قوة الدب الروسي.. أسباب فشل التحالف الأمريكي الغربي في هزيمة موسكو
الإثنين 25/يوليو/2022 - 11:31 م

محمود البتاكوشي
توقع الكثيرون انهيار روسيا وهزيمتها أمام التحالف الأمريكي الأوروبي ضدها في حربها مع أوكرانيا، إذ فرضوا عليها حزمة من العقوبات القاسية، فضلًا عن فتح جسر للمساعدات العسكرية إلى كييف لمواجهة القوات الروسية، ولكن أثبتت الأيام أن هذه العقوبات لم تؤثر بالصورة المنتظرة، وبات من الواضح أن التخطيط العسكري والاقتصادي الغربي ضد روسيا أخفق في تحقيق أي من أهدافه، فموسكو قادرة على تحقيق انتصارات عسكرية، وفشلت الدول الغربية في علاج الخلل بميزان القوى بين الجيش الروسي والأوكراني.

في صالح روسيا
سير العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، يصب في صالح روسيا التي تتقدم على الأرض يومًا بعد يوم، وفشل الجيش الأوكراني في استعادة الأراضي التي فقدها، وأكبر دليل على ذلك تصريحات المسؤولين الأوكران عن الخسائر التي يتكبدها جيش بلادهم، إذ اعترف أليكسي ريزنيكوف وزير الدفاع الأوكراني، مؤخرًا بوقوع خسائر فادحة واستنزاف الجيش مطالبًا الدول الغربية بالمزيد من الأسلحة.
بينما كان كشف مسؤولون أوكرانيون آخرون عن خسارتهم 200 جندي يوميًّا في إقليم الدونباس، وهو المعدل الذي يعني أن الجيش الأوكراني يفقد 6000 جندي شهريًّا، بالإضافة إلى خسارة أضعاف هذا الرقم من الجرحى، مما يشير إلى عجزه عن مواصلة العمليات العسكرية، كما طالب فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الأوكراني، زعماء العالم في قمة مجموعة السبع ببذل قصارى جهدهم لإنهاء الحرب الروسية في أسرع وقت ممكن، موضحًا أن ظروف المعركة تجعل الأمر أكثر صعوبة على قواته أثناء شن قتالهم.

