مستقبل الإسلام السياسي في تركيا
الأربعاء 27/يونيو/2018 - 06:02 م
مصطفى صلاح
أثار صعود حزب العدالة والتنمية التركي ونجاحه المتتالي في السيطرة على الحكم منذ نوفمبر 2002، العديد من التساؤلات والجدل، حول جدلية الصعود الإسلامي الجديد في تركيا، خاصة بعد قيام الجمهورية التركية الحديثة بوجهتها العلمانية في 1923، على يد "مصطفى كمال أتاتورك"، وذلك على أنقاض الخلافة العثمانية؛ فثمة دينامية خاصة نتجت عن حالة تغيير النظام عقب تأسيس الجمهورية التركية، ومن ثم الحركات الإسلامية التي نشأت عقب الحرب العالمية الثانية.
وكان للنظام الديمقراطي، الذي شكلته مرحلة حكم أتاتورك، الجمهورية التركية الملامح الأساسية للمشهد التركي في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وكذلك الاقتصادية، إذ طبق نظريتــه في علمنــة الدولــة والمجتمــع على مجــالات الحيــاة كافــة داخل تركيــا.
وعليه مثلت هذه الأفعال الطريق الموجه نحو خلق دولة قومية من بقايا الإمبراطورية العثمانية المهزومة، وفي ظل الظروف السياسية السائدة، كان نموذج الدولة القومية هو الخيار المتاح لكل من أراد أن يحافظ على كيان سياسي متمتع بالسيادة فوق أرض الأناضول.
بيد أن هذا مشروطًا بغرس فكرة غريبة عن الدولة في أذهان سكان كانوا وما زالوا يعتقدون بأنهم رعايا تابعون للسلطان، الذي كان يعتبر في الوقت نفسه بصفته خليفةً قائدًا روحيًّا لأمة المسلمين.
ومن خلال المناخ الديمقراطي، كانت هذه الدينامية الإسلامية التي أضحت تسعى إلى الوصول للسلطة وفق قواعد الديموقراطية التي سنها العلمانيون، خاصة بعد عام 1950، وفوز الحزب الديمقراطي، بعد أن كان الحزب الجمهوري، الذي أسسه أتاتورك الحزب الوحيد المهيمن على الساحة السياسية التركية. وهي آليات مكنت الحركة من البقاء والقدرة على تجديد نفسها كلما تم تحييدها من المشهد السياسي، وفى 1945 ألمح الرئيس "عصمت إينونو" إلى ضرورة وجود حزب سياسي معارض بغية تفعيل الحياة السياسية في البلاد، لكن هذا التوجه كان يتمحور حول تشكيل حزب معارضة بغية تنفيس الاحتقان السياسي في البلاد.
ومع تزايد الانفتاح السياسي بدأت تظهر توجهات معارضة من قلب حزب الشعب الجمهوري قادها أربعة نواب هم: "جلال بايار، عدنان مندريس، فؤاد كوبرولو، رفيق كوارلتان"؛ الذين أسسوا عام 1946م الحزب الديموقراطي الذي استقطب أعدادًا متزايدة وحظي بشعبية كبيرة في أوساط النخب التركية، وأصبح يمثل رغبة شعبية في التغيير.
وفاز الحزب الديمقراطي بـــ61 نائبًا في انتخابات عام 1946، ومن ثم انضم له 47 نائبًا من نواب حزب الشعب الجمهوري ليصبح قوة سياسية فاعلة في الحياة السياسية التركية، لكن الحدث الأبرز كان عام 1950، حينما فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات النيابية فوزًا ساحقًا بعد حصوله على 403 مقاعد من أصل 482.
وبعد تولي المعارضة بقيادة الحزب الديمقراطي مقاليد الحكم في تركيا، أصبح جلال بايار رئيسًا للجمهورية وعدنان مندريس رئيس للوزراء، وشكلت حكومة جديدة، وعليه بدأت مرحلة جديدة بسياسات جديدة قديمة تعود إلى الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية العثمانية، التي تتضمن الملامح الإسلامية التي كانت محظورة خلال المرحلة السابقة، وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي لم يكن حزبًا إسلاميًا، لكن شكلت قواعده وقياداته التي عرفت بميولها الإسلامية.
