النفوذ الصيني في غرب أفريقيا.. ثلاثية السياسة والاقتصاد والأمن
الجمعة 21/أكتوبر/2022 - 08:47 م
أحمد عادل
ترتكز السياسة الصينية في قارة أفريقيا على فكرة ربط أقاليمها عبر تدشين شبكة متداخلة من الطرق، ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها بكين في عام 2013، وانضمت إليها نحو 50 دولة أفريقية، في محاولة لكسب المزيد من النفوذ السياسي والاقتصادي في القارة السمراء.
يقول أحمد عسكر، الباحث بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، في دراسة أعدها عن اهتمام الصين بمنطقة غرب أفريقيا: إن هناك اعتبارات استراتيجية كثيرة دفعت بكين إلى توظيف عدد من الأدوات لتكثيف تحركاتها فى أفريقيا؛ رغبة منها في مزاحمة قوى دولية فاعلة في غرب أفريقيا تحديدًا، من أجل بسط الهيمنة الذي يضمن بدوره موطئ قدم مهم يسمح للصين بالتوسع في الاستفادة من الثروات والموارد الطبيعية التي تتمتع بها دول المنطقة.
ودفع ذلك واشنطن خلال الفترة الأخيرة بحسب الدراسة للتحذير من تطلع بكين لإقامة قاعدة عسكرية بحرية على الساحل الغربي لأفريقيا، في إطار مساعيها لتأكيد تواجدها البحري في الممرات المائية الاستراتيجية، من خلال تكثيف استثماراتها في الموانئ البحرية في غرب أفريقيا.
حلقة وصل مهمة
تنظر الصين إلى منطقة غرب أفريقيا باعتبارها حلقة وصل مهمة للمناطق الاستراتيجية الأخرى في شمال ووسط وجنوب القارة، بما في ذلك منطقة الساحل والصحراء، بهدف توسيع النفوذ الصيني في القارة بشكل عام، سعيًّا لموازنة النفوذ الدولي الذي يمثل تحديًّا بالنسبة لبكين مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتركيا والاتحاد الأوروبي.
وإذ تعد المقاربة الاقتصادية يقول الباحث أحمد عسكر، عاملًا حاسمًا في تزايد الاهتمام الصيني بمنطقة غرب أفريقيا، وهو ما يدلل عليه كثافة الاستثمارات في دول المنطقة لاسيما مشروعات البنية التحتية، تلعب القروض المقدمة للحكومات الأفريقية أيضًا نفس الدور من أجل سد عجز ميزانياتها وتمويل مشروعاتها المختلفة.
انخراط صيني في الأزمات الأفريقية
ولا تكتفي بكين بتلك المقاربة فحسب، بل تعزز انخراطها في العديد من الأزمات الأفريقية محاولة منها لإيجاد تسوية لها مثل قضايا التنمية والإرهاب والفقر، وهو ما ينعكس بالطبع على الترحيب الأفريقي بالوجود الصيني.
ويرى الباحث أن أهمية المصالح الصينية الاستراتيجية، تكمن في الموقع الاستراتيجي لمنطقة غرب أفريقيا، الذي يلعب دورًا بارزًا في نيلها تلك المكانة بالنسبة لسياسات القوى الكبرى، فهي تطل على الساحل الغربي للقارة عند المحيط الأطلنطي، ما يعني قربها الجغرافي -نسبيًّا- من الولايات المتحدة التي تعتبر المنافس الرئيسي للصين عالميًّا، بالإضافة إلى تصدر تلك المنطقة أولويات السياسات الأوروبية باعتبارها تمثل حائط صد للتحديات التي تهدد أمن القارة الأوروبية مثل انتشار الإرهاب والهجرة غير الشرعية لأوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
أبرز المصالح الصينية في غرب أفريقيا
وترى دراسة الباحث أحمد عسكر أن بكين تُسخِّر دبلوماسيتها من أجل تعزيز العلاقات السياسية التي تُسهم بدورها في توطيد علاقات التعاون الاقتصادي والأمني مع دول غرب أفريقيا، وذلك في إطار سياسة الباب المفتوح التي تتبناها بكين في أفريقيا خلال السنوات الماضية.
وترتبط المصالح الصينية في أفريقيا بعدد من الدوافع، فهي تسعى للحصول على الدعم الأفريقي لمساندتها والدفاع عن قضاياها في المحافل الدولية مثل قضايا "تايوان" و"هونج كونج" وبحر الصين الجنوبي، لا سيما أن أفريقيا تتمتع بكتلة تصويتية كبيرة في الأمم المتحدة.
وتسعى الصين إلى تقوية نفوذها الاقتصادي في غرب أفريقيا، وذلك من خلال محاولتها تصدير نموذج تنموي لدول المنطقة، ولذا تقدم نفسها باعتبارها نموذجًا اقتصاديًّا مناسبًا، وهو ما يلقى ترحيبًا أفريقيًّا في ضوء الحاجة للمزيد من الاستثمارات ومشروعات البنية التحتية التي تقوم بمعظمها الشركات الصينية، على نحو جعل بكين هي الأكثر تأثيرًا من بين القوى الدولية الفاعلة في غرب أفريقيا على الصعيد الاقتصادي، في ظل هيمنتها على معظم الاستثمارات في عدد من القطاعات المهمة مثل البنية التحتية والاتصالات والمعادن والنفط.
مشاركة صينية في حفظ السلام
وترى بكين في الاضطراب الأمني في منطقة غرب أفريقيا بما في ذلك الساحل والصحراء بسبب تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية هناك، فرصة جيدة لانخراطها في معالجة القضايا الأمنية التي تمثل مدخلًا مهمًا لتعاظم النفوذ الصيني في المنطقة، وتنامي النظرة الإيجابية لها في المجتمعات الأفريقية بسبب مساهمتها في بناء دور أكبر لتحقيق الاستقرار الإقليمي والحد من مخاطر التهديدات الأمنية هناك، وهو ما برز في مشاركة بعض القوات الصينية ضمن بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في غرب أفريقيا وتقديم الدعم العسكري لدول المنطقة والاتحاد الأفريقي.
وتهتم بكين بالأمن البحري في غرب أفريقيا من أجل حماية تجارتها وحركة التجارة الدولية هناك، ما دفعها لتعزيز حضورها البحري عند الساحل الغربي لأفريقيا، كجزء من طموحاتها الاستراتيجية لحماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة، الأمر الذي قد يعزز شكوك واشنطن حول احتمالية إقامة بكين لقاعدة عسكرية بحرية في جمهورية غينيا الاستوائية على ساحل المحيط الأطلنطي.