تفوق روسي
ومن أسباب التفوق الروسي هيمنة موسكو على الأجواء الأوكرانية، بعد تراجع فاعلية الطائرات المسيرة الأوكرانية في الحرب، وذلك بعدما كانت كييف تعوّل عليها بقوة في بداية المعارك، فقد تمكنت موسكو من نشر وحدات الحرب الإلكترونية، وكذلك نظم الدفاع الجوي الروسية في المناطق التي سيطرت عليها كافة، وهو ما أجبر الجيش الأوكراني على تقليل الطلعات الجوية، سواء بالمقاتلات، أو الطائرات المسيرة، والتي غالبًا ما تنجح الدفاعات الروسية في إسقاطها بسهولة، مما دفع كييف للمطالبة بنظم دفاع جوي جديدة وذلك يعد مؤشرًا على نجاح الجيش الروسي في استهداف نظم الدفاع الجوي الأوكرانية، روسية الصنع، من طراز إس 300 وهو ما يجعل كييف في حاجة إلى نظم بديلة، تتخوف أمريكا من قدرة روسيا على تدمير أنظمتها الدفاعية بسهولة مما يعد دعاية سيئة للصناعات الدفاعية الأمريكية.
تمكنت روسيا من تجاوز الحرب النفسية والشائعات التي سعت لتضخيم خسائر الجيش الروسي بهدف ضرب الروح المعنوية لجنوده ومحاولة إثارة الاضطرابات داخلها، سواء عبر دفع المواطنين للاحتجاج على حرب روسيا ضد أوكرانيا، أو من خلال تشجيع النخبة المقربة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على التمرد، ولكن خابت محاولتهم في النهاية، فالجيش الروسي يحقق تقدمًا ثابتًا يومًا بعد يوم وأن كان بطيئًا.
فشل المقاومة الأوكرانية، في مواجهة القوات الروسية يعكس نجاح الجيش الروسي في كشف شبكات المقاومة هذه، وتصفية عناصرها، وموالاة السكان المحليين في المناطق التي سيطرت عليها روسيا لموسكو، حيث رفض سكان مدينة سلوفيانسك، وهي إحدى المدن القريبة من خطوط القتال بين الجيشين الروسي والأوكراني، الرحيل، مفضلين الخضوع للسيطرة الروسية، كما أنهم يحملون كييف مسؤولية اندلاع الحرب.
كما نجحت روسيا في تخطي العقوبات الغربية الإقتصادية التي فرضت عليها فقد حققت إيرادات النفط الروسي مبيعات تاريخية غير مسبوقة هذا العام، كما ارتفع سعر الروبل الروسي حتى وصل إلى سعر صرف 55 روبلًا مقابل الدولار في 1 يوليو 2022، وذلك بعد أن سجل حوالي 51 روبلًا للدولار في أواخر يونيو 2022، وهو أعلى مستوى له منذ مايو 2015، ويلاحظ أن العقوبات الغربية، حتى الآن، أثبتت أنها أضرت بالاقتصادات الغربية بصورة تفوق إضرارها بالاقتصاد الروسي، وهو ما وضح في ارتفاع معدلات التضخم لمستويات غير قياسية في كل العواصم الغربية.
ويرجع ذلك إلى القرارات التي اتخذتها روسيا للرد على هذه العقوبات أولها تسديد الديون بالروبل الروسي، حيث أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مرسومًا وجه فيه الحكومة بتأكيد أحقية الشركات الروسية مديونياتها لجهات مالية غربية بتسديد مستحقاتها المالية بالعملة المحلية، وليس بالدولار الأمريكي، مما يؤدي لخسائر كبيرة للدائنين بسبب انخفاض قيمة الروبل بنسبة 50%، كما أن هذا الإجراء من شأنه أن يقلل من سحب احتياطات روسيا من العملات الأجنبية.
كما أقرت موسكو قائمة من الدول التي اتخذت إجراءات غير ودية ضد المواطنين الروس، ومن المتوقع أن تشهد تلك الدول عقوبات اقتصادية واسعة النطاق متدرجة، وفقًا للخطوات التي اتخذتها كل دولة ضد موسكو، في خطوة تصعيدية روسية.
كما أصدرت روسيا قرارات بتقييد تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية، مثل القمح للدول التي تمنع رسو السفن الروسية في موانئها، حيث تساهم روسيا بنصيب كبير جدًّا من تجارة المواد الغذائية والحبوب التي تشكل حجر زاوية سلة غذاء العالم، خصوصًا للدول الأفقر، وبالتالي قد تستخدم روسيا هذا السلاح، كما أن الصراع المسلح الجاري في أوكرانيا، قد يفاقم من ارتفاع أسعار تلك السلع، خاصة أن الأخيرة تعد منتجًا محوريًّا للعديد من السلع الزراعية الرئيسية، وجود مخاوف من عجزها عن تصديرها.
وأكبر دليل على النجاح الروسي تراجع الكثير من الدول الأوروبية عن العقوبات فبعد إعلان شركة غازبروم الروسية، في 14 يونيو، خفض إمدادات الغاز عبر نورد ستريم 1 بسبب عدم عودة وحدات ضخ الغاز التوربينات من قبل شركة سيمنز – كندا، أعلن جوناثان ويلكنسون، وزير الموارد الطبيعية الكندي، أن بلاده كندا ستمنح تصريحًا محدود المدة وقابلًا للإلغاء لشركة سيمنز كندا للسماح بإعادة توربينات نورد ستريم 1 لدعم قدرة أوروبا على الوصول إلى طاقة موثوقة وبأسعار معقولة.