ولمدة 10 سنوات، شرع "عدنان مندريس"، العديد من السياسات؛ حيث أعلن خلالها عن إعادة الأذان باللغة العربية، كما سمح بإعادة قراءة القرآن باللغة العربية بدلًا من الاكتفاء بقراءة ترجمة معانيه باللغة التركية، وسمح بافتتاح أول معهد لتدريس علوم الشريعة منذ عام 1923م، إضافة إلى بعض مراكز تعليم القرآن، في محاولة للانقلاب على هوية تركيا العلمانية.
جذور النشأة وبدايات الصعود
على الرغم من صعوبة الإحاطة بالحركة الإسلامية في تركيا نظرًا لتعدد القوى والأحزاب، والتعقيدات التي شابت مسيرتها، وللتداخل الاجتماعي والسياسي والديني، فإن هناك جذورا تاريخية شاهدة على وجود العديد من التيارات الإسلامية في تركيا، فلم ينقطع وجودها بعد قيام الدولة العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، وإن كانت غير ظاهرة على الساحة السياسية والاجتماعية التركية، وفي هذا الشأن؛ شكلت الحركات الصوفية التركية والتي كانت نواة الحركات الإسلامية هناك، الحاضن الأكبر لخروج هذه التنظيمات بشكلها الحديث.
وفي دستور 1924، نصت العديد من المواد على حرية الحركة لهذه الحركات الصوفية، أملًا من جانب النظام لتغيير نمط التدين السائد وقتها، وامتدت هذه الصلاحيات إلى أن شغل العديد من مشايخ هذه الطرق العديد من مقاعد البرلمان، فعلى سبيل المثال؛ انتخب عبدالحليم أفندي، شيخ التكية الواقعة في قونيا، والشيخ جمال الدين أفندي، شيخ تكية بكتاشية في مدينة كرشهر، إلا أن سرعان ما حدث التصادم بين هذه الجماعات والنظام الحاكم حينذاك.
بدايات الصدام
جاء عام 1925، ليعبر عن مرحلة جديدة من التصادم بين هذه الحركات الصوفية والنظام الحاكم، خاصة بعد سن العديد من القوانين التي نصت على حظر هذه الجماعات وإغلاق المقرات التابعة لها ومنعها من مزاولة أنشطتها بسبب تبنيها العديد من المبادئ التي تضر بقيم وتوجهات الجمهورية الوليدة.
وعلى خلفية هذا الصدام، حاول الشيخ "سعيد بيران"، القيام بثورة في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، والتي أطلق عليه " ثورة الشيخ سعيد بيران أو ثورة الشيخ سعيد النقشبندية"، وبعد سلسلة من الصدامات قامت هذه الجماعات بالعمل سرًا، ولعل هذا الصدام مع النظام كان بمثابة قوة الدفع لبداية تشكيل اللبنة الأولى لدخول هذه الجماعات العمل السياسي من الأبواب الخلفية.
الجدير بالذكر، أن الحركات الصوفية لعبت دورًا مهمًا في السياسة والمجتمع قبل إعلان الجمهورية التركية الحديثة، أثناء الخلافة العثمانية، وظلت محافظة على وجودها بين أفراد المجتمع وذلك منذ ما يقرب من القرن الثالث الهجري، كان لهم نفوذ على الهيئة الحاكمة في الدولة ورقابة سياساتها، وكان رجال التصوف يشتركون مع الجيش العثماني في فتوحاته وساهموا في تحقيق العديد من الانتصارات، ومن بينها الطرق "النقشبندية، والرفاعية، والمولوية، والبكتاشية"، إضافة إلى الطريقة النورسية، والتي أسسها "بديع الزمان سعيد النورسي"، وهي أكثر الحركات الصوفية الإسلامية تأثيرًا على الحياة السياسية التركية.
