المشهد الليبي يزداد قتامة.. دلالات إحراق مجلس النواب
الثلاثاء 05/يوليو/2022 - 03:16 م

محمود البتاكوشي
شهدت الأراضي الليبية أعنف مظاهرات منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، إذ اقتحم المتظاهرون مقر مجلس النواب، وحاولوا هدمه وإحراقه بالكامل، قبل أن ينهبوا محتوياته، للتعبير عن غضبهم تجاه الأطراف السياسية المتناحرة في البلاد، والمطالبة بخروجها من المشهد برمته، حيث لوح المتظاهرون بصور كل من "عبدالحميد الدبيبة" رئيس الحكومة الليبية المنتهية ولايته وغريمه "فتحي باشاغا"، رئيس حكومة الاستقرار الموازية، مشطوبة بخطين أحمرين للدلالة على الرفض لكليهما.
انهيار الثقة
انهيار الثقة فى العملية السياسية الليبية، كانت الشرارة التي حركت جموع المحتجين، إذ انتهت المرحلة الانتقالية في 22 يونيو الماضي، تاركة خلفها قائمة طويلة من الفشل، إذ لم يفشل الساسة الليبيون فقط في إنجاز العملية الانتخابية التي كانت مقررة قبل نحو ستة أشهر من هذا التاريخ، وإنما أعادوا إنتاج الانقسام السياسي، ما بين شرق البلاد وغربها.
وظهرت مؤشرات لانقسام جهوي جديد فى الجنوب مؤخرًا يدعو لتأسيس حكومة ثالثة في البلاد، فضلًا عن تزايد حدة الاستقطابات، فقد قرر "الدبيبة" إقالة "مصطفى صنع الله" رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، والذي يبدو أنه تقارب مع حكومة سرت، كما أقال البرلمان الصديق الكبير رئيس المصرف المركزي في طرابلس وعين رئيس مصرف بنغازي علي الحبري قائمًا بالأعمال، وهي قرارات ربما لم تنفذ لكنها تؤكد على طبيعة الفشل في المشهد السياسي الليبي.
زيادة الاحتقان
ساهم سوء الأوضاع الاقتصادية للمواطنين بسبب انشغال القيادات بالتنافس على السلطة، في زيادة الاحتقان، إذ أصبحت الموارد الرئيسية للدخل في البلاد، وهي النفط، ورقة للضغط والمساومة السياسية بين المتصارعين على الحكم، وأدى توقف توريد مشتقاته إلى توقف محطات توليد الكهرباء، ما أسفر عن انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، وبالتبعية تعطلت الخدمات الأخرى، لتصبح العديد من المواقع الخدمية في حالة شلل تام.
وزاد من حدة تردي أزمات المعيشة عدم القدرة على توفير رغيف الخبز، في ظل عدم وجود احتياطي كافٍ للقمح، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتبعية ارتفعت أسعاره، كما أدى استمرار وتنامي التدخل الأجنبي، إلى زيادة السخط والغضب، إذ اعتبر المحتجون أن استمرار وتنامي التدخل الأجنبي يعد استمرارًا لانتقاص السيادة الوطنية، فقبل أسبوع من اندلاع المظاهرات، جددت تركيا مدة بقاء قواتها العسكرية في ليبيا، كما دعا السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند إلى إجراء الانتخابات في ظل الانقسام السياسي، وبقاء الحكومتين، بالإضافة إلى قيام الولايات المتحدة بالإعلان عن خطة لإدارة الوضع الاقتصادي، مع تجميد عوائد النفط الليبي في حساب المصرف الخارجي، وهي الآلية التي تعني تدويل إدارة العملية الاقتصادية في البلاد.
مشروعية الحق في التظاهر
عكست خريطة الاحتجاجات التي شملت جميع المدن الليبية إنهاء سيطرة المدن المنتصرة على المدن المهزومة مصراته وبنغازي، حيث انطلقت الاحتجاجات من العاصمة، لتشمل مدن البلاد، ثم عادت مرة أخرى للتمركز في العاصمة بشكل رئيسي، بالإضافة إلى عواصم الأقاليم الأخرى، بعد التحول من التظاهرات إلى الاعتصامات والدعوة إلى عصيان مدني.
ويبدو أن هناك اتفاقًا عامًّا لدى الأطراف السياسية على تأييد الحراك، والتأكيد على مشروعية الحق في التظاهر، والعمل على تحقيق مطالبهم، وكأن تلك التظاهرات لم تندلع للإطاحة بهذا الشخصيات والكيانات السياسية التي يمثلونها، وحرص المتظاهرون على عدم انتقاد القوات المسلحة في الشرق والغرب، والتي أصدرت بدورها بيانًا لتأييد الحراك السلمي، ونفس الأمر فعلته البعثة الأممية في ليبيا، برئاسة ستيفاني وليامز إذ دعت الأطراف السياسية، إلى ضبط النفس.