التاج البريطاني وجمهورية المرشد.. تاريخ من التوترات السياسية

أثار رد الفعل الإيراني حول وفاة ملكة بريطانيا «إليزابيث الثانية» في الثامن من سبتمبر 2022 بعد سبعة عقود من حكم المملكة المتحدة، جدلًا كبيرًا، فرغم تفاعل العديد من قادة العالم مع هذا الحدث وتقديمهم التعازي وفقًا للأعراف الدولية، فإن طهران التزمت الصمت، ولم يقدم المرشد الأعلى للثورة «علي خامنئي» أو حتى رئيس البلاد «إبراهيم رئيسي» التعازي إلى الملك الجديد «تشارلز الثالث»، كما لم تصدر وزارة الخارجية الإيرانية أيضًا بيانًا لتعزية الشعب البريطاني، واكتفى التلفزيون الرسمي الإيراني فقط بالإعلان عن خبر الوفاة دون أي تعليق حولها مرفقًا بصور ولقطات أرشيفية للملكة، وهو ما يُخالف آداب السياسة الخارجية وقواعد الأعراف الدولية.
من الصمت إلى الهجوم
لم يقتصر الأمر على ذلك بل إن بعض وسائل الإعلام الإيرانية مثل "وكالة
أنباء فارس" وجهت انتقادات إلى الملكة الراحلة، إذ قالت الوكالة في
تقرير لها تحت عنوان "إرثها الدموي للإنسانية" انتقادات شديدة
اللهجة إلى "إليزابيث" وتاريخها، زاعمة أن الملكة
عملت خلال حكمها على اتخاذ "إجراءات شريرة" ضد عدد من دول منطقة الشرق
الأوسط، وأنها قامت بتحسين نمو ثروتها الشخصية
من خلال طرق مشكوك فيها، وبجانب تقرير الوكالة فإن عدد من الأصوليين المتشددين والمعارضين
للملكية في إيران، عبروا عن سعادتهم بهذا الخبر.
بريطانيا وعلاقة الصداقة مع الشاه
وعلى الجانب الآخر، فإن نجل شاه إيران الراحل، ولي عهد إيران السابق "رضا
بهلوي الثاني" المقيم في الولايات المتحدة، علق على خبر وفاة الملكة
"إليزابيث" من خلال رسالة أعرب فيها عن مواساته،
قائلا: «في عهدها كأطول ملوك في العالم خدمت كقوة شريفة ونبيلة للعدالة والتقدم على
حد سواء، ومن أجل الاستمرارية والوحدة لأمتها»، ومضيفًا، «أنا وأسرتي ننضم إلى الشعب
البريطاني والمجتمع الدولي في حداد وفاة الملكة إليزابيث الثانية».
وسبب تعليق ولي العهد الإيراني على خبر الوفاة، يرجع إلى العلاقات الجيدة التي كانت تجمع "إليزابيث" بوالده شاه إيران "محمد رضا بهلوي"، إذ تبادلت الزيارات بين طهران ولندن إبان حكم الشاه الذي قيل إنه زار بريطانيا والتقى الملكة إليزابيث قبل اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، والتى أطاحت بالنظام الملكي في إيران.
وبعدها بسنوات قامت "إليزابيث" في مارس 1961 برفقة زوجها الأمير فيليب بزيارة إيران، والتقت الشاه محمد رضا بهلوي وزوجته فرح بهلوي في طهران، وقامت بزيارة عدد من المواقع التاريخية، خاصة "أطلال برسيبوليس"، بل وأطلق الشاه وقتها اسم ملكة بريطانيا على أحد شوارع وسط طهران وقد تم تغيير الاسم الثورة لتكريم العمال الزراعيين بعد ثورة 1979.
توتر العلاقة مع بريطانيا بعد الثورة
بعد نجاح رجال الدين في الإطاحة بالحكم الملكي عام 1979، تراجعت العلاقة بين كل من لندن وطهران، واتسمت بالتوتر، وزرع نظام الملالي في عقول الإيرانيين فكرة أن التاج البريطاني وراء جميع المؤمرات التي شهدها العالم على مدار التاريخ للاستيلاء على ثرواته.
وظلت العلاقات الإيرانية البريطانية "متذبذبة" تتحسن أحيانًا وتتوتر أحيانًا أخرى، إلا أنه إبان احتجاجات الحركة الخضراء في إيران عام 2009، وصف المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» الحكومة البريطانية بأنها أكثر أعداء إيران "شرًّا"، وأنها تآمرت ضد البلاد وكانت سببًا في تصعيد الاضطرابات.
ملك بريطانيا الجديد وإيران
وجدير بالذكر أن «تشارلز الثالث» الملك البريطاني الجديد قام في 2004، حين كان أميرا بزيارة إلى مدينة بام الإيرانية، عقب زلزال مدمر ضرب هذه المدينة، وكان وقتها رئيسيًا للصليب الأحمر البريطاني.
وفي مارس 2006 كشفت وسائل إعلام بريطانية عن زيارة «تشارلز» إلى إيران، وتم وصفها بأنها أول زيارة تاريخية لأحد أفراد العائلة الملكية إلى إيران منذ أكثر من أربعة عقود.
وفي يناير 2020 أجرت
صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية لقاء مع الأمير تشارلز، وأعلن
وقتها عن رغبته في القيام بزيارة رسمية إلى إيران، قائلًا: «أعلم أن إيران كانت جزءًا مهمًّا من العالم لقرون عديدة، وساهمت كثيرًا في المعرفة الإنسانية والثقافة والشعر والفن».
بين العداء والمصالح
يوضح الدكتور مسعود إبراهيم حسن، الباحث المختص في الشأن الإيراني، أن هذا
السلوك الإيراني غير إنساني ولا يرقى إلى مستوى التعامل السياسي أو الدبلوماسي بين
الدول، وقد يرجع إلى وجود نوع العداء بين الجانبين على مدار التاريخ، إذ
كان المرشد الأعلى يصف بريطانيا بأنها "الدولة
الخبيثة"، فضلًا أنه إبان "حرب الناقلات" اندلعت أزمة نفط بين
طهران وعدد من دول العالم، وعلى رأسهم بريطانيا، وهو ما دفع نظام الملالي وقتها لإطلاق
مسمى على إليزابيث بأنها "ملكة القراصنة".
ولفت «حسن» في تصريح خاص لـ«المرجع» إلى أن العلاقات على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي بين البلدين لن تتأثر كثيرًا برحيل ملكة بريطانيا، وإنما على المستوى السياسي قد يحدث تغييرًا، إذ إن لندن من الدول المشاركة في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا، وهي حريصة كباقي دول العالم وفقًا لمبدأ "المصالح تحكم" على إدخال إيران لسوق الطاقة العالمية، لإحداث التوازن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل كبير على سوق النفط.