إن المتتبع لسلوك الحركات الإسلامية التركية بشكل خاص يجد أنها اتسمت بالتنوع وتعدد المنابت الاجتماعية والسياسية، كما مرت بالعديد من المراحل التي تعددت فيها الأدوار والآليات، بيد أن القاسم المشترك بينها، كونها بدأت على أساس المدنية مستغلة بذلك المناخ الديموقراطي وقيم العلمانية والمدنية، منهية إلى تجسيدها لأفكار الإسلام السياسي والوصول إلى السلطة لتقوم بعملية تحويل المجتمع وفق أيديولوجيتها المحافظة، ولعل الفترة الأخيرة من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أبرز تجسيد عن تلك الحالة، حيث عمل الحزب ومنذ صعوده إلى السلطة عام 2002، على تغيير الوجهة العلمانية لتركيا، حيث تبنت تركيا خيار العلمانية منذ عهد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، عندما ألغى الأخير دولة الخلافة، وأقام دولة حديثة على أنقاض الامبراطورية العثمانية التي تهاوت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي جعل تركيا واحدة من البلدان القليلة المحسوبة على العالم الإسلامي، التي ينصّ دستورها بشكل صريح على العلمانية.
لكن الحركات الإسلامية في تركيا، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، يرون أن الدولة التركية أوّلت العلمانية بشكل مُفرط، فقلّصت من حضور الدين في الفضاءات العامة، كما تدخلت في الحرية الدينية للأفراد.
وكغيره من باقي الشخصيات الذي خرجت من رحم الحركة الإسلامية التركية مثل نجم الدين أربكان، ومن قبله عدنان مندريس، قام "أردوغان" باستخدام العلمانية في إعادة الدين الإسلامي للحياة التركية ولا يجهر بمعاداتها كما يفعل رواد الحركات الإسلامية عادة؛ حيث أعاد فتح مدارس إمام خطيب، كما سمح بعودة الحجاب للجامعات بعد معركة دستورية قضائية انتهت برفع حظر الحجاب عام 2014م، فضلًا عن قيام أردوغان بالعديد من الإجراءات التي من شأنها تعزيز صلاحياته الدستورية لتمكينه من السيطرة والتغيير المجتمعي، بدءًا من الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 17 أبريل 2017، وإعلانه المبكر حول الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في 24 يوليو 2018م، والمقرر لها الانعقاد في 3 نوفمبر 2019، كمحاولة منه لتمرير هذه الصلاحيات، والتي تضمنت 18 مادة أبرزها: تولي الرئيس صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة وقيادة الجيش وإلغاء منصب رئيس الوزراء، كما يحق للرئيس عدم قطع صلته بحزبه، ورفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائبًا.
وتشهد تركيا الآن العديد من المظاهر التي تمثل انقلاب أردوغان على المبادي العلمانية التي أقرها أتاتورك مع بداية إنشاء الجمهورية التركية الحديثة؛ حيث تجد مساجد تركيا مفتوحة طوال اليوم والمحجبات يملأن الشوارع والجامعات حتى وصلن لمناصب القاضي وضابط الشرطة والجيش، وذلك من خلال الآليات المتاحة للوصول إلى السلطة، وتحويل الخطوات التكتيكية إلى استراتيجية بعيدة المدى لأسلمة الدولة والمجتمع، والانقضاض على المبادي الكمالية.
التطور ومسار الحركة
شهدت تركيا العديد من الحركات الإسلامية التي تطورت بين مراحل صدامية بين النظام الحاكم أو القيادات العسكرية، التي ألقت بدورها على مستقبل العلاقات بينهم فيما بعد، ويعود بداية ظهور التنظيمات الحديثة إلى عام 1970، تحديدًا في شهر يناير عندما أعلن نجم الدين أربكان عن تأسيس حزب جديد أُطلق عليه " حزب النظام الوطني"، وذلك على أسس ومبادي إسلامية، الذي أعطى اهتمامًا خاصًا للتعاليم الدينية وحرية المعتقد ومناهضة العلمانية كأسلوب من أساليب الضغط على الدين.
