التحذيرات الأمريكية، لشركات تركية من خطورة الاستمرار في التعامل مع روسيا، مهددة إياها بأن ستصبح في مرمى العقوبات الأمريكية، وفرض حظر على تداول المنتجات والسلع مع تركيا، إذا استمرت الأخيرة في تعاملها مع روسيا.
التحركات التركية الأخيرة تكشف رغبة أنقرة في تنفيذ المقترح الروسي، وأكبر دليل على ذلك اتفاق مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، ومحمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير خارجية قطر على تبادل الخبرات في مجال تسييل الغاز والتعاون لتنفيذ المشروع الروسي المقترح، لاسيما أن الدول الأوروبية ستكون مجبرة على شراء الغاز الروسي عبر روسيا لتجاوز أزمات الشتاء، إذ أن خطوة الاستغناء عن الغاز الروسي تحتاج إلى مزيد من الوقت.





