طرد «الغنوشي».. بين الدعوة للفوضى وانهيار الشعبية
تعيش حركة النهضة التونسية (جناح جماعة الإخوان) مرحلة صدمة على أكثر من مستوى، فبخلاف حل البرلمان الذي كانت تسيطر على أكثريته وتدير من خلاله البلاد، وبالإضافة إلى الاتهامات الموجهة للحركة، والتي قد تنهي الوجود السياسي لها، تعد أكبر خسارة، انهيار شعبيتها.
كانت حركة النهضة، تراهن على شعبيتها التي راحت
تكونها على مدار عقود، معتمدة فيها على الاقتراب من الشارع وسد احتياجات المواطنين، إلا أن ذلك لم يضمن للحركة قبولًا شعبيًّا مستمرًا، إذ فقدت الرضا
الشعبي بعد عشر سنوات من المساهمة في الحكم وقيادة المشهد.
ويعد
مشهد طرد زعيم الحركة «راشد الغنوشي» من صلاة التراويح، في محافظة بن عروس،
مساء الأحد الماضي، أكبر محنة تمر بها الحركة، إذ فقدت الحاضنة الشعبية التي طالما
استندت إليها، حيث تجمع حشد من المواطنين بالقرب منه مرددين هتافات تدينه،
مطالبين بمغادرته.
تكرار
واستطلاع رأي
لم تكن هذه
المرة الأولى التي يطرد فيها الغنوشي، فالموقف نفسه تكرر بمنطقة الملاسين الواقعة في
ضواحي تونس العاصمة، إذ رفض المصلون دخول الغنوشي إلى المسجد مرددين «لا مكان
لعملاء السفارات بيننا» ووصفوه بـ«المجرم» و«السفاح».
وتبنت مجموعة
تدعى «حراك 15 جويلية 2021» حادثتا الطرد، إذ كتبت عبر حسابها على موقع التواصل «فيس بوك» قبيل واقعة بن عروس: "عاجل.. الآن شباب حراك 25 جويلية ببن
عروس يتوجه نحو جامع المحمدية لطرد راشد الغنوشي الطرد الثالث على التوالي. على
الأحرار الالتحاق. عاش حراك 25 جويلية".
ويتسق ذلك مع آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «سيجما كونساي»، خلال مارس الماضي، حل فيه الغنوشي في المرتبة الأولى في مؤشر انعدام الثقة الكلي بين الشخصيات السياسية في البلاد، بنسبة 88 %.
رد النهضة
من جانبها حاولت حركة النهضة التونسية التقليل من واقعتي طرد «الغنوشي»، ملمحة إلى احتمالية أن تكون الحادثتان مدبرتين.
وقالت الحركة في بيان رسمي إن
عدد المشاركين في واقعة الطرد لا يتجاوز أصابع اليدين، متابعة: «هذه المجموعة
تبدو مأجورة جاءت لأداء مهمة محددة لفائدة أجندة معينة دلّ عليها النقل السريع للخبر
الكاذب في بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية».
واعتبر البيان
أن الحادثتين هدفهما خلق رأي عام موهوم وتوظيف المغالطات في مواجهة الحركة مع الدولة
التونسية ممثلة في شخص الرئيس قيس سعيد.
ردود
فعل عقلانية
اتهامات حركة النهضة للدولة بتدبير الواقعة لم يمنع بعض المقربين من الحكم برفض الواقعة ليس لأنها مدبرة ولكن لما فيها من مخالفة لمعايير الجمهورية التونسية الثالثة من حرية الحركة والممارسات الدينية.
وكتب عبدالحميد أولاد علي، عضو حملة الترجمة الفورية لرئيس الجمهورية، وعضو مشروع البناء الديمقراطي القاعدي، عبر حسابه على «فيس بوك»: «تابعت في مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي عملية طرد "الغنوشي" من طرف مجموعة من الأشخاص من مسجد في ضواحي مدينة تون».
وأوضح أنه: «طبقا للقانون ومخرجات الاستشارة الإلكترونية والتي حددت موقف أغلبية
الثلثين ممن شاركوا فيها أن الدولة هي المسؤولة عن إدارة الشأن الديني وتنظيم دور
العبادة»، مضيفًا :«أعبر بكل موضوعية عن استيائي لهذا السلوك غير
المسؤول والذي لا يختلف عن استعمال دور العبادة منبرًا للتأثير السياسي».
وأضاف: «طبقًا لحرية المعتقد وممارسة الطقوس الدينية، انبه الجميع من المساس بالحريات الشخصية
لأي مواطن».
وشدد: «حفاظًا منا على الدولة وقوة النظام وتحكيم القانون فيصلًا بين الجميع سواسية، نترك كل جهة مسؤولة تقوم بدورها حسب ما خوله لها القانون ولا ننجر إلى مربع الفوضى»، مضيفًا: «نحن نبني دولة القانون والمؤسسات والعدالة غير دولة المحاصصة والانتقاء والمناكفات الضيقة».