كما أعلن رغبته في ربط تركيا ثقافيًا وتاريخيًا مع الدول الإسلامية والعربية. ودعى أربكان جميع المؤمنين للاتحاد تحت الشعارات الإسلامية التي يرفعها حزبه. وعلى خلفية هذه التصريحات، تم تجريم الحزب في 5 مارس 1971؛ حيث وجهت للحزب اتهامات من جانب الادعاء التركي بخرق قوانين الأحزاب وعدم الالتزام بمبادئ العلمانية التركية، وفي 20 من الشهر ذاته، أصدرت المحكمة الدستورية قرارًا بمنع أنشطة الحزب وإغلاق مقراته.
وبعد حظر الحزب، عمل أربكان على تأسيس حزب جديد، ففي 12 نوفمبر 1972، أعلن حزب السلامة الوطني، وتزعمه "سليمان عارف ايمري"، وبقي أربكان في الظل، وكان برنامج الحزب مشابهًا لنظيره السابق(حزب النظام الوطني)، إلا أن الحزب الجديد كان متحفظًا في تقديم النقد المباشر للعلمانية والتصريح العلني عن التوجه الديني له.
شكل الحزب الجديد العديد من التحالفات سواء مع الحزب الجمهوري في 1974، ومع حزب العدالة في 1975، و1978، شغل خلالها أربكان منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، وشغل العديد من أنصاره حقائب وزارية هامة.
الصعود مجددًا
شكل إنشاء حزب الوطن الأم بزعامة "تورت أوزال"، بعد أحداث 1980، تحديدًا عام 1983، بداية جديدة لفكرة ظهور الأحزاب الإسلامية بصورة أكثر وضوحًا، فبعد سيطرة حزب الوطن الأم على الحكم حتى عام 1989م، انتخب مجلس الشعب التركي تورغت أوزال رئيسًا للجمهورية، تلى ذلك إنقسام حزب الوطن الأم إلى جناحين الأول إسلامي محافظ بقيادة "سليمان ديميريل" والثاني ليبرالي علماني بزعامة "مسعود يلماز". وفي انتخابات 1991 فاز حزب الطريق القويم الممثل للتوجه الإسلامي المحافظ بالمرتبة الأولى في الانتخابات وتشكلت حكومة ائتلافية بين حزبي الطريق القويم وحزب الشعب التركي.
إلا أنه وبعد وفاة تورغوت أوزال عام 1993، في ظروف غامضة، وصل حزب الرفاه الذي تأسس في يوليو 1983م - امتداد لحزب السلامة الوطني الإسلامي - وحليفه "الطريق القويم" إلى السلطة بعد أن حظرت جميع الأحزاب بعد انقلاب سبتمبر 1980، ليصبح الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان رئيسًا للوزراء كأول رجل ذو توجه إسلامي صريح يصل إلى السلطة.
وبعد اتخاذ أربكان العديد من السياسات التي تهدد وفق الدستور التركي قيم العلمانية، تم حظر حزب الرفاة بحكم قضائي وفقا لقانون 1982، بتهمة السعي لتطبيق الشريعة وإقامة النظام الرجعى، وتم إيداع أربكان في السجن مع مجموعة من قادة حزبه منهم رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية الحالي وحرمان بعضهم من العمل السياسي لمدة 5 - 10 سنوات.
بطبيعة الحال، لم تكن تركيا تعرف "الإسلام السياسي"، كما عرفته المنطقة العربية، كما أن تجربة حزب الرفاه في تركيا، بقيادة نجم الدين أربكان، الذي تغيّر فيما بعد إلى حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، لم تكن في وارد تحدي المؤسسة العلمانية للدولة التركية وخاصة المؤسسة العسكرية.
وعليه شكلت التحولات الاجتماعية في قلب الأناضول البيئة الأساسية التي نشأت منها طبقة حملت المشروع الإسلامي لتركيا عبر استعادة ما يسمونه الهوية الإسلامية، وفي الطريق إلى استعادة هذه الهوية كثيرًا ما تعرضت للإقصاء والحظر، إذ أن الأنظمة العلمانية الحاكمة كانت لها بالمرصاد، فمن بوابة القضاء تم حظر الأحزاب التي حملت في أيديولوجيتها الإسلام حتى مطلع الألفية. لكن الانفتاح التركي التدريجي على الداخل والخارج بعد الانتقال إلى التعددية السياسية والسعي إلى العضوية الأوروبية أتاحا المجال للحركات الإسلامية امتلاك آليات سمحت لها بالتطور حتى في أصعب المراحل، أي تلك التي أعقبت الانقلابات العسكرية، منذ عهد عدنان مندريس مرورًا بمرحلتي تورغوت أوزال وسليمان ديميريل؛ حيث سعى الإسلاميون إلى تثبيت وجودهم عبر آليات كثيرة، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية سدة الحكم عام 2002، وحتى الآن، عمل الحزب على أسلمة المجتمع والانقضاض على المبادئ الكمالية شيئًا فشيئًا.
وعليه شهدت تركيا في عهد أردوغان كحاكم للبلاد، بصورتيها البرلمانية والرئاسية، العديد من التغيرات الداخلية والإقليمية التي يرجعها البعض إلى اختلاف أيدولوجية أردوغان جذريًا عمن سبقوه، ورغم إعلان أردوغان في أكثر من مناسبة إيمانه بمبادئ العلمانية التركية، إلا أن مواقفه السياسية تعارضت في بعض الأحيان مع هذه المبادئ.
وفي لقاء مع قناة "العربية نت" بتاريخ 18 فبراير 2017، أعلن أردوغان في حديثه عن العلمانية قائلًا" نحن لا نعتبر العلمانية معاداة للدين أو عدم وجود الدين، وقلت الفرد لا يمكن أن يكون علمانيًا، والعلمانية ليست ديانة الدولة هي التي يمكن أن تكون علمانية، والعلمانية هي ضمان فقط حريات كافة الأديان والمعتقدات يعني العلمانية توفر الأرضية الملائمة لممارسة كافة الأديان ممارسة شعائرها الدينية بكل حرية حتى الملحدين، ولكن اعتبار العلمانية تسليط رأي أو موقف على المتدينين فهذا غير صحيح وغير مطلوب إطلاقًا".
إلا أنه في عام 2014، ظهر اتجاه أردوغان لتغيير سياسات تركيا العلمانية، أو الأتاتوركية كما يسميها البعض، في التعليم الحكومي؛ حيث أعلن المجلس العالي للتعليم تطبيق القانون المتعلق بإدخال مناهج لتعليم الإسلام السني في المدارس الحكومية، والخطط المتعلقة باستيعاب نحو ربع الطلاب المتفوقين في المدارس العليا داخل مدارس إمام خطيب الدينية، في خطوة يرى النقاد العلمانيون أنها تعطي أولوية للتعليم الإسلامي، عوضًا عن الإجراءات المتعلقة بالزواج الديني الذي أقرته تركيا بعد أن كان يعمل بالقانون المدني منذ عام 1926.
كما جاءت تصريحات أردوغان في نوفمبر 2014، بأن الإسلام حدد دور النساء في المجتمع بالأمومة، وأنه لا يمكن معاملة الرجل والمرأة بالطريقة نفسها، لأن ذلك ضد الطبيعة البشرية، أبرز الدلائل على معاداة أردوغان للعلمانية.
ووفق تقرير مركز راند "rand corporation" الذي نشره عام 2008م، بعنوان "صعود الإسلام السياسي في تركيا “The Rise of Political Islam in Turkey "، سلط "أنجل رابسا" و"ستيفين لاربي"، الضوء على الزحف الإسلامي في تركيا، وذلك وفق سيناريو يفترض أن حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان يمتلك أجندة إسلامية خفية غير معلنة وعدائية، وأنه يحمل خطة لأسلمة المجتمع التركي ستظهر بتوليه السلطة، كما سيقوم بالسيطرة على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وسيصبح الحزب حينها بتوجه إسلامي معلن هو المتحكم في تعيين القضاة ورؤساء الجامعات والإداريين بل سيتحكم في القرارات الشخصية داخل الجيش، كما أنه على مستوى السياسات الخارجية لن يسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي بل سيسعى إلى إنشاء وتأسيس (تكتل إسلامي) جديد في العالم.
سيناريوهات محتملة
لا شك أن الانتخابات الرئاسية والمبكرة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 24 من يوليو 2018، والتي كان من المقرر لها الانعقاد في 3 نوفمبر 2019، بدعوة من زعيم حزب الحركة القومية "دولت بهتشلي" المتحالف مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي تحت مسمى "تحالف الشعب"، إلا تعبيرًا عن ملامح الفترة القادمة من عمر الدولة التركية، ومستقبل القوى الإسلامية في المشهد السياسي والاجتماعي، ولعل هذه الدعوة من جانب أردوغان، فتح الباب أمام العديد من السيناريوهات التي يمكن تكشف عنها الفترة القادمة.
السيناريو الأول: استمرار الهيمنة
يمثل هذا السيناريو امتدادًا لسيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي على مفاصل الدولة وتوجهاتها الداخلية والخارجية، خاصة بعد العديد من السياسات التي كانت وما زالت تؤسس لمثل هذه السيطرة، وفي هذا الشأن، يذكر أن بعد ما سُمي بمحاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، والتي تبعها العديد من السياسات التعسفية والقبض وانتهاك حقوق الإنسان، وتأميم المجال العام بما يعزز فرص توغلهم.
السيناريو الثاني: تحالف المعارضة
وفق هذا السيناريو يمكن أن تقوم المعارضة بالتحالف ضد أردوغان وحليفه الحركة القومية، خاصة بعد نتائج الاستفتاء الأخير في 17 أبريل 2017، والذي شهد تراجع نسبة التأييد لأردوغان. والتي مررت التعديلات بفارق ضئيل جدًا في نسبة التصويت، حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4%)، وبين المصوتين ضد التعديل في الاستفتاء (48.6%)، ولعل الفارق الضئيل بين الأصوات المعارضة والمؤيدة للتعديلات الدستورية كشف النقاب عن تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية، وخسارته لأهم معقلين تصويتين هما إسطنبول وأنقرة واللتان كانتا يصوتان لصالح الحزب من قبل.
هذا التحالف يمكن أن يكون بين حزب الشعب الجمهوري من خلال مرشحه "محرم إينجة"، مع "ميرال أوكشينار"، رئيسة حزب الخير، الذي كان جزء من الحركة القومية والذي أنشقت عنه بعد إعلان تقاربه مع حزب العدالة والتنمية، وحزب السعادة الإسلامي، الذي رشح "قرة ملا أوغلو"، بدلًا من عبدالله جول، خاصة وأن حزب السعادة، لم يحصل على مقاعد في البرلمان منذ 17 عامًا، ما يزيد من نسبة قيام التحالف.
السيناريو الثالث: اضطرابات ممتدة
يشكل هذا السيناريو امتدادًا لحالة الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تعيشه تركيا منذ فترة السياسات الأردوغانية خاصة بعد أحداث ما يسمى بالانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، الذي استخدمه أردوغان للتخلص من خصومه السياسيين، وعليه تزايدت الاحتجاجات المعارضة لسياساته؛ حيث تشهد تركيا احتجاجات وتظاهرات تقدر بمئات الألوف في اسطنبول احتجاجًا على حملة الاعتقالات؛ حيث اعتقلت السلطات التركية نحو 50 ألف شخص وأوقفت عن العمل نحو 150 ألفًا.
ومن جانب آخر، طالبت منظمة العفو الدولية، في 3 مايو 2017، "بالإفراج الفوري غير المشروط" عن جميع الصحفيين المحتجزين في تركيا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق 3 مايو من كل عام".
وقال "ماركوس بيكو" الأمين العام للمنظمة في ألمانيا: "ليس هناك عدد من الصحفيين المحتجزين في السجون في أي دولة بالعالم حاليا أكثر من عددهم في تركيا. إن "حرية الصحافة" محتجزة هناك إلى حد كبير".
الجدير بالذكر، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أغلق أيضًا ما يزيد على 170 مؤسسة إعلامية ودار نشر في ظل حالة الطوارئ المعلنة بعد أحداث ما يسمى بالانقلاب الفاشل